المسؤول وواجبه الشرعي والوطني القسم الأول

يجب أن لانخجل من القول إن ثوب الديمقراطية في عراقنا الحبيب يبدو أنه لم يأت على قياس قادتنا ، فإحدهم كمن يرتدي رداءا أكبر من مقاسه ، فهو يتعثر معه في مشيته ، أو كمن يدخل عالما غريباً لم يكن متوقعاً ، فهو أيضاً منشغل بغرابة هذا العالم غير منتبه لما يجب أن يفعله أو لايفعله . منذ ستة سنوات ونحن نراقب كيفية تعامل أخوتنا الوزراء وفي البرلمان وعلى كراسي المناصب الخاصة ، فنجد أن اسلوبهم في التعامل مع الشعب والخلق الذي نراه جلياً في ممارساتهم – وخاصة الإسلاميين منهم - لاينسجم أبداً مع تاريخهم وثقافتهم اللذين عرفوا بهما ، وهو أيضاً لايقترب مع ما وعدوا الناس به من قبل ، ونحن نعتقد أن من أكبر مصاديق السياسي هو (التواضع والوفاء بالوعد) وهذان الإثنان أصبحا بعيدان عند الغالبية منهم (بعد الشيطان عن فردوس الرحمن) ، فالقفز على المباديء الدينية والأسس الخيرة هو مدعاة لأن يفقد السياسي أو القائد مصداقيته ، وهو بذلك يدخل ضمن الأطر التالية ، إما أنه - وعن قلة دين وورع - مغرور بالموقع الذي هو فيه وغروره هذا يقوده إلى استصغار الآخرين والتعالي عليهم وعدم احترام مشاعرهم في تصرفاته ، أو أنه جاهل ، وهو بذلك لايفقه ما يفعله ولا نتوقع من الجاهل غير القصور والتقصير ، أو أنه انتهازي ووصولي ، وبذلك فإن جلوسه على ( الكرسي الذهبي ) جعله يستشعر أن الهدف الذي يسعى إليه في الحياة قد تحقق وهذا هو كل الفتح .

ومن أكثر الثقافات سلبية لدى السياسي أو القائد هو الهروب عن المواطن والتحصن بعيدا عنه ، وهذا ما نراه في غالبية سياسيينا ونوابنا ومسؤولينا الكبار كالوزراء ووكلائهم والداخلين في دوائرهم . فالمفروض من (الوزير) و(النائب) أن يكون قريبا من ممثليه ليكون على كثب من معاناتهم ومشاكلهم ولكي يشاركهم الرأي في كيفية وضع الحلول لها ، وهذا الأمر من أهم الأمور التي يفكر بها المواطن عندما يختار نائبة وهو في طريقه إلى صندوق الإقتراع . لقد عشت في الهند سنوات طويلة في مقاطعة مهراشترا وعاصمتها ( بومباي ) ورأيت كيف تتخذ غالبية المقاطعات لنوابها شارعا خاصا وسط المدينة ، فيه مكاتب لممثلي الشعب ، وفي بومباي كان مثل تلك المكاتب في منطقة ( كولابا ) لنواب برلمان المقاطعة ، لاتجد صعوبة ولا حرجا في لقاء النائب أنى ومتى شئت ، وربما لاتحتاج في ذلك إلى موعد مسبق إلا إذا كان الأخير في إجازة أو لقاء فعندها يحدد لك المكتب وقت اللقاء ، وكذلك فإن كل الوزراء أبواب مكاتبهم مشرعة للمواطنين ، فلا يجد من لديه مشكلة أي صعوبة في لقاء الوزير متى شاء . وفي بريطانيا يمكنك أن تلتقي بعضو البرلمان من خلال قناتين في أي وقت شئت ، الأول هو الاتصال بـ ( الكمون هاوس ) وفيه مكاتب لكل البرلمانيين ، أو أنك تلجأ إلى مكتب النائب في منطقتك ، أو تتصل به تلفونيا من أجل ترتيب موعد للقاء بكل شفافية ويسر. وإذا ما استثنينا بعض الدول العربية أو المتخلفة فإنك ترى ذلك شائعا في كل العالم ، أي أن النائب والمسؤول يكون دائما في متناول رغبة المواطن إذا ما رغب في لقائه لسبب ما .

لكن ذلك لم يكن متوفرا لدينا في العراق ، وهذا بالطبع يدعو إلى الأسف وخيبة أمل لدى شعبنا ، حيث أن لقاءك بأي وزير وخاصة ( الإسلاميين الشيعة منهم ) يعتبر ضربا من المستحيل ، فمكاتبهم محصنة بأشخاص غريبي السلوك والأطوار ، أقل ما يقال لك وأنت تبدي رغبتك بلقائه : أن الوزير غير موجود ، أو أنه مشغول وعليك أن تأتي بموعد مسبق وإذا ما حاولت الحصول على الموعد فإنك سوف تجد نفسك في دوامة تجبرك على ترك اللقاء . وأتذكر أحد الوزراء كانت لي علاقة وطيدة معه وكنا نتبادل الزيارات في بيوتنا زمن المعارضة لنناقش الكثير من أخبار العراق ومعاناة شعبنا المظلوم ، وفوق كل ذلك فإن ( مصاهرة ) قد حصلت بيننا مؤخراً ، هذا الرجل عندما استوزر حاولت أن ابارك له ، عملاً بأخلاقنا الإسلامية التي تحتم علينا التواصل والاحترام ، فحاولت كثيراً لأتكلم معه وأبارك له فلم أفلح حتى يئست ، واتذكر أني في ذلك الوقت أدركت تماما من أن الرجل قد جرفته الدنيا وأن المنصب الجديد قد جرده تماماً من تلك الأخلاق التي كنا نعرفها منه ، فتركته للزمن ، وقد صدق حدسي ، فعلى حين غرة فقد سعادة الوزير كل شيء وسقط في بئر خطيرة .. لقد ذكرني ذلك بالحديث الشريف : من يتخذ أكتاف الناس مجلساً ، فالسقوط قدره المحتوم ، ناهيك من أن الإنسان الذي يحاول أن يتخذ من ( الدين ) ستاراً لمآربه الدنيوية فإن الله سوف يكشفه لامحالة ، فمن غباء الظالم أنه يعتقد أنه محكوم بقضاء هذه الدنيا وحسب ، ونسي أن ثمة ( قاض) يشرف على قضاء هذه الدنيا وله الحكم الفصل فيها . فلابد للمظلوم ومهما كانت ظلامته صغيرة من أن يرى في يوم ما في هذه الحياة من يعيد إليه حقه ويرى خزي من ظلمه ، وخاصة إذا ما أدركنا وفق المعايير الدينية من أن الدنيا هي اختبار ، وأن المسؤولية أو المنصب هو إحد آليات ذلك الإختبار ، ألم تقرأ قول الله تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) ؟؟.

لماذا إذن يحتقر مسؤولينا أناسهم ؟! ولماذا لايعلم أحد أين يتواجدون ؟ ، وإذا كانت الظروف الأمنية سببا في ذلك وإيمانهم بمقولة الإمام علي عليه سلام : كفى بالأجل حارسا ( صفرا ) ، لماذا يستعصي على المواطن أن يعرف رقم هاتف الوزير أو النائب ، وإذا عرفه بطريقة ما ، فهو مغلق دائما ؟ .. ومن وراء ذلك الإنتفاخ الشخصي والغطرسة والغرور ، وهل هذا الإنقطاع الدائم بين الشعب العراقي ومسؤوليه هو في صالح بناء العراق أم هو ( خلق ) سوف يؤدي حتما إلى خراب من نوع آخر أو هو على أقل تقدير يشارك في التأخير في بناء هذا الوطن ؟ وهو في آخر المطاف خيانة حتماً... أهو قصور في ( التجربة الديمقراطية ) التي وردتنا جاهزة من الغرب ، أم هو خلل في أحزابنا التي ينتمي إليها كل النواب والمسؤولين الكبار تقريبا ، أو هو يكمن في طبيعة وتركيبة المسؤول وثقافته الدينية والسياسية ؟! أم هو شيء آخر ؟!! هذا ما سوف نجيب عليه ونناقشه في القسم الثاني إنشاء الله .

--------

الدكتور طالب الرمَّاحي
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
www.thenewiraq.com
12/7/2009