وضع عراقي قاتم ومقلق..

لا يبدو في الحاضر العراقي ما يطمئن مع الأسف.
لقد تنفس العراقيون قليلا عندما انحسر الإرهاب جزئيا، وعندما انتشرت، قبل وأثناء الانتخابات الأخيرة، شعارات وطنية عامة، كان المالكي من بين من رفعوها، ونعني على قائمته الانتخابية.
كانت قترة قصيرة ليعود الوضع العام أشد قتامة وخطورة.

إن الأمن النسبي بدأ تحل محله العمليات الإرهابية للقاعدة وفلول صدام، وفروع جيش المهدي في الجنوب، التي تتخفى بعناوين وأسماء مختلفة، مثل "عصائب أهل الحق" و"ألوية اليوم الموعود" و"كتائب حزب الله، المرتبطة كلها بفيلق القدس الإيراني، والموجهة ضد القوات الأميركية، كما حدث مؤخرا مع قصف صاروخي في البصرة أودى بحياة ثلاثة جنود أميركيين. إن القادة العسكريين الأميركيين في العراق باتوا يشددون القيود العراقية المتزايدة على تحركاتهم، ويقولون إن الجانب العراقي راح يفسر بنود الاتفاقية الأمنية كما يشاء هو، كما أن الحكومة العراقية أنذرت الأميركيين بوجوب تسليم ما لديهم من وثائق عهد صدام، علما بأن وجودها لدى الجانب الآخر هو أكثر حصانة لها، وينجيها من التلاعب بها لأسباب وحسابات سياسية أو شخصية، ورغم العمليات الإرهابية القاعدية، التي استهدفت الشيعة في بغداد وخارجها، فإن الحكومة والأحزاب الدينية الشيعية تواصل النفخ في مشاعر الناس الدينية لتهب بمئات الآلاف لزيارة الكاظمية، في تملق مستمر للمشاعر الدينية، وفي استخفاف متواصل بالمخاطر الأمنية.

إذا تركنا الأمن المهتز، فنحن نشاهد العودة القريبة للإئتلاف الموحد، ومن نفس الأحزاب الدينية، مضافا لها الدكتور الفاضل أحمد الجلبي و السيد الجعفري، وكأن وجودهما يغير الطبيعة الطائفية للإتلاف، مع أنهما كانا من أقطابه. إن ما هو معروف ومنتشر هو أن إيران هي من وراء بعث الإئتلاف منذ زيارة علي لاريجاني ليقوم قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، بالإشراف على تحقيق هذا المشروع السياسي المجاري لإيران. وكما هو منتشر أيضا، فيبدو أن السيد المالكي طلب وعدا صريحا من بقية الأطراف في الإتلاف بإعادة انتخابه رئيسا للوزراء، وربما يسعى للحصول على دعم أوباما في هذا الشأن. وهذا الاحتمال دفع الكاتب العراقي الأستاذ عدنان حسين ليخاطب رئيس الوزراء بأنه رغم أهمية أي دعم خارجي، فإن العامل الحاسم هو أداؤه الداخلي. فأين الخدمات بعد مضي ست سنوات؟! وأين مكافحة الفساد والمالكي يهدد البرلمانيين الذين يريدون استجواب بعض الوزراء المتهمين بالفساد؟ يهددهم بفتح ملفاتهم الشخصية هم! ما شاء الله! إذن فالفساد عام، والمالكي خير العارفين.

وقد أشرنا في مقالنا بعنوان "عودة الإئتلاف" في الشهر المنصرم إلى حجم مغانم الشركات الإيرانية من العقود، ومنها في كربلاء والبصرة، وقد أبدى كثيرون من أهالي كربلاء سخطهم لإعطاء شركة إيرانية عقدا بأربعين مليون دولارا، ولكننا لم نسمع عن شكوى مماثلة من البصرة! وتفسير ذلك في رأينا يتجلى في إنذار اتحاد عمال البصرة، المستند لدعم السلطات المحلية، إلى شركتين نفطيتين بريطانية وصينية كانت وزارة النفط قد منحتهما عقدين. هذه المرة الشركتان ليستا إيرانيتين وإذن فيجب منعهما من العمل وتنفيذ العقد. ونقول لمحافظ البصرة المحترم، إنه، بدلا ن مجاراة إيران، وبدلا من فرض الحجاب على النساء، فلينظر قليلا لحالة المدينة، التي كانت كالبندقية، لنراها اليوم كالمزبلة. ألا سبحان من جاء لشعبنا بهؤلاء المحافظين! ثم في أية دولة نحن إن كان لكل محافظة حق الفيتو على قرارات الحكومة المركزية؟! أية دولة يا ترى؟!
وإذا انتقلنا لإقليم كردستان، فالمؤسف أن تصدر حكومته مشروع دستور فيه بنود لا تتفق مع طبيعة وصلاحيات إقليم فيدرالي ضمن دولة واحدة. نجد مع الأسف إصرارا على الحل الانفرادي لمسألة كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها بقرار ضمها من جانب واحد. نقرأ أيضا عن حق الإقليم في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول العالم. نقرأ أشياء أخرى وأخرى، تعطي مجتمعة الانطباع وكأننا في دولة كونفيدرالية لا دولة اتحادية، [فيدرالية]. فهل نأمل من القيادات الكردية، التي كانت لها مواقف مشرفة وموضوعية سواء في عهد المعارضة أو بعد صدام، أن تعيد النظر في موضوع تلك البنود لكيلا يتخذها الخصوم ذرائع للتأليب ضد الإقليم شعبا وحكومة وأحزابا. آمل من القلب أن يتم ذلك، كما أن المالكي مدعو، من جانبه، للكف عن التشنج في التعامل مع حكومة كردستان.
هناك أيضا العقدة الصعبة الأخرى، ونعني موضوع تعديل الدستور وحوله خلافات حامية.
كل ما مر من الظواهر والممارسات السليبة جدا ومن العقد الملغومة تبدو لنا مقلقة جدا، فهل كتب على شعبنا أن تستمر معاناته.

عزيز الحاج
19/7/2009