من يتذكر الشهيد عزالدين سليم ورفاقه ؟

في صبيحة يوم السابع عشر من مايس/آيار عام 2004 نقلت لنا وسائل الإعلام نبأ عملية انتحارية قادها إرهابي في سيارة مفخخة لترتطم بسيارة رئيس مجلس الحكم المفكر والساسي عزالدين سليم مما تسبب في إستشهاده بعد اصابته بنزيف في رأسه وأستشهاد رفيق دربه الأستاذ طالب قاسم الحجامي وعدد من مرافقيهم ، كان جسد الشهيد طالب قاسم الحجامي مشوها حيث لم تعرف صورة هذا الشهيد لشدة الضربة وحمل في بطانية ليلقى بعدها في سيارة إسعاف الى الطب العدلي أما الشهيد عزالدين سليم فقد نقل الى المستشفى مباشرة وهناك فارق الحياة حيث لم يجد الرعاية الفورية والسريعة لوقف النزف كما أن الرجل ضعيف البنية وكان وقتها بحاجة الى الدم وهو سالما.لقد كان الشهيد السعيد عزالدين سليم قبل يوم من إغتياله في كردستان العراق في مدينة أربيل حيث إلتى القيادات الكردستانية وحاورهم بخصوص تشكيل الحكومة الإنتقالية وقبلها حضر مؤتمرا للمصالحة الوطنية ودعى مبكرا إلى إستيعاب كل القوى التي ناضلت ضد النظام البائد، وقبول النادمين والمتبرئين من ممارسات ذلك النظام ممن لم يجرموا بحق الشعب العراقي.
تبجحت وسائل الإعلام من عراقية وعربية المطبلة للإرهابين والموالية للدول الداعمة للإرهاب في هذه العملية التي قادها التحالف التكفيري الصدامي في غفلة من الزمن وفي ظل إنفلات أمني واسع وكبير، حيث كان يحيط في بغداد جيش من الإرهابين من القاعدة وزمر الإجرام الصدامي تعدى عددهم الإحدى عشر ألفا كما صرح بذلك دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي في حديث له مع الجالية العراقية المقيمة في بريطانيا على قاعة المؤتمرات في فندق هلتن ميتروبول وسط لندن على هامش زيارته للمملكة المتحدة في مطلع شهر مايس هذا العام 2009م بخصوص مؤتمر الإستثمار في العراق وجذب المستثمرين العراقيين والأجانب.

الشهيد عزالدين سليم لم يمضي على تنصيبه رئيسا لمجلس الحكم سوى اسبوعين ثم خر شهيدا على مذبح حرية العراق وفي مواجهة القوى التي حكمت العراق بالحديد والنار وأذنابها من شرار خلق الله تعالى من خوارج العصر عصابات القاعدة الذين قدموا من وراء الحدود بدوافع طائفية وتكفيرية وعدوانية تجاه الشعب العراقي وقادته الوطنين وعلمائه وشخصياته الدينية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرهم ، وعلى راسهم شهيد المحراب (قدس) والشهيد الشيخ مهدي العطار رضوان الله تعالى عليه إلى جانب شن الحرب والإغتيلات ضد جميع رجالات قواه السياسية التي حاربت وعارضت النظام الدكتاتوري وقدمت التضحيات الجسام من أجل فضح جرائمه وممارساته الاجرامية والتي حولت العراق الى سجن مظلم كبير ومقابر جماعية تجاوزت المائتاوسبعون مقبرة جماعية ، ضمت أكثر من ثلاثة أرباع المليون شهيدا من الرجال، والنساء والاطفال من الشباب والكبار والصغار، بدأً من عمليات الإبادة الجماعية المسماة بعمليات الإنفال السيئة الصيت ضد الأخوة الكرد وقبلها مجزرة حلبجة مرورا بعمليات الإبادة الإنسانية من خلال تبيض السجون حيث تم دفن عشرات الآلاف من السجناء السياسين من شباب وشيوخ وعوائل ممن سماهم مجلس قيادة الثورة المنحل بالتبعية الإيرانية، حيث لم يعرف اين رفات الكثير منهم اليوم، وصولا الى جرائم نظام صدام المقبور بتجفيف الأهوار وحرق منازل ساكنيها وقتل الحياة النباتية والحيوانية فيها ، ثم الإبادة الجماعية ضد ثوار الإنتفاضة الشعبانية المباركة التي كادت تطيح بعرش الطاغوت البعثي الصدامي عشية هزيمة هذا النظام المباد في عدوانه على دولة الكويت إذ وصلت رايات الثوار والمنتفضين الأحرار إلى أبواب بغداد لولا تدخل دول أقليمية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومعها ما يسمى بدول الإعتدال اليوم مصر والأردن وبدوافع طائفية وعنصرية مقيتة الى الضغط على قيادة دول التحالف التي حررت الكويت من الدنس البعثي الى أن تعدل عن قرارها بمنع الطيران العسكري الصدامي وخاصة السمتيات والاباشي الى التحليق في أجواء المدن الثائرة حيث تم قمع الثوار وإبادة عشرات الآلاف منهم ودفن أمثالهم أحياء كشف عن قبورهم الجماعية أهاليهم وذويهم إبان سقوط النظام الفاشستي الصدامي في التاسع من نيسان عام 2003م.ومثال واحد على هذه المقابر الجماعية مقبرة المسيب في محافظة بابل والتي ضمت أكثر من خمسة عشر ألف شهيدا في ثيابهم المدنية وبعضهم معصوبي الأعين وآخرين مقيدين الأيدي وأكثرهم واجهوا الموت بعيون مفتوحة ومشدوه وأفواه فاغرة.

الشهيد عزالدين سليم الذي كان يحلم أن يخدم عوائل هولاء الضحايا كان الأول الذي تصدى إلى لجنة المهجرين والمهاجرين في لجنة التنسيق والمتابعة التي انبثقت عن مؤتمر لندن للمعارضة العراقية والذي كان آخر أكبر مؤتمر لقوى المعارضة في الخارج التي ساهمت في إسقاط النظام البعثي الصدامي وبدعم دولي كبير. وبعد سقوط النظام البائد كانت وزارة المهجرين والمهاجرين من حصة حركة الدعوة الاسلامية والتي كان شهيدنا عزالدين سليم أمينها العام حيث تصدى لهذه الوزارة التي لم يكن لها وجود على الأرض الأستاذ محمد جاسم خضير والذي أصبح أول وزيرا أسس لها من الصفر وراح يتنقل من مكان الى آخر حتى إستطاع وبجهود إستثنائية وظروف أمنية معقدة وقاسية أن يضع لهذه الوزارة لبناتها الأولى ويفتح لها فروعا في محافظات عديدة ويشكل لها مديريات عدة وبفضل تلك اللبنات والتضحيات وما تبعها من جهود من وزراء لاحقين ها هي وزارة الهجرة والمهجرين تلعب دورا كبيرا ومهما في خدمة ضحايا النظام البائد وضحايا الارهابين والمجرمين من التكفيرين والصداميين والخارجين عن القانون.

كان الشهيد عزالدين سليم يؤكد على الإستفادة من تجرية الجمهورية الاسلامية الإيرانية في خدمة عوائل الشهداء والسجناء في العراق، وتقديم التعويضات المادية والمعنوية لعوائل هولاء الضحايا من الشهداء الذي قدموا ارواح والسجناء الذين أفنوا أعمارهم في السجون الصدامية المظلمة، وكان يشدد وفي كل مناسبة على ضرورة تشكيل مؤسسة الشهداء والسجناء الساسين، وللاسف لم تكتحل عيناه برؤية ولادة هاتين المؤسستين ليرى حلما قد تحقق ولو بصورة أولية يحتاج الى الكثير من الخطوات الأخرى للرقي بهاتين المؤسستين لتكونا فاعلتين وبقدر من المستوى اللائق قياسا بالتضحيات الجسام التي قدمها الشهداء والسجناء والتي لا يمكن تعويضها بشيء وسوى أنهما تطيبان نفوس ذوي الشهداء والسجناء وتخففان من معاناتهم الجمة.

الشهيد عزالدين سليم عندما خر صريعا على يد قوى التكفير والارهاب البعثي الوهابي انتشت نفوس حاقدة على إسم هذا الرجل قبل شخصه ورسمه حيث قال شيخ المجاهدين الارهابين حارث الضاري قُتل عبدالزهرة، متشفيا بهذا الاسم ، عشية انعقاد مؤتمر القمة العربية في القاهرة حتى لا يرضى الضاري واذنابه واسياده والعنصريين من الأعراب أن يمثل العراق شخصا اسمه عبدالزهرة لأن مثل هذه الأسماء التي توحي بخدام الزهراء وعلي والحسين لا يصلحون أن يكونوا قادة ولا سادة ولا مواطنين من الدرجة الأولى في أوطانهم ما بالك قادة بلد مثل العراق أمام قادة أعراب، لا يفهمون للعبودية أو الخدمة لله تعالى ورسوله واهل البيت معنى.
إحدى القنوات الاعلامية الشرقية بالتحديد بثت التصوير الكامل لعملية الاغتيال وكأنها كانت على موعد مع هذه العلمية المدبرة بحسابات دقيقة وعدوانية بغيضة وتراجيدية تامة وإلا كيف يتم تصوير هكذا فيلم منذ بدايته حتى الفاجعة !!!!.
لم يعرف أعداء الإسلام والعراق ان الشهيد عبدالزهراء عثمان (أبو ياسين) خطت أنامله كتابا في مسابقة عن الزهراء أقيمت في النجف الأشرف وهو لم يُكمل العقد الثاني من عمره وفاز بالجائزة الثانية. لم يدرك البعثيون العنصريون والوهابيون الحاقدون والذين شكلوا تحالفا عجيبا غريبا جمع متناقضين متنافرين،علمانيين عنصرين ينكرون أن للدين دورا في الحياة ودينهم البعث ومؤسسه ميشيل عفلق الذي يرى أن محمد (رسول الله) كان عبقريا ووحد بروحه القومية الأمة العربية في الحجاز وبقية بلدان العرب ثم قاد العالم بإطروحته العربية الانسانية ، ثم التقى هؤلاء البعثيون العنصريون وبسرعة عجيبة مع السلفيين الوهابين المتطرفين الذي يعتقدون أن القدوة الرسول والسلف الصالح الذين يعيشون في الكهوف وبيوت الطين ولا لأحد الشرعية في قيادة الأمة إلا من يتصدى لخلافة الأمة بالسيف ويطبق الشرعية بقوالبها التي يقرونها الذبح وقطع الأيدي والأرجل لكل من يختلف معهم في رأي أو وجهة نظر حتى قطعوا أصابع شباب صغار في الأنبار لأنهم دخنوا سكائرا أو مسكوهم متلبسين بالتمتع بنارجيله، أمر يثير العجب والدهشة أمام هذا التحالف البعيض والذي لا يمكن له أن يتحقق سوى إلا على قاعدة عدو عدوي صديقيلأ إذا يرى هؤلاء الدمويون أن الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه وطوائفه عامة أعداءا والشيعة منهم خاصة لكونهم الأغلبية وليسوا عربا ولا مسلمين بل روافض مشركين وتبعية للصفوييين لا بل للمجوس، حيث ألقى بهم القائد العربي المسلم صدام حسين في جحيم حرب قاسية دامت ثمانية سنين قتل فيها من قتل وتعوق من تعوق وفقد من فقد وغالبيتهم العظمى من ظائفة ذات لون واحد عراقيين كانوا أم إيرانيين والنتيجة إستطاع القائد أن يلحق مجازرا رهيبة وعظيمة وخاسرة كبيرة في صفوف هؤلاء اللاناس والذين ابتليت الأمة البعثية والوهابية بوجودهم .
زمثال على هذا التحالف هو تجرأ أحد مشايخ البعث الوهابي حرامي بغداد الكبير المقبور خير الله طلفاح خال صدام بإعتراضه على الله تعالى حيث قال ( إن الله أخطأ في خلق ثلاث الفرس واليهود والذباب)، ربما ليس عجبا أن يتحالف التكفيريون والصداميون ضد العملية السياسية الجديدة في العراق وهم يرون في أنفسهم لوحدهم المسلمين والعراقيين الأصلاء والآخريين عبيد كعبدالزهره وعبدالحسين ولا يحكم العراق إلا من قبل أبناءه كما قال الأمير السعودي تركي الفيصل خلال تصريح صحفي له في شهر نيسان هذا العام، وذلك لكون غير البعثين العنصريين وقوى ما يسمى بالمقاومة التكفيرية والزمر الذباحين ، لا شرعية لهم في قيادة العراق لأنهم ليسوا أبناء العراق بل جاؤوا من وراء الحدود من أصقاع الأرض!!!!!. كان الشهيد عزالدين أول من قدم ورقة بخصوص حكم العراق بنظام الولايات الإسلامي في صلاح الدين في اربيل وفي عقد التسعينات بعد أن أراد الأخوة الأكراد معرفة موقف الإسلامين من النظام الفيدرالي الإتحادي، وكان يصر أن هذا النظام يحافظ على التنوع الثقافي الديني والقومي في ظل دولة اتحادية قوية قائمة على الدستور والتبادل السلمي للسلطة، مما بعث الطمأنينة والشعور بالثقة والإلفة الأكثر في نفوس الأخوة الكرد.كما إعتقد الشهيد عزالدين سليم (الحاج ابو ياسين)أن هذا النظام لم يسمح بعودة الدكتاتورية وإدارة المحافظات والأقاليم من قبل أبناءها الذين هم يجب أن يكونوا اعرف بمشاكلهم والأحرص على بناء محافظاتهم وأقاليمهم ولم ينسى أن هذه التجربة لا تتحقق بسرعة في ظل وجود نفوس مريضة وأنانية شخصية وحزبية وفئوية ضيقة بل اشترط قيام هذه الفيدراليات في ظل وجود مؤسسات دولة وسيادة للقانون الذي يحمي حقوق الجميع ويضعهم أمامه على السواء في الحقوق والواجبات وأن يقود هذه المؤسسات ويطبق القانون رجال أكفاء ونزيهون ومشهود لهم بالشجاعة والإخلاص والكفاءة. ونرجو أن تقام مثل هذه الفيدراليات والأقاليم مستقبلا بعد أن تتحقق هذه الشروط.

لم يكن الشهيد عزالدين سليم (أبو ياسين)، مجاهدا وسياسيا بارزا معارضا للنظام البائد وحزبيا من اقطاب الحركة الاسلامية التي وضع اسسها الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر(قدس)، بل كان درويشا زاهدا متوضعا أحبه وعشقه كل من عايشه أو عاشره أو غقترب منه، كان يقول المرجع آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس) كان يقول له أنت والسيد أبو عقيل مجتهدين والسيد أبو عقيل هو سيد هاشم أمين عام حزب الدعوة تنظيم العراق ومشهود له في التنظير والفكر والكتابة والجهاد والزهد بهذه الحياة الفانية، إذ رغم إختلافات وجهات النظر الحادة بين الشهيد عزالدين سليم والسيد أبو عقيل لكنها كانت بعيدة عن المصالح والمنفع الذاتية الدنيوية الضيقة بل رؤى حول الأصلح لخدمة الدين والأمة. كما أن آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته كان ينظر للشهيد عزالدين سليم نفس النظرة التي كان يراه فيها المرجع آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس).

أتذكر لما كنت أزور الشباب الذين جاؤوا الى ايران بعد الانتفاضة ولجأووا الى سرداب بيت الشهيد أبو ياسين القريب من جسر حافظ وسط طهران أنه عندما كان ينزل وقت المغرب ويجد أحدهم يتقدم المصلين يقف معهم كأحدهم بلا تردد دون النظر لمن تقدم أو يتقدمهم ويأبى أن يتم الصلاة إلا خلفه رغم إلحاح الموجودين على أن يتقدمهم، ثم يجلس على سفرة العشاء معهم بدشداشته البيضاء كبياض قلبه ووجهه الباسم والمشرق بنور الإيمان، ويتناول لقمات من الخبز والبيض المقلي بالطماطة وهي الأكلة الشائعة لدى العزاب ويتمطق بهذا الطعام البسيط ملتظا بحضوره بين هؤلاء المهاجرين والنازحين وقد لا يعرف عددا منهم حيث كانت تأتي وجبة وترحل اخرى وفيهم من العرب والكرد والسنة والشيعة واديان أخرى، لم يهمه منهم سوى مواساتهم وتقديم ما يجب تقديمه لهم وضماد بعض جروحهم النفسية ومعاناتهم المادية والقانونية في بلد لا يعرفون له لغة وليس لهم فيه ناصرا ولا معينا، كل من زار سرداب الحاج ابو ياسين وجد عراقا مصغرا متآلفا ومحطة استراحة لكل من انقطع به الطريق.

الشهيد الحاج ابو ياسين كان سريع البديهة ، خفيف الظل وصاحب ظريفة وضرب الإمثال.
ورغم علاقات الشهيد عبدالزهرة عثمان الاجتماعية الواسعة ومشاغله لكنه كان منتظما في عبادته وتواصله مع الساحة السياسية وتحديد جزء كبير من وقته للقراءة والمطالعة والكتابة ،إذ للشهيد العشرات من المؤلفات المتنوعة في الفكر والعقائد والتأريخ والشخصيات والمواضيع السياسية والاجتماعية المتنوعة.
جلست إليه مرة في غرفته عندما كان رئيس قسم الإعلام في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية (المجلس الاسلامي الأعلى الآن)وذلك في نيسان عام 1999م حيث كانت مناسبة أربعية شهيد الجمعة آية الله العطمى السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)، وكانت تأتيه الأخبار من عبر ثوار الأهوار أن المجرم حسن علي المجيد قام بإعدام المئات من ابناء البصرة على أعمدة الكهرباء ونسفت البلدوزرات بأمره أكثر من ثلاثين منزلا لبيوت الثوار وأعتقل الآلاف من الأحرار والشرفاء الصامدين بوجه البعث الفاشستي، ونطرت في وجهه أي الشهيد الأسى والحزن وتكاد روحه تقفز من جسده حزنا وألما ولوعة عما يعيشه ويعانيه أهلنا في العراق من عذابات وعدوان قاس وظلم لا يوصف، رأيت الدموع ترقرت في عينيه وأطرق برأسه الى الأرض محوقلا ومسترجعا ثم رفع وجهه ويديه الى السماء داعيا ومستغيثا وشاكيا الى الله تعالى من ظلم وجور نظام صدام وحزبه المجرم سائلا المولى العزيز الفرج العاجل لشعب العراقي من ظلم الطاغية.

اتصلت فيه قبل أيام قلائل من استشهاده فرد علي أبن اخيه الشهيد عبدالامام والذي استشهد معه ايظا أن الحجي أبو ياسين في الإجتماع وقال لي انتظر أخبره فعاد وقال لي أن الحجي يقول أنا اتصل به بعد الاجتماع وفي الساعة الثانية عشرة في توقيت بغداد التاسعة بتوقيت لندن وكنت وقتها مع محموعة من الأخوة في شقة الشيخ الفاضل عبدالأمير الهويدي وسط لندن، اتصل بي الحاج الشهيد ابو ياسين وكان صوته متعبا ومرهقا وقال لي لم أرى أمي منذ ستة اشهر، وهمنا الآن قضية الفلوجة وأحداث النجف الأشرف حيث كانت عصابات القاعدة وأزلام وبعض ضباط النظام البائد تسيطر على الفلوجة وعصابات الخارجين على القانون تسيطر على النجف الأشرف.

تحدث مع أغلب الموجودين في الشقة ومنهم الشيخ عبدالأمير هويدي وطلب من الجميع الدعاء بالسلامة لجميع العراقيين وبالتوفيق له بأن ينجح في مهمته وودعنا عبر الهاتف وكان الوداع الأخير حيث نعاه الشعب العراقي واحرار العالم وقادة دول كبرى وأحزاب وشخصيات وطنية ودينية واجتماعية وعشائرية الى جانب المؤسسة الدينية المتمثلة بالمرجعية الكريمة.

لقد فجع كل الإسلاميين والوطنيين ممن عايشوه على مدار قرابة الأربعة عقود في ميادين الجهاد السياسي ضد الدكتاتورية وحزن عليه كل من عرفه من قريب أو بعيد ، وقبل رحيله الى الرفيق الأعلى مضرجا بدمه على درب التضحية والفداء الحسيني رأى في المنام أن اية الله السيد الشهيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب (قدس) جالسا في صدر مجلس حضره عدد من المؤمنين وكان الشهيد ابو ياسين أحدهم وكان شهيد المحراب يتحدث بلوعة ومرارة عن العراق كعهده دائما ومن ضمن حديث شهيد المحراب أنه شدد على أهمية تدوين وكتابة الأحداث التي تعصف بالعراق بكل انواعها السياسية والدولية وتطوراتها الأمنية وموجات العنف العاصفة به وقتها، قال الحاج ابو ياسن رحمه فقلت لشهيد المحراب أنا يا أبا صادق فقال لا أنت أجلس أنت لا تقدر.
وتبين فيما بعد فعلا أن الوقت والزمان والمكان ليسا متوفرين بشهيدنا الغالي الحاج عبدالزهرة عثمان للقيام بمثل هذا الدور وأنه على موعد الى اللِحاق بشهيد المحراب رضوان الله عليه سريعا حيث كانا قريبين من بعضهما لفترة طويلة من السنين ولا يليق بالحبيب أن يفارق حبيبه طويلا، ومن الجدير بالإشارة أن الشهيد عزالدين سليم كان يرى في السيد شهيد المحراب رضوان الله تعالى عليه مرجعا لم يعلن عن إجتهاده تواضعا أمام المراجع المتصدين وعلى رأسهم المرجع آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله الوارف، حيث كان يؤكد شهيد المحراب على أعلمية الإمام السيستاني دامت بركاته.

الشهيد السعيد أبو محمد العامري – طالب قاسم الحجامي – نائب رئيس مجلس الحكم ورفيق الشهيد عزالدين في حله وترحاله أبى إلا أن يستشهد مع رفيقه وأمينه حركته السياسية حيث روى لي أخ سائق سيارة الشهيد ابو محمد العامري أن الشهيد ابو محمد كان مع سائقه في سيارة لوحده وكانت سيارة الشهيد عزالدين تتقدمهم فتوقفت سيارة الحاج الشهيد ابو ياسين قليلا ففتح الشهيد طالب قاسم الحجامي باب سيارته مسرعا وقال يجب أن أصعد مع الحاج أبو ياسين وبعدها حصل الإنفجار الرهيب حيث تهشم رأس الشهيد العامري ووجه وبقي جسدا مملوءة بالتضحيات والفداء وصعدت روحه الطاهرة الى أعلى عليين مع الشهداء.
لقد كان الشهيد ابو محمد العامري كاتبا ومحللا سياسيا ورئيسا للقسم الاجتماعي في اذاعة طهران العربية وهو صاحب برنامج (حجاية ويه الناس) (حكاية مع الناس) التي كان يطلقها كل يوم تصوروا كل يوم وعلى مدى الحرب العراقية الايرانية ولمدة ثمان سنين رغم تنوع التصريحات والمواقف من المسؤولين الايرانيين العسكريين منهم والمدنيين، والوضع الميداني والسياسي المتقلب وصعوبة التعامل مع القائمين على المؤسسة الإعلامية في إيران. كان هم الشهيد العامري استنهاض همم العراقيين في اسقاط النظام البائد على ايديهم والاعتماد على امكانياتهم وقدراتهم الداخلية وعدم الاعتماد على دول اخرى ستغير لهم النظام القمعي الصدامي من الخارج وحتى لو كانوا على حرب مع هذا النظام وكان يشدد على إعتبار مساعدة ايران وأصدقاء آخرين في تغيير النظام شيئا ثانويا ولوجستيا لا غير لأن إدارة البلاد وإزاحة ومطاردة قوى الأرهاب والشر البعثي لا يفهمها إلا ابناء العراق وقواه السياسية الاسلامية والوطنية.

إن إرتحال الحاج ابو ياسين ومعه الحاج أبو محمد العامري الى الرفيق الأعلى مضرجين بدمائهم ومن معهم من الشهداء درسا كبيرا في الإخلاص والفداء من أجل تحرير العراق وحمايته من عودة الدكتاتورية ومن أجل وسيادة القانون وبناء عراق دستوري ومتعدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وولا شرعية لحكومة إلا عبراللجوء لصناديق الإقتراع كوسيلة لأختيار المتصدين للسلطة وبناء مؤسسات الدولة الجديدة والتي أسماها الشهيد ابو ياسين بدولة الإنسان في العديد من مقالاته لإخوانه في حركة الدعوة الاسلامية وادبياتها وتصريحاته الصحفية والإعلامية وفي لقائاته مع جميع القوى الاسلامية والوطنية السياسية التي نسق معها فيما يخص التأسيس للدولة الجديدة في العراق.

أقول ياأبا ياسين ولرفيقك الشهيد السعيد طالب قاسم الحجامي ومن معكم ومن سبقكم من الشهداء ومن لحق بكم أن العراق وشعبه وعمليته السياسية وقفوا على السكة والطريق الصحيح رغم التحديات الكبيرة والشائكة من الداخل ومؤامرات قوى الشر والإرهاب والتكفير والعنصرية والطائفية من الخارج، لقد بات الشعب العراقي يعي حقيقة هذه التحديات كما باتت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي التي أخرجت البلاد من فتنة الحرب الأهلية والطائفية وقضت على الغالبية العظمى من زمر الإهاب القاعدي التكفيري الصدامي وعصابات الخارجين عن القانون وبدعم من القوى السياسية الاسلامية والوطينة المعارضة للنظام البائد والتي تشكل غالبية أعضاء البرلمان والحكومة وبدعم واسناد المؤسسة الدينية ( المرجعية والحوزة العلمية)وقوى ومؤسسات المجتمع المدني ووجهاء العشائر العراقية ، نخبركم أن هذه الحكومة والتي ستقتص لكم ولجميع الشهداء من البقية الباقية من قوى البغي والعدوان والخوارج والأمويين الجدد وأنها جادة وبكل صدق للقصاص من ناهبي ثروات الشعب العراقي وخيراته من خلال الفساد المالي والإداري المستشري في جسد الدولة منذ العهد البائد والذي وجد فرصته الأكبر في ظل ضعف القانون وعدم اكتمال بناء مؤسسات الدولة وهويتها.

نم أيها الشهيد السعيد ورفيقك الشهيد طالب قاسم ومن معكم حيث مرت خمس سنوات على رحيلكم قريري العيون أن العراقا لن يعود لقيادته عصابات ولصوص سطوِ من خلال دبابات وبنادق في جنح الظلام، ناموا ايها الشهداء مطمئنين وفرحين أن عدوكم من البعثيين والتكفيرين باتوا مخذولين مكسورين مهزومين ولم يعد العراق نهبا لقومية أو طائفة أو حزب أو حاكم واحد أوحد، بل هو لكل العراقينن بتنوع قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ومذاهبهم، لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بقدر ما يكون ملتزما بواجباته الوطنية والأخلاقية والشرعية والقانويية وفي إطار وحدة العراق وإستقلاله وديمقراطيته ونظامه السياسي الجديد.
رحمك الله تعالى يا أبا ياسين لقد كنت ترى أن الجميع مظلومين في ظل النظام البائد رغم إختلاف حجم الظلم والاستبداد الذي وقع على قومية محددة وطائفة معينة تمثل غالبية الشعب العراقي لكون وجود نظام صدام حاكما على الشعب العراقي ذو الحضارات والعلم والأدب والفن والعلماء والمثقفين هو عورة وعقوبة لكل العراقيين جميعا إلا من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء وشوهوا صورة العراق وشعبه الناصعة، وأقول أيها الشهيد ها هو الدستور العراقي الجديد والتشريعات الدستورية ستحفظ لكل هذه المكونات حقوقها وستعيد للعراقيين كرامتهم المسلوبة وعزتهم المنهوبة وحياتهم الكريمة ومكانتهم بين شعوب المنطقة والعالم الاسلامي والعالم أجمع وفي القريب المنظور وستصلكم أخبار هذه المسيرة وانتم ترفلون بثياب خضر واستبرق عند مليك مقتدر مع الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.....ولكن يبقى سؤالا عريضا وكبيرا يطرحه العديد من المهتمين بالشأن السياسي العراقي والمراقبين لنشاطات وفعاليات وحضور القوى والكتل والأحزاب السياسية العراقية عامة والإسلامية منها خاصة، هو أين إخوة الشهيد عبدالزهرة عثمان من مواصلة دربه وبناء حركته والنهوض بها أوالإلتحام مع قوى الحركة الاسلامية التي تريد لمبادىء الاسلام وقيمه الانسانية والاخلاقية أن تكون السائدة في بلد مسلم بغالبيته العظمى كالعراق من خلال البرامج السياسية الصادقة والعملية والواقعية؟....ويكرر هؤلاء المراقبون التسائل بقولهم لقد مضت خمس سنين على شهادة الأمين لحركة الدعوة الإسلامية والى اليوم لم نسمع لهذه الحركة مؤتمرا يعيد هيكليتها ومكتبها السياسي وانتخاب أمين جديد لها أو ناطق إعلامي بإسمها رغم تحسن الوضع الأمني وتطور العملية السياسية وتعدد التحالفات وتقلباته؟!!!ا، هل لا زال هؤلاء الأخوة راضون بحالهم أم أن القوى السياسية الكبيرة والمسيطرة على الساحة بسطت أجنحتها على معظم الساحة السياسية حتى لم يعد للقوى الصغيرة والمتبعثرة أحدا يحسب لها حساب أم لديهم مشروع جديد ستشهده الساحة مستقبلا؟!!!!!.

أحمد الحلفي
لندن
Basrah7@hotmail.com

المصدر: صوت العراق، 16/5/2009