الحجاب والتسامح الديني في خطاب أوباما..

لم يتضمن خطاب أوباما مسائل سياسية كبرى وحساسة وحسب، بل وتعرض أيضا لقضايا هامة أخرى، لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالقضايا السياسية التي عالجها.
لقد مد الخطاب أغصان الزيتون وأبدى حسن النوايا الأميركية، ودعا للشراكة الأميركية مع الدول الإسلامية في ميادين مختلفة. ربما تختلف الآراء حول كيفية تناول قضايا ساخنة كالقضية النووية الإيرانية، واستمرار عرض الحوار بلا شروط، ولنا أراء بهذا الشأن نعرضها في مجال آخر.
إن محور هذا المقال هو كيفية تعرض الخطاب لموضوع الحجاب، وهو موضوع يواصل إثارة الحساسيات والمشاكل في المجتمعات الغربية.
لقد انطلقت الدعوات لحوار الحضارات والأديان منذ منتصف الثمانينات، سواء على الأصعدة الدولية من خلال الأمم المتحدة واليونسكو، أو على أصعدة إقليمية وبمبادرات منظمات كالمؤتمر الإسلامي، أو مبادرات دول بعينها.
لقد انعقدت عشرات المؤتمرات والندوات وفرق العمل خلال عقود من السنين، فماذا كانت الحصيلة؟ كانت استمرار وتفاقم التوترات الدينية والمذهبية، وعلى الأخص تصاعد نزعات التشدد والتطرف الإسلاميين، وفرعهما الدموي، أي الإرهاب. بعد كل تلك المبادرات لا يزال التسامح الديني في العالم الإسلامي محاصرا، وإننا نسأل كم من كنيسة في دول الخليج، ولا نقول كم من سيناغوك حيث اليهود بالنسبة لغالبية المسلمين أعداء أو مشبوهون. هل قلت الفتاوى التي تكفر معتنقي الأديان الأخرى، سواء اعتبروا كفارا من الدرجة الأولى، أو "كفارا ذميين" حسب فتوى السيد السيستاني؟ ولننظر إلى التمييز تجاه الأقباط وتجاه البهائية في مصر واضطهاد المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيدية في العراق، والتمييز الديني في إيران ضد السنة والبهائية، ألخ. ألخ. أما بالنسبة لغير المؤمنين فالحرب عليهم على قدم وساق كما يقال.

لقد استغل المتزمتون والإسلام السياسي شعار التسامح الديني لإثارة وتأجيج المشاعر في الدول الغربية حول الحجاب، ومارسوا الضغوط المتواصلة، ونظموا المظاهرات، كما حدث مثلا قبل سنوات قليلة في فرنسا. إن هذه القوى تريد فرض ممارساتها ومعتقداتها على كل العالم، واتخذوا من موضوع الحجاب رأس رمح لحملاتهم. إنهم يعتبرون لبس الحجاب هوية دينية وحقا مقدسا، وإن تقنين هذا الحق وهذه الممارسة، أي تأطيرهما قانونيا حسب مبادئ العلمانية، اعتداء على الحرية الدينية وتمييز ديني.

إن المدن الغربية تعج بالمحجبات، بل وبلابسات النقاب والجادور الأفغاني، ولا أحد يتعرض لهن، وهن يتلقين المساعدات السخية والعناية الطبية بلا تمييز، ولكن كيف يمكن القبول برفض امرأة منقبة الكشف عن وجهها لأغراض أمنية، أو عند منح الهويات الرسمية؟ ومشاكل المنقبات كثيرة، وحدثت وقائع معروفة، لاسيما في بريطانيا.

فلنر كيف عالج الخطاب موضوع الحجاب، بأشكاله؟
نجتهد أن الخبراء المسلمين الذين استشارهم الرئيس الأميركي عند إعداد الخطاب، وفي المقدمة مستشارته المصرية المحجبة، لم يقدموا له الرأي المناسب، مما أوقع الخطاب في المطب على ما نفهم.
إن الخطاب يقول، بعد الفقرة الخاصة بحسن ضمان تأدية المسلمين الأميركيين للزكاة، ما يلي:
"وبالمثل، من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذي يرونه مناسبا، عن طريق فرض الثياب التي ينبغي على المرأة المسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التستر على معاداة أي دين من خلال التظاهر باللبرالية."
أولا، لا ندري سبب إقحام اللبرالية في هذا المقام، وما المقصود حيث أن الإسلاميين هم الذين يربطون بين ما يعتبرونه تمييزا دينيا باللبرالية، ونعرف كم يكره الإسلاميون واليسار المتطرف كلمة لبرالية.
إن ما يثير الإشكال حول تلك الفقرة، وبحسب ما نرى، هو التعرض للبلدان الغربية، ويقصد دولا كفرنسا، حيث ثمة حظر على الحجاب في المؤسسات والمدارس العامة، مع انتشار الحجاب على نطاق واسع في الشوارع والمخازن والمحلات الخاصة، وقد فهم سركوزي أن فرنسا بين من يقصدهم أوباما، فأوضح في المؤتمر الصحفي المشترك أن هناك حظرا محدودا على لبس الحجاب وفقا لقانون العلمانية.
إن كان فهمنا لما يعنيه الخطاب صحيحا، فنعتقد أن ذلك سيخلق مشاكل جديدة في الغرب، إذ ستستغله التنظيمات الإسلامية لتحدي قوانين العلمانية من جديد.

لو جاء موضوع الحجاب بطريقة أخرى كحق كل امرأة في اختيار الملبس، لما كان من التباس، ولكن الالتباس هو في أن الفقرة جاءت وكأن الحجاب فريضة دينية عند المسلمين، وفي الإشارة إلى قيود العلمانية حول لبس الحجاب، كما أن التعريض باللبرالية يزيد الطين بلة!

هذا ما فهمناه من الفقرة، و من رد الرئيس الفرنسي عن الحجاب في المؤتمر الصحفي، ولكن قد يفسرها آخرون على نحو مخالف، والموضوع يستحق التأمل والحوار.

عزيز الحاج
9 يونيو – حزيران – 2009