الانتخابات البرلمانية القادمة ...ومستوى وعي المواطن

العملية الديمقراطية في العراق خاضت أطوار وتحدت مصاعب كبيرة وكثيرة، وتدخلت دول قريبة وبعيد لرسم معالم العملية السياسية وفق متطلبات مصالحها.

ولم يتبين للمواطن العراقي مصداقية القيادات في موضوع وطنيتهم إلا الشعارات والوعود...بل أثرت صحوة ووعي الشعب العراقي على القيادات السياسية لكي تغير رأيها العنصري والطائفي ليرفعوا شعارات وطنية.

ولنقل أن المرحلة المقبلة صراع بين الكتل والأحزاب لكي يثبتوا أيهم أكثر وأصدق وطنياً...لكن من المؤسف أن أغلب التنظيمات الحزبية القديمة والحركات التي بدأت تظهر على الساحة السياسية العراقية تحاول التأثير على الوعي الجماهيري لما يحمله من مفاهيم عن الوطن والوطنية. والسؤال الذي سيكون الشغل الشاغل لدى المواطنين ويبحثون عن جواب واقعي ومقنع ...هو ما الذي حدث لكي يتغير المتزمت بالتطرف ليتحول أكثر وطنياً من غيرهم؟

وسيبقى يلح بطلبه المشروع لمعرفة معنى الوطنية لكي يفرز الحقيقة من الزيف.

الشعب العراقي يعلم جيداً أنه وحده قد غير وجهة القيادات من الممرات الضيقة للواجهة الوطنية...والشعب العراقي يعلم جيداً أن القرار النهائي بيديه ومن خلال صناديق الاقتراع...وإن كان ما زال لدى الكثيرين من أبناء الشعب العراقي شك في مستوى نزاهة العملية الانتخابية...ولازال عدد من أعضاء مجلس النواب يطالبون بمسائلة المفوضية للانتخابات...لأن ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأولى قد حرم شخصيات وحركات من أن تتبوأ مقاعدها حسب الاستحقاق الانتخابي، ولكن فرض التزوير المتعمد قد أعطى مقاعد لمن لا يستحقها حرم آخرين كان لهم الحق بأن يمثلوا الشعب العراقي. وسيبقى المواطن العراقي الذي في شك وريبة من المشاركة أو عدم المشاركة يتراوح بين أن يقرر أو يبقى خارج عملية المساهمة في صنع القرار السياسي للدولة العراقية الجديدة.

المسألة الأخرى المهمة والتي تشغل المواطن العراقي قانون الانتخابات الذي لم يقره البرلمان لحد الآن...وبثت إشاعات من داخل البرلمان حول تأجيل الانتخابات من أجل استمرار البرلمان الحالي لعام أو عامين، والأخذ بالقائمة المغلقة وجعل العراق دائرة انتخابية واحدة...الخوف يهيمن على أحزاب وتكتلات وقيادات من أن الوعي الجماهيري سيحدد مستقبلهم السياسي. فلو فرضنا أن البرلمان وافق على القائمة المغلقة ما هي نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة، ويتساءل هل ستبقى ذات الوجوه في البرلمان...وهل تعتبر عملية انقلابية بطريقة ديمقراطية مفتعلة على إرادة الناخب العراقي. حتى ولو..!

أن الناخب العراقي سوف لا يخضع لمثل هذه الضغوط، ولا يقبل بالمحاولات البائسة من أجل بقاء السياسيين الذين أخفقوا في عملهم وكانوا سبباً في نشر الفساد الإداري والمالي ويمكن القول أنهم ساهموا في نزف خزينة الدولة العراقية حيث أدى هذا الوضع المأساوي من ميزانية 70مليار دولار لميزانية تكميلية لم يتفق عليه...وبدأت الحكومة تبحث عن قروض لدى المؤسسات المالية الخاصة أو قروض لدى البنك الدولي. ومازال العراقي المسكين يعاني العوز بكل أنواعه. والمستفيدين الوحيدين من هذا التغيير ألقسري هم المنتمين للأحزاب النافذة والعاملين في الأجهزة الأمنية، والعاطلين عن العمل في تزايد وأعداد الأرامل كبيرة واليتامى فاق عددهم المليون...والمتقاعدين في وضع اقتصادي صعب بسبب الغلاء الفاحش...والمزارع والفلاح يبحث عن عمل في المدينة لأن قلة المياه قتل الأرض...والقيادات السياسية تتصارع فيما بينها من أجل جني ثمار التغيير والبقاء في السلطة لأن لأموال الحرام طعمٌ خاص لا يتلذذ منها إلا من باع ضميرهُ ودينهُ ووطنه.

الناخب سوف لا يتوجه لكي يعطي صوته لمرشح لا يعرفه عن قرب...أو الأصح أنه لا يدلوا بصوته لمن لم يشارك في ترشيحه. ولجملة هذه الأسباب أما ستكون نسبة الناخبين أقل مما كان عليه في الانتخابات الماضية...أو أن الناخبين يختارون تيارات حديثة وليس النافذة في السلطة.

الحل الأنجع أمام البرلمان العراقي هو أن يقر بفشله خلال الأعوام الأربعة خصوصاً في مسألة إقناع المواطن العراقي أن أعضاء البرلمان تحملوا المسؤولية وكانوا صوت الشعب وضميره...مع أنهم أنجزوا الكثير من القوانين وإن لم يرى نورها المواطن ولم يلمس نتائجها على أرض الواقع، لكن من أجل إنصاف برلمانيين قد أدوا مهامهم على أحسن وجه وكان لموضوع المسائلة الوحيدة لوزير كان سبباً في هدر مليارين دولار...ولا يمكن إحصاء المبالغ الهائلة التي سرقت من رمق المواطن العراقي...وعطل دور البرلمان لغايات ومصالح أحزاب معينة.

المواطن العراقي يحمل في ذاكرته خواطر وهواجس لا تجعله متفائل من هذه النخبة السياسية بصورة تعطيهم فرصة ثانية...أن الناخب يبحث عن برامج تضمن له حياة كريمة...وقد لا يصدق بجميع البرامج الانتخابية التي سوف تتشابه، ولكنه يقدر من هم وراء هذه البرامج ومدى مصداقيتهم ووطنيتهم والنزاهة والشفافية في التعامل مع الناس. وهذا الوعي النوعي قد يجابه بتحديات منها تكون على شاكلة مغريات وأخرى تستخدم وسائل غير شرعية ولا قانونية من تخويف وترهيب وتوعد...

المسؤولية تقع على جميع المثقفين المخلصين للوطن والشعب العراقي أن يشرعوا بحملة واسعة لبيان خطورة وأهمية الانتخابات البرلمانية القادمة، وكيفهم فرز الصالح من الطالح...وأن الوطن وحقوق المواطنين فوق كل شيء وقبل كل شيء...المثقف يجب أن يهتم بهذه الانتخابات ويكون لدوره مكانة مميزة لكي تصل المعلومة الصحيحة حول المرشح والكتل والبرامج الانتخابية...وأن لا يقعوا في فخ الشعارات والوعود التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع....هذه مهمة صعبة فلا تتركوها للأحزاب فقط...وأن عدد المثقفين المستقلين ليس بالقليل ولدورهم أثر كبير في بناء الدولة العراقية الحديثة...مهما توسعت دائرة المعارف لدى المواطن العراقي فهو بحاجة للأفضل والأكثر الذي يقربه من نيل حقوقه كمواطن ينتمي للعراق.

عباس النوري
2009-07-28

--
العراق يتقدم...ويتطور...والمخلصين ينهضون من غفوتهم