تحية للمرأة الكويتية بفوزها في الانتخابات البرلمانية

أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية التي جرت يوم السبت المصادف 16 مايس/أيار الجاري، عن فوز أربع سيدات لأول مرة في التاريخ بمقاعد البرلمان. وكانت 16 امرأة خضن الانتخابات البرلمانية الكويتية من بين 210 مرشحاً تنافسوا لشغل 50 مقعداً في مجلس الأمة. والجدير بالذكر أن المرأة الكويتية منحت حق التصويت والترشح للانتخابات عام 2005، لكن لم تنجح في الحصول على أي مقعد في المجلس خلال انتخابات 2006 و2008.
لا شك أن فوز أربع نساء بعضوية برلمان يضم 50 عضواً، ولأول مرة في التاريخ، في مجتمع محافظ مثل المجتمع الكويتي، يعتبر انتصاراً رائعاً للمرأة الكويتية، وثمرة من ثمار نضالها الصلب خلال عشرات السنين، واعترافاً بجهودها في نيل حقوقها السياسية المشروعة، خاصة في مجتمع مشبّع بالأعراف والتقاليد القبلية، والمحافظة، وتفشي الإسلام السياسي المتشدد. ولهذه الأسباب، نقدم للمرأة الكويتية أحر التهاني وأسمى التبريكات بهذا الانتصار العظيم متمنين لها المزيد من الانتصارات والنجاحات.
إن هذا الانتصار هو ليس للمرأة الكويتية فحسب، بل وللشعب الكويتي بأجمعه، وبالأخص للحركة الديمقراطية الكويتية ونضال التقدميين في مواجهة التيار المحافظ المتشدد المتزمت المعارض لحقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة بشكل خاص، حيث استخدم الإسلاميون كلما في جعبتهم من الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، بما فيها إصدار الفتاوى الدينية، لردع الناخبين عن التصويت للنساء المرشحات، متعكزين على مقولات مثل (المرأة ناقصة عقل ودين) و(لعن الله قوماً تحكمهم امرأة.) الخ، علماً بأن الأربع الفائزات يحملن شهادات الدكتوراه من الجامعات الأمريكية في العلوم السياسية والاقتصاد والتربية. ولا أعرف ما هي شهادات أصاحب الفتاوى الذين ناصبوا المرأة كل هذا العداء؟
إن هذا الفوز يحمل دلالات إيجابية مهمة، هي في صالح الحركة الديمقراطية الليبرالية أولاً، وانتصار لحقوق المرأة ثانياً، ودليل على تنامي الوعي السياسي لدى الشعب الكويتي ثالثاً، وانحسار التيار الإسلامي المتشدد واكتشاف ألاعيبه لدى الشعب الكويتي رابعاً، حيث كشفت النتائج عن تراجع الإسلاميين "التحالف السلفي الإسلامي" الذي فاز بمقعدين فقط في البرلمان الجديد مقارنة بأربعة مقاعد في انتخابات 2008، وفازت "الحركة الدستورية الإسلامية" بمقعد واحد فقط مقارنة بثلاثة مقاعد في البرلمان السابق. وهذا دليل على أن الديمقراطية بدأت تترسخ في المجتمع الكويتي ولا تراجع عنها.
كذلك يقدم هذا الانتصار رداً حاسماً على أولئك الذين يدعون أن الديمقراطية الغربية لا تصلح لمجتمعاتنا العربية - الإسلامية المحافظة... والإدعاء بأنها (أي الديمقراطية) من الأفكار الغريبة والمستوردة والدخيلة، وأن شعوبنا ترفضها جملة وتفصيلاً بحجة التمسك بعادات وتقاليد الأجداد والسلف الصالح...الخ. وهو أيضاً رد على أولئك المتسرعين في تحقيق الديمقراطية الناضجة بعصا سحرية، ويطالبون بحرق المراحل والقفز عليها، ودون تهيئة الأجواء لها. فالقيادة السياسية الكويتية أثبتت حكمتها وصحة توجهاتها بتحقيق الديمقراطية خطوة خطوة، ودون هزات عنيفة. كما أثبتت التجربة الديمقراطية الكويتية أن الحكومة هي أكثر تقدمية من بعض شرائح المجتمع، والتكتلات السياسية، وخاصة الإسلامية التي اتخذت من الإسلام ذريعة في مواجهة التقدم الاجتماعي والسياسي، وحاولت وضع العصا في عجلة التاريخ، ولكن هيهات.
إن الحضارة التي يحاول الرجعيون إيقافها ومنع شعوبهم من مواكبتها، هي أقوى من كل قوة مهما كانت عاتية وباغية، فهي كالشلال الجارف لا يمكن إيقافها بل وتقتلع كل من يقف بوجهها فتقذف به إلى مزبلة التاريخ.
إن الديمقراطية ودولة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات هي من القيم الحضارية التي لا يمكن منعها، أو إيقافها، وستتحقق إن آجلاً أو عاجلاً في كل مكان، وما انتصار المرأة الكويتية اليوم إلا دليل على صحة ما نقول، ودرس بليغ لمن يحاول مقاومة حكم التاريخ.

د.عبدالخالق حسين
17/5/2009