تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حول قانون الانتخابات

تعديلات مجحفة تتعارض مع الديمقراطية ومبادىء الدستور

صادق مجلس النواب يوم أمس الاحد 8 تشرين الثاني الجاري على تعديل قانون انتخاب مجلس النواب. واذا كانت التعديلات قد ضمنت اجراء الانتخابات في شهر كانون الثاني المقبل مستبعدة المحاذير التي كانت ستترتب على تأجيلها، واقرت اعتماد القائمة المفتوحة، فان مصادقة المجلس على القانون والاجراءات الخطيرة التي يتضمنها، شكلت تراجعا جوهريا عن الديمقراطية في بلادنا وتهديدا حقيقيا لمستقبلها. وبدا كما لو ان المعارك الكلامية الصاخبة التي رافقت صراعات الاسابيع الماضية حول ربط مسألة كركوك بالقانون، قد افتـُعلت للتغطية على تمرير الاجراءات المذكورة باصوات نواب الكتل المتنفذة، الذين حشدوا بكثافة نادرة المثال.

فقد قلص المجلس في المادة الاولى من القانون عدد المقاعد التعويضية، المخصصة اصلا للقوائم التي لا تحقق القاسم الانتخابي على صعيد المحافظات وتحققه على المستوى الوطني، من 45 في القانون الاصلي الى حوالي 15 مقعدا فقط ! وحين نعلم ان هذه المقاعد ستخصص منها حصص لبعض المكونات القومية والطوائف (8 مقاعد)، وللنواب الذين ينتخبهم العراقيون المقيمون في الخارج والذين تزيد نسبتهم على 10 في المئة من سكان العراق، يتبين لنا كم هو اعتباطي هذا التقليص وغير مسؤول. فالسبعة او الثمانية مقاعد المتبقية لن تكفي حتى لتغطية اصوات الناخبين في الخارج.

ومن جانب آخر يصادر هذا التقليص عمليا كل حق للقوائم التي تحرز القاسم الوطني في الوصول الى البرلمان. الامر الذي يجسد مدى انانية معظم الكتل المتنفذة و ضيقها ذرعا بالتعدد والتنوع في مجلس النواب، وسعيها الى الاستحواذ الكامل على المجلس النيابي والسلطة كلها، واحتكارهما وتقاسمهما بعيدا عن الصيغ الديمقراطية المعهودة.

وفي المادة الثالثة من القانون ذهبت الكتل البرلمانية الكبيرة ابعد كثيرا في انتهاك الديمقراطية، والاستهانة السافرة بالناخبين وتحديهم. فقد فرضت مجددا منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة، بدل وضعها – كما تقضي الديمقراطية ويقتضي المنطق والعدل - تحت تصرف القوائم الحاصلة على اعلى الاصوات المتبقية. وبذلك فتحت الابواب مجددا امام تكرار التجربة سيئة الذكر في انتخابات مجالس المحافظات اوائل السنة الحالية، عندما ارتكبت الكتل الكبيرة الخطيئة بسلبها اصوات ما يزيد على مليونين وربع المليون ناخب اقترعوا لقوائم اخرى، واستخدمتها في انتزاع مقاعد اضافية في مجالس المحافظات دون وجه حق.

وما يبعث على الاستغراب والاستنكار، ان الكتل المتنفذة تعيد الكرّة هنا رغم كل مظاهر الرفض الشعبي والاحتجاجات والادانات، التي قوبلت بها آنذاك تلك الممارسة اللاديمقراطية. وواضح انها تعيدها اليوم وهي تدرك تماما تعارضها مع مبادىء الدستور ايضا. كما انها تفعل ذلك مع سبق الاصرار وبتحدّ ٍ صريح للناخبين وارادتهم، ولحقهم الدستوري في اختيار من يريدون لتمثيلهم في البرلمان والاجهزة المنتخبة الاخرى.

ان ما اقدمت عليه الكتل الكبيرة يوم امس، يشكل ظاهرة بالغة الخطورة في العملية السياسية والتجربة الدستورية في بلادنا، وضربة قوية الى الديمقراطية الوليدة، وتراجعا سافرا عن نهجها ومسيرتها.

ويأتي هذا على الضد مما كانت اوساط الرأي العام الوطني تتطلع اليه، من معالجة جدية وايجابية لجوانب القصور في قانون الانتخاب النافذ حتى يوم امس، وجعله قانونا ديمقراطيا يضمن مشاركة اوسع لابناء شعبنا، لاسيما الشباب، وتجسيدا افضل لمبدأ المواطنة وترسيخا للوحدة الوطنية.

وان من واجبنا التحذير من العواقب الفورية لذلك كله بالنسبة الى الانتخابات المقبلة ذاتها. فمن المعلوم ان صدقية هذه الانتخابات قد تواجه امتحانا عسيرا امام عزوف نسبة كبيرة من الناخبين المحبطين نتيجة ً لسياسات الكتل المتنفذة نفسها، عن المشاركة والاقتراع. وان حجم هذا الاحتمال يتزايد اليوم بفعل نص القانون الجديد على منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة. حيث يتساءل ناخبو القوائم الاخرى وهم على حق، عن جدوى مشاركتهم في الانتخابات ما دامت اصواتهم ستذهب في النتيجة، ورغم انوفهم، الى القوائم الفائزة التي يرفضونها ولا يريدون باي حال منحها ثقتهم.

ولهذا السبب ايضا، فضلا عما سبقت الاشارة اليه، نتوجه الى مجلس رئاسة الجمهورية، المكلف بالسهر على ضمان الالتزام بالدستور، مطالبين بنقض المادتين اولا وثالثا من القانون المصادق عليه يوم امس، وارجاعه الى مجلس النواب لاعادة مناقشته ورده الى سياقه الديمقراطي السليم.

كما ندعو جماهير شعبنا واوساط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني وسائر الحريصين على الديمقراطية ومستقبلها في العراق، الى رفض المادتين المذكورتين والضغط في اتجاه تعديلهما كي يأتي القانون ديمقراطيا حقا، وضامنا للتعددية السياسية والتمثيل الصحيح لابناء الشعب العراقي جميعا.

المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
9 تشرين الثاني 2009