المالكي وذهنية السلطة وشجن الديمقراطية


احمد ناصر الفيلي

التصريحات الاخيرة للأمين العام لأحد اجنحة حزب الدعوة والذي يعتلي ايضاً منصة رئاسة الوزارات والتي بثها عبر موقع دولة القانون ليبثها واضحة وبقدر ما تحمل هذه التصريحات من استفزاز وخرق للدستور عبر موقع دولة الدستور فأنها تكشف عن بنية فكرية وتوجهات عيانية ذات ابعاد منافية لجوهر العمل والتوجه الديمقراطي مثلما تعني ولادة انواع جديدة من الاستئثار بالسلطة التي اسرت الرجل وكيف لا وحال الفساد المالي والاداري الضارب بأطنابه مفاصل عديدة من حكومته التي ترأسها بعد ان قطع عهوداً بأن برنامجه المعلن من ( 33 ) فقرة ستتم بالكامل مع قرب انتهاء ولاية حكومته التي مع قرب نهاية ولايتها بدأت تتكشف اوراقها وتتساقط كأوراق شجرة خريفية فعديد الوزراء الذين انتهبوا المال العام وهدروا ثروات البلاد على مرآى ومسمع منه إذ هو لا يحرك ساكناً اذا لم تقتصر الاجراءات إلا على اعتقال مسرحي هزيل ليطلق سراح من اضاع المال وفرص التقدم وعزز الالآم ومعاناة العراقيين بشروخ وجروح عديدة والغريب ان كثير من وزراءه يحمل جنسيات من دول عديدة الأمر الذي يتيح لهم ان يدّعوا بأنهم من رعايا دولة اجنبية ومن حق تلك الدول التدخل لحمايتهم ولا أدري كيف يتبوأ هؤلاء مناصب وزارية بأسم البلاد ليرفعوا رعويتهم الأخرى بعد السباقات الماراثونية في مجال السلب والنهب . سلب المواطنين ونهب المال العام فمبارك للوزارات بهكذا وزراء . وبالعودة فأن المالكي سبق تصريحاته بالدعوة إلى تعديل أسس بناء العراق الجديد من خلال الطلب لألغاء ثوابته الجديدة المتمثلة بالنظام البرلماني والتوافقية السياسية التي اجمعت عليها القوى السياسية الوطنية والتي لا يحق لأي كان من التجاوز على هذا الاجماع والذي يعبر بالضرورة عن استيعاب حكيم لماضي البلاد ومعاناته وطبيعة نسيجه الاجتماعي المتعدد الاعراق والاديان على أن مشوار البلاد السياسي ما يزال في طور طفولة وطن على خلفية قيام دولة استبدادية لأكثر من ثمانية عقود أسست لمفاهيم الاستفراد بالحكم والاستئثار به واتباع سياسات شوفينية وعنصرية بحق مكوناته وخنق كل الاصوات الوطنية المطالبة بالحقوق والحريات وكلها أدت إلى حمامات دم اصبحت تحتل الصدارة في موضوع العنف . عندما نتأمل تاريخ المنطقة . منذ سقود الدكتاتورية حرص الكورد على بناء عراق ديمقراطي إذ ان الشعار الديمقراطي هو ما ناضل من أجله الكورد لتثبيته نظاماً سياسياً في البلاد من أكثر من خمسة عقود وكان الشعار جزء من شعار اساسي حملته الحركة التحررية الكوردية المعاصرة انطلاقاً من الديمقراطية كنظام يحمي المواطن ويتيح له ممارسة كامل حقوقه وحرياته من جهة وتحمي السلطة من مخالب الوصوليين والانتهازيين الذين يرمون قلب الواقع والوقائع ولا يهمهم في ذلك جر البلاد إلى الخراب وحمى الكارثة المحدقة والتي اضاعت أجيالاً عراقية وألقت بهم على مقارع طرق معبدة بالجهل والدم والدموع والتخلف وبنتيجة المعادلة اصبح البلد النفطي الغني مديوناً بلميارات هائلة ويعيش مواطنوه تحت خط الفقر وإذا كانت حجم الكوارث لا تفيق ساسة العراق الجدد فكيف يتم قراءة التاريخ بوعي ؟! وما هي اشكاليات علاقة المواطن بالسلطة وذهنية السلطة لنفسها ولحقوق الرعية . ان منصب رئيس الوزراء في دولة اتحادية تعني في ابسط مفاهيمها ان ينتدب الرئيس نفسه في خدمة المكونات الاجتماعية وتحقق اهدافها المثبتة في الدستور حين نرى ان الأمر معكوساً في المعادلة العراقية السلطوية فبدلاً من أن يرعي رئيس الوزراء تنفيذ المواد الدستورية ويحرص على تنفيذها بتفان مذللاً كل العوقات باعتباره راعياً لمصالح البلاد من جهة ولتعويض الوقت المفوت في الحالة العراقية ثانياً ولتعزيز استراتيجية الخيار الديمقراطي على المدى البعيد . نرى ان الرجل يحاول الالتفاف على الدستور من خلال طروحات مسعرة تتعالى ضده الأصوات الوطنية المطالبة بأقالة الوزارة التي لم يمر العراقيون منها سوى الازمات والفساد ومحاولة صناعة اشكاليات صراع جديدة قد تضع البلاد بين فكي كماشة وكأن ما مر به العراق من مآسي لم تعد تكفي لصحوة وطنية آزاء متطلبات العمل الوطني الدستوري كي تنتبه الكابينة الوزارية إلى ان خلق التوترات والصراعات التي لا طائل من ورائها سوى ضياع فرص التقدم التي تفرض النأي بنفسها عن ذلك وتبني برامج خدمة المواطنين والناس . ان محاولة صرف أنظار الرأي العام العراقي عما يجري من حالة فساد وأفساد في بعض مفاصل الوزارات العراقية أسلوب يتنافي مع التوجهات الجديدة وعودة صريحة إلى الوراء من خلال تبني خيارات الدولة الاستبداية في التاريخ العراقي والشواهد عديدة . أولى محاولات الالتفاف هي دعوته إلى حل مخالف لنص وبند المادة ( 140 ) من الدستور الذي صوت له الشعب العراقي وفي ظروف دموية عصيبة فهذه المادة لا تهم المالكي قدر ما تهم مئات الالآف من المواطنين الكورد الذين تعرضوا للتهجير القسري والابعاد الجبري عن مناطق سكناهم التأريخية وتعرضت مدنهم للتشويه وللتعريب ومن ثم للخراب حيث تعرضت بناها التحتية للهدم التام في محاولات التغيير الديموغرافي الذي رعاه ومارسه البعث لأكثر من أربعة عقود استكمالاً لإجراءات أخرى جرت في العهود البائدة وان كانت بوتيرة أقل مما جرى في النظام البائد واذا كانت السلطة التنفيذية لا تراعي حقوق المواطنين وتحاول امساك الدستور عنهم وايجاد بدائل منطلقة من ذهنية تفرض رؤاها الخاصة على مصالح وحقوق العامة فكيف أذن نطبق حكم الشعب لنفسه وما هي قيمة الانتخابات التي يريدها البعض لعبة لممارسة دوراً ربما لا يقل عن أدوار ممارسة الغير ولكن في ظرف محلي ودولي مغاير وفي تاريخ لم يعد الآن سوى عبرة لمن يعتبر ففي قهقهة التاريخ العراقي وعبر امكانيات البلاد المتضاربة تحتضر البلاد بكاملها في موجات وتوجهات كهذه . ان موقع رئيس السلطة التنفيذية يفترض من موقع المسؤولية ان يحتوي كل التناقضات واتجاهات الصراعات باتجاه استحكام المواد الدستورية وتنفيذها انطلاقاً من ضرورات المصلحة الوطنية والحرص على الدستور وصيانته من عبث العابثين واجتهاد أولئك الشوفينيين الجدد . وفي المجال النفطي وحيث هناك اتفاق رسمي وضمني بين الحكومتين الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان تقر بموجبها السلطة الاتحادية بحق الإقليم استثمار حقوله النفطية اذ لم يتم استصدار قانون النفط والغاز والذي أقره البرلمان الكوردستاني بعد فترة وجيزة قبل ان يطاله السبات العميق في أورتة الحكومة الاتحادية هذا من جهة ومن الجهة الاخرى نجد ان المادة ( 112 ) من الدستور تنص على ضرورة استثمار الحقول النفطية بالتعاون ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقاليم بما يعود بالنفع على الشعب العراقي أليس في تدفق نفط كوردستان وايداع عائداته في خزانة الدولة الاتحادية وحيث لا يحصل الاقليم إلا على حصته المقررة قانونياً نفعاً لكل البلاد والعباد والحقيقة لا نكاد نجد تفسير لعدم وجود قانون ينظم النفط والغاز في بلاد تعد ثاني احتياطي في العالم بل ان السياسات النفطية المتخبطة وعدم انجاز مصافي تحتاجها البلاد على مر السنوات الماضية تفيد بدلالة قاطعة بأنها ما يجري تفعيل أزمات وخلق توترات لا تصب إلا في صالح أولئك الذين اصبحت أرصدتهم مثال تساؤل الدول الدائمة والتي يطالبها العراق بأطفاء ديونها . وثمة تصريح يدلل على عدم سلامة النوايا من خلال استحداث لعبة سياسية جديدة وادخالها إلى الساحة من خلال الادعاء باننا سنفاوض الحكومة القادمة وكان الاقليم منسقم على نفسه أزار حقوق الشعب الكوردي وهو تصور ينطوي على كثير من الريبة مثلما ينطوي على كثير من الجهل بأساسيات التوجهات التحررية للحقوق المشروعة للكورد . أذ أن القيادات الكوردية تصارع الاهواء السياسية لمختلف النخب مثلما قارعت الحكومات الاستبدادية من اجل اقرار الحقوق القموية للشعب الكوردي وتحقيق طموحاته المشروعة إلى جانب بناء النظام الديمقراطي في العراق ان المالكي استصدر أمر بقاءه على رأس الوزارة لأربع سنين قادمة بفرمان اعطاه لنفسه متغافلاً الانتخابات من جهة وحقيقة التوافقات السياسية واراداتها اذ هي التي جعلته يتبوأ مركزه في سدة الوزارة العراقية الثالثة من جهة أخرى لقد كانت كوردستان مرتكز نضال القوى السياسية العراقية وفيها حظوا بكل الامكانيات واشكال الدعم رغم قلتها في مواقع الحركة التحررية الكوردية بل وقد اقتسم بيشمركة كوردستان ارغفتهم القليلة معهم ووجهوا صدورهم نحو رصاص الطغاة لحمايتهم على مر امتداد عهود الاستبداد العراقية ان القوى السياسية الوطنية تدرك حجم تضحيات الشعب الكوردي وتنظر بتقدير عال إلى ما قدمه الكورد خلال مسيرة طويلة حافلة بالايمان والنضال من اجل غد مشرق ليس للكورد وحدهم وانما لكل العراق من خلال نظام ديمقراطي ان اشكال المساندة المادية والمعنوية لكل الفئات والاحزاب والقوى السياسية الوطنية والمساهمة الجادة في وحدة العمل السياسي المشترك عبر مؤتمرات وطنية كمؤتمرات لندن وصلاح الدين والتي كان بينها حزب الدعوة هي التي عززت الانماط الوحدوية للتوجه السياسي العراقي المعارض والتي اسهمت اسهامة جادة في اسقاط الدكتاتورية . ان ذهنية السلطة المتفتحة على الشمول السلطوي تخلق العزلة السياسية وتضع جداراً فاصلاً بين السلطة والشعب وتصنع جداراً آخر بينها وبين القوى السياسية من خلال الاحتكام إلى لغة الشمول والاقصاء اذ لا يتعدى الامر سوى رهانات وقت مثلما تدلل تاريخ تجارب العمل الجبهوي في العراق والتي عكست في بعض مراحلها نزعة الاستئثار التي وثلت في نهاية المطاف الى الفتك بالاحزاب وبالاخرين وصولاً إلى الابادة الجماعية . ان مراجعة ذلك التاريخ يستدعي حضوراً واعياً هادفاً إلى ايقاف أي تدهور قد يصب الحياة السياسية بمقتل وتجعل الامور في مفترق الطرق ان مراجعة المواقف واستيعاب الحكمة من تاريخ العراق يعزز من الممارسة الديمقراطية والايمان بوطن حر تحكمه منظومة دستورية واخلاقية ترسو به على شواطئ المستقبل بآفاق رحبة

احمد ناصر الفيلي

المصدر: صوت العراق، 12/6/2009