يهود كُردستان.. تاريخهم، مواقعهم، أعمالهم، صورهم

عاش يهود العراق أكثر من 2500 سنة في بلاد النهرين وانخرطوا مع العراقيين وتلاحموا وانصهروا وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من بلاد النهرين وساهموا في التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. في الكتاب الصادر حديثا " يهود كردستان - تاريخهم، مواقعهم، أعمالهم، صورهم " يتناول المؤلف "هه لويست قادر علي" يهود كردستان بصورة خاصة منذ نفيهم من قبل الملك شلمنصر واستقرارهم في شمال بلاد النهرين، استعرض المؤلّف نبذة عن تاريخ اسرائيل والغزوات المتتالية التي تعرّضت إليها، واعتبر المؤلف أنّ يهود كردستان من أقدم التجمعات اليهودية في تاريخ العالم خارج اسرائيل وأكثرها انعزالاً حيث الطقوس الخاصة بهم مختلفة تماما عن بقية اليهود في البقع الاخرى من العالم، معتبرا وجود اليهود في كردستان لأوّل مرة كان بعد الترحيل الإجباريّ والنفي من قبل (الأشوريين ) لليهود من مملكتيهم (يهودا وإسرائيل)، وقد حصل اليهود الذين تعرّضوا للنفي إلى كردستان موافقة السلطان الرهبانية لنشر الديانة اليهودية في كردستان، وقد نجحوا في ذلك بعد اعتناق العديد من السكان المحليين الدين اليهودي وخاصة السكان التابعين لمملكة (أديابين) ..
العائلة الملكية الكردية المعروفة (أديابين) التي اتخذت من ( أربيلا) كعاصمة لها قد اعتنقت الديانة اليهودية أثناء القرن الأول قبل الميلاد، وهذا سببٌ لانتشار الديانة اليهودية في كردستان حيث اعتنق السكان المحليون الديانة اليهودية، ويرى هه لويست أنّ يهود كردستان لهم صفات خاصة عن بقية يهود العالم حيث لازالوا الى الآن متمسّكين بعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم الذي ورثوه عن أسلافهم الذين عاشوا على أرض كردستان جنبا الى جنب مع الأكراد لآلاف السنين تعايشا سلميا مبنيا على التعاون المشترك.
ويذكر المؤلف أن اليهود ما زالوا يفتخرون إلى يومنا هذا بعائلة ناثانييل بارزاني التي تمتلك مكتبة كبيرة وقامت بالعديد من الأعمال الدينية وخدم ابنها صامويل حاخاما في مدينة الموصل وقد اعتبر أبا روحيّا لإسرائيل في فترة من الفترات .. وعن نشاط يهود كردستان فقد قام اليهود في كردستان بفتح مدارس وأكاديميات تعليمية ودينية وعلمية في عديد المناطق التي يتواجدون فيها، ويؤكد الكاتب أنّ هناك عددا من اليهود العراقيين بقوا في كردستان بعد عملية التهجير القسريّ عام 1948 حتى بداية التسعينات بسبب تدهور الأوضاع في كردستان، وتأسّست منظمة للعلاقات الكردية الإسرائيلية باسم (يديدوت) عام 1993 أمّا عن مناطق تواجد اليهود في كردستان وتوزيعهم الجغرافي حيث توجد اكثر من 200 قرية يهودية خالصة تماما (هذا ما يؤكّده يونا صبار في كتابه حول الأدب الفلكلوري ليهود كردستان) حيث كانوا يتكلّمون اللغة الآرامية وانتشروا في أربيل وكذلك في الناطق الجبلية (دهوك، زاخو، اميدي، آكري ) وغيرها من المناطق .. أمّا في مدينة السليمانية فكان لهم تواجد كبير، كان لهم حيّ خاصّ بهم باسم (كه ره كي جوله كان ) ومعناه حيّ اليهود، وفي مناطق مثل حلبجة وبنجوين وقره داغ ومدينة الموصل التي اعتبرها المؤلّف المركز الصناعي والروحي ليهود كردستان حيث سكنوا بشكل مكثف .. وكانت في كردستان شوارع تحمل أسماء يهودية في كثير من المدن ..
وتحدث المؤلف عن أزياء يهود كردستان وهي نفسها الأزياء الكردية ولا تختلف عنها إلا في الملابس الدينية، أمّا أعمال يهود العراق في كردستان ومهنهم فقد عملوا بالزراعة والتجارة وكذلك في أعمال يدوية، وقد كانت أحياء اليهود داخل أحياء المسلمين وكانوا يمتلكون غالبية المحلات التجارية في المناطق مثل خانقين، وفي (آميدي) كانوا يمتلكون معظم محلات القماش، وفي زاخو كانت هناك سوق خاصّة بهم تسمّى ( شوكت هوديعي ) ومعناه المحلّ اليهودي، وفي اربيل وكركوك كانت لهم أسواق خاصة بهم.. وكان معظم اليهود العاملين في الصناعة يمارسون سباكة الذهب والفضة، وكانت تلك المهن تورث من الآباء إلى الأبناء، وكذلك اشتهر اليهود العراقيون في كردستان بالتطريز والتزيين.. وقد ظلّت قبور الأنبياء التوراتيين ومراقدهم في كردستان محط اهتمام اليهود حتى يومنا هذا مثل (النعوم) في (اليخوش) والنبي (يونس) في (نينوى القديمة ) و( دانيال) في ( كركوك) و(حباكوك) في تويسركان، (ويونا) في نينوى والملكة (استر) و(مردخاي) في (همدان) وضريح كل من ناثانييل وابنه صامويل بارزاني في العمادية، وزارت (اليجا ).. وفي ختام الكتاب كتب المؤلف عن مصير يهود كردستان بعد هجرتهم إلى إسرائيل منذ أربعينات القرن العشرين حيث أدّى إلى اختفاء اليهود من كردستان تقريبا وأصبح عددهم قليلا جدا، ويقدّر عدد اليهود الأكراد في إسرائيل بأكثر من (150000)الف نسمة وهناك إحصائيات أخرى تقدر بحوالي (200000) شخص بحيث يتواجد نصفهم في القدس في أحياء (كاتامون، مهانية، يهودا، ماميلا، يمن موشى، شيخ بدر، مالحا، ليفتا ) .. وفي نهاية الكتاب ذكر أنّه: بعد مرور أكثر من خمسين سنة على هجرتهم الى اسرائيل لا يعرف الجيل الحالي في كردستان والعراق عموما إلا القليل عن اليهود الذي عاشوا في بلادهم واختفى أيّ أثر لشعب عاش على ارض ميزوبوتاميا لآلاف السنين مع بقية أبناء الأديان والطوائف الاخرى.

مازن لطيف
Mazin774@yahoo.com

المصدر: موقع الاخبار، 8/8/2009