الكورد الفيلية... مآسي الماضي واحباط الحاضر

الكورد الفيلية شريحة عراقية اصيلة لها جذور عميقة ضاربة في تاريخ البلاد مثلما لها مواقف وطنية يشهد لها القاصي والداني فقد رفضوا بشدة الاحتلال العثماني البغيض وساهموا في جميع انتفاضات شعبنا ضد الاستعمار والعبودية هذه الشريحة دفعت ثمنا باهضا لتلك المواقف الاصيلة سيما موقفها الوطني المشرف بالدفاع عن حكومة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم يوم 8 شباط الاسود عام 1963. حدثني المرحوم قاسم الجنابي المرافق الوفي للزعيم عبد الكريم قاسم قائلا :عندما اذيع بيان انقلاب شباط خرجنا من دار الزعيم في العلوية باتجاه وزارة الدفاع وكانت الجماهير المحتشدة على جانبي الطريق تحي الزعيم وتطالبه بالسلاح وعندما وصلنا منطقة عكد الاكراد لم تستطع سيارتنا من الاستمرار في مسيرها فقد خرج الكورد الفيلية عن بكرة ابيهم والتحموا بسيارة الزعيم الذي اشار الى سائقه باطفاء محركها خشية ايذاء احد فرجاهم الزعيم فتح الطريق للاسراع بالقضاء على المؤامرة الا ان امراة كبيرة السن رفضت طلب الزعيم وهي تبكي وتصرخ يا زعيم نحن فداك كيف تذهب وحدك ومعي الان ابنائي الثلاثة وكلهم يحسنون استخدام السلاح فتاثر الزعيم كثيرا لكلامها وقبّل رأسها قائلا يا امي انا فداء للشعب وسأستدعي ابنائك ان احتجت اليهم وان شاء الله سنعالج الامر... وقاتلت هذه الشريحة الانقلابيين بضراوة وبسالة ولعدة ايام بعد استشهاد الزعيم.
لم ينسى القتلة والجلادون للكورد الفيليين هذا الموقف الشريف وهذا العشق الوطني للزعيم وحكومته ناهيك عن الحقد المزدوج الطائفي والشوفيني على هذه الشريحة المغدورة فعانت ما عانت من جور الانظمة المستبدة سيما في عهد النظام المقبور حيث اسقطت عنهم هويتهم العراقية وسجن ابنائهم ثم اعدم اغلبهم في عام 1987 .. هجرت عوائلهم بطريقة وحشية بربرية يندى لها جبين الانسانية. سلبت اموالهم وممتلكاتهم وطردوا من وظائفهم.
وبعد ان انكشفت الغمة عن هذه الامة بسقوط صنم الظلم والاستبداد تنفس الكورد الفيليون الصعداء واستبشروا باستعادة حقوقهم وتعويضهم عقود الضيم والحرمان ورد الاعتبار المعنوي والمادي لهم سيما وانهم ساهموا بفاعلية ضمن المعارضة الوطنية للسلطة الفاشية المنهزمة. الا ان امالهم خابت من اجراءات سلحفاتية.. فلا زال مصير ابنائهم مجهولاً واملاك اغلبهم لم تسترجع بسبب روتين وتعقيد دعاوي الملكية وحتى ان العديد منهم لم يسترجع حتى اليوم وثائقه وهويته العراقية..
السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يجوز ان تستمر معاناة هذه الشريحة العراقية المجاهدة في زمن الحرية والديمقراطية والعدالة!!
حقا انه امر غريب ومعيب في آن واحد فلنرفع اصواتنا جميعا بالدفاع عن كلمة الحق ونطالب بنفض غبار الروتين واتخاذ اجراءات فورية حاسمة تعيد لكل ذي حق حقه في ظل دولة كريمة اساسها العدل والقانون.

عبد الكريم الصراف
رئيس تحرير صحيفة 14 تموز

المصدر: صوت العراق، 8/5/2009