شهادة الجنسية الجديد ... وزارة المهجرين ( وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم )

تلعب الارادة الوطنية والوعي الوطني التاريخي دورهما الاساسي في إرساء معالم التجربة الديمقراطية الفتية ثم ان لائحة الحقوق والتي تعتبر حقوق الانسان جوهرها الاصيل هي ما نواجه به واقعنا المعاصر ومن هنا احتواء الفصل الثالث من الدستور على اساسيات تلك الحقوق على خلفية ماضي مثقل بالمآسي والانتهاكات والفضائع والتي طالت كل شيء في البلاد حتى غدت ترنيمته الاسياسية . تعود العراقيين سماع حلو الكلام على مختلف المستويات وعلى متن الكثير من اللوائح والقوانين بما فيها الدساتير المؤقتة والتي من الاجحاف ان تسمى دساتير لأنها لم تحفظ حقوقاً وعهوداً ولم تراعي ميثاقاً انما كانت الأسس الشرعية الأختلاقية للأنظمة الاستبدادية وطريقة من طرق تحايلها على المجتمع وكل المنظومات الحقوقية والأخلاقية ومن هنا خلق الصورة المتهرئة في الذاكرة الجمعية لكل أشكال حلو الكلام حتى غدا الأمر مفارقه عجيبة بالمقلوب فحينما يسمعون حلو الكلام اصبحوا يتوقعون شيئاً آخر ... بين معسول الكلام وهمجية قطيع الفعل مساحة تسكن فيها الآف الجراحات العراقية المرة ... واحدة من التعريفات الاسياسية للحقوق مثلما هي واحدة من التعريفات الانسانية والأخلاقية هي تعريف المواطنة التي فشلت بلادنا في بناء أرضية مناسبة لها منذ ظهورها كدولة مع بدايات العقد الثاني من القرن الماضي مفهوم المواطنة مفهوم دستوري اذ يضم بين طياته الكثير من الحقوق التي هدرت عندنا بفعل السياسات الحكومية الجائرة والتي خلقت مقاساً لهذا المفهوم وفق توجهاتها رغم كونها منافية لجوهره وتشذ شذوذاً أخلاقياً وأنسانياً مع قاعدة المواطنة الحقيقية . فمن يعزز السياسات الحكومية الجائرة ويسبح في فضاءاتها المتعددة الأدوار فهو مستحق الدرجة الأولى ومن يشذ عن القاعدة فهو مواطن من الدرجة الثانية وحينما يمارس المواطن دوره في النقد ويطلب مشاركته في الرأي حول ما يجري في بلاده باعتباره عنصراً من عناصره فهو متآمر وخائن وحينما تصبح هذه المعادلة هي فيصل المراحل التأريخية لأطوار الحكم في العراق فأنها تترسخ في الاذهان وتخلق انطباعات مشوهة تحتاج إلى غسل أدرانها سنوات وسنوات من العمل المضنى المشوب بعمق الصراحة ووضوح الرؤيا والشفافية كي تستعيد دورة المواطنة عافيتها . إزالة عبارة التبعية من شهادات الجنسية وبخاصة تلك المتعلقة بالكورد الفيليين جهداً يصب في هذا الاتجاه ويمضي قدماً بترسيخ تجربة البلاد التي هي ملاذ الجميع بفضاءها التقدمي ومشاركاتها الواسعة ذلك ان عبارة التبعية كانت مقالة حق يراد بها باطل فالقانون المرقم ( 42 ) الصادر عام 1924 حدد المواطنة بالأصالة كل من سكن حدود الامبراطورية العثمانية المترامية الاطراف من البلقان إلى الجزيرة فالمغرب والذين اعتبروا عراقيين بالاصالة حين تم التجني على سكنة البلاد الاصليين من خلال منحهم صفة التبعية التي اصبحت تعني شخص جاهزاً للتسفير بغض النظر عن عمق الاصالة الوطنية التي يحملها ودوره في بناء المجتمع فضلاً عن الخلفيات التاريخية والحدثية للموضوع فما من دولة جديدة حاضرة تبنى على أنقاض الماضي ومآسيه لأن من شأن ذلك خلق مجتمع متناحر تلعب فيه التناقضات الدور الرئيس الأمر الذي يؤدي إلى تفكيك البنية المجتمعة وتفويت فرص التقدم وهكذا كان . ان الفعل الوطني المتحسس بأشكال الجور والظلم من شأنه تقويم سبل المعالجة وإعادة دورة الحياة الطبيعية للمجتمع والتي ستسهم بلا شك في خلق مواطنة حقة قائمة على الحقوق والواجبات الايجابية والاستجابة الواعية المتبادلة المعوضة عن المفوت من التاريخ والبناء . ان الجهاز التنفيذي معني أكثر من أي وقت مضى بمعالجة مخلفات الموروثات السابقة والتي ستصب في مصلحة العمل و الممارسة الديمقراطيين والذي يفتح الابواب أمام مصراعيه لتجربة تعددية قواها سباق البرامج والتزاحم في تقديم أفضل الخدمات وبدون ذلك لن يصبح مسار الدرب طويلاً إذ سرعان ما سيتشكل ردة الفعل التي تزيد من امداد الزمن المفوت ويكون بذلك قد كتب علينا الدوامة في الحلقة المفرغة وتفريغ الفقر وتكريس بنى التخلف المتعدد الأشكال التي تنؤ البلاد بها .
ان صحوة الوزارة على هذا الملف الذي يهم آلاف كبيرة من المهجرين الكورد قسراً إلى الخارج وأخرين أسرى النفي الداخلي أمر يبعث على التفاؤل من أن بقية أخرى ستأتي ويدخل ضمن هذا الباب مسألة قضية الملكيات العقارية والأموال المستباحة التي تعاني من روتين قاتل ليس أقل من محن التمييز التي تستمر اعواماً بلا سبب حيث ان مصادرة العقارات لا بد وان تنحصر بين المالك الجديد والدولة أما المتضرر والمظلوم فله ان يستعيد حقه دون ان الأنتظار لسنوات بلا مبرر وتعريظه لظلم آخر .
واذ تعلل الاسباب بالتخصيصات المالية فأن الفساد المالي الذي يجري تحت أنظار الجميع ويحمل أرقاماً فلكية لا بد للجهاز التنفيذي من الانتباه ذلك لتحويل وجه هذه الاموال إلى ما يعزز البنية المجتمعية والوطنية بدلاً من إهداراها بما يعيق المشروع السياسي الديمقراطي ويعرقل عملية البناء التحتي والنهوض الاقتصادي . ثمة همس وراء الكواليس مفادها من أن الذين يمنحون شهادة الجنسية الجديدة تفتح لهم سجلات خاصة تحوي اسمائهم وكأن الأمر حسبانهم لقادم الأيام .
( وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .

احمد ناصر الفيلي

المصدر: صوت العراق، 27/5/2009