خبر سار للكورد الفيليين .. تقرر إعادة حقوقهم المغتصبة كاملة

عـُدت إلى البيت مساءً بعد أن قضيت نهاراً شاقاً في مراجعة عقيمة بصحبة أحد الأخوة من العائدين إلى الوطن بعد أن هُجر من قبل النظام السابق ، لاسترداد داره التي صودرت منه وإعادة أوراقه الثبوتية الرسمية بعد أن جـُرد منها ورُمي بعدها خلف الحدود صفر اليدين بجرة قلم واحدة من الطاغية وبخطوة لم يسبقها مثيل بالسرعة والعجل ...

ومع طرق باب أول دائرة لإعادة ما اغتصب منه ، طـُلب منه إحضار قائمة من المستمسكات ، في حين ليس بوسعه تقديم أي أثبات أو مستمسك بسبب افتقاره لجميعها عدا الصور الشخصية ، وللعمل على تهيئة المستمسكات المطلوبة عليه أن يخوض حرباً بلا هوادة من اجل كل واحدة منها في سلسلة طويلة ومعقدة من الإجراءات المملة .

شعرت بعد مضي هذا النهار بتعب كبير يرافقه ألم أكبر وأعظم ألا وهو مصيبة ذلك العائد إلى الوطن ، مفكراً بمشكلته وكيف لي أن أقدم له المساعدة ؟ ومن أين نبدأ ؟ وكم من الوقت والمال يلزمه لذلك ؟ أخذت أستذكر من أعرفهم ممن تربطني معهم علائق ، ومن منهم بمقدوره مساعدتي بحكم وظيفته أو بحكم علاقته بآخرين في تسهيل الأمر ، سيل كبير من الأسئلة أخذت تتطافر أمام عيني ملكني بركان من الغضب ، ولكن على من يمكن أن أصب غضبي على الطاغية المقبور وأزلامه أم على الحكومة الحالية التي مازالت تكيل بالمكيال والمعيار نفسه للكورد الفيليين وتتبع القوانين والإجراءات نفسها التي كانت متبعة أبان حكم الطاغية أم على الموظفين الذين أدمنوا الرشوة ووضعوا قواعد للعبة يتحكمون بخيوطها بخلق عوائق لابتزازهم .

وبينما كنت سابحاً في هذا البحر المتلاطم الأمواج من الأفكار جالساًً على فراشي متكئا بظهري إلى الوسادة مستقبلاً التلفزيون لا أدري هل أنا في كامل الوعي أم في عالم آخر من الخيال انتبهت فجأة إلى كلمة خبر سار للكورد الفيليين مرَّ من خلال الشريط الخبري الذي عادة ما يظهر في أسفل الشاشة عملت على أن أستجمع قواي لأركز على الخبر في حالة إعادته ثانية ، وهناك بعد دقائق أعيد الخبر ثانية فأخذت بقراءته بسرعة وجاء فيه ما يلي (خبر سار للإخوة من الكورد الفيليين يقرأه على مسامع الإخوة المشاهدين دولة السيد رئيس الوزراء شخصياً إلى ذلك نسترعي انتباهكم ).. فقفزت من مكاني على الفور وتقربت من شاشة التلفزيون بعد أن قمت برفع الصوت وهناك بعد إعادة ذلك الخبر عدة مرات من خلال الشريط الخبري . ظهر دولة السيد رئيس الوزراء مبتسماً ابتسامة عريضة ليست كعادته وابتدأ بقراءة البشرى ... بسم الله الرحمن الرحيم .. يا أيها العراقيون الشرفاء أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. إيمانا منا وعزماً مستمداً من عزمكم للعمل بما يخدم المسيرة الجديدة لعراق اليوم عراق الديمقراطية والتعددية ومراعاة لحقوق الإنسان والأقليات الأثنية التي تعيش على تربة هذا الوطن وضحت من أجلها بالغالي والنفيس ووقفت بوجه كل التحديات الأجنبية والاقليمة ودول الجوار للحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً وتاريخاً . وتجسيداً منا لصدق نوايانا وتماشياً مع ما انتخبتمونا من اجله قررنا باسمكم وباسمنا بكل فخر واعتزاز الاعتراف الكامل بعراقية الكورد الفيليين لكونهم عراقيين أقحاحاً وأصلاء تم تغييبهم وإلغاء وجودهم من المجتمع العراقي لأسباب شوفينية ، واعتبارهم أحد المكونات الأساسية للشعب العراقي وأدراج اسمهم كمكون ضمن الدستور العراقي الجديد ، وتـُرجع حقوقهم المغتصبة كاملة خلال فترة أقصها أربع وعشرون ساعة وعلى المعنيين تنفيذ هذا القرار ابتدءاً من منتصف هذه الليلة ، وسيخصص مبلغ مالي يدفع لهم كتعويضات عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم على أثر التهجير القسري سيحدده مجلس الوزراء في جلسته المقبلة ويعلن عنه في حينه. وختاما نشكر الله على هدايته لنا وألهمنا القوة والعزم بحل هذه المعضلة التي عانى منها الفيليون على مدى عدة عقود من السنين ، وشكراً لكم أيها العراقيون النجباء بوقفتكم معنا بتحقيق هذا الإنجاز التاريخي والذي سيسجل باسمكم لا باسمنا لكوننا جزءاً من هذا الشعب الأبي .. وشكراً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تابعت وكالات الإنباء والقنوات الفضائية المحلية والعربية والدولية ردود الأفعال في عواصم ومدن دول العالم والرؤساء والشخصيات والمنظمات والهيئات الدولية التي تباينت آراؤها ومواقفها مما أعلنه دولة السيد رئيس الوزراء العراقي .

أولها جاء على لسان الناطق الرسمي لفخامة رئيس الجمهورية العراقية حيث قال : الكورد الفيليون جزءٌ من الأمة الكوردية وفرحتهم هي جزءٌ من فرحة الأمة الكوردية .وجاء أيضاً عن لسان الناطق الرسمي لفخامة السيد رئيس إقليم كوردستان فقال : نهنئ أنفسنا وإياهم بهذا الإنجاز التاريخي العظيم الذي حققناه للكورد الفيليين . وعن قائمة الائتلاف الموحد جاء على لسان ناطقها الرسمي قائلاً: نحن نفرح لفرحة أخوتنا الشيعة من الكورد الفيليين. أما عن موقف التيار الصدري فقد نزلت إلى الشوارع جموع غفيرة منهم مرددين شعاراً واحداً وبصوت واحد (كلا كلا للتبعية .. نحن نؤيد الفيلية) . وأما عن القائمة العراقية جاء على لسان ناطقها الرسمي قائلاً : نهنئ باسمنا وباسم قائمتنا الكورد الفيليين فيما لو أعطوا أصواتهم لنا . كما جاء على لسان الناطق الرسمي لفخامة رئيس قائمة الوفاق الوطني الذي أعلن عن استعداده الكامل لإقامة مؤدبة كبيرة على حسابه الخاص لكل شيوخ العشائر العربية التي في داخل العراق وخارجها ابتهاجا بهذه المناسبة العظيمة . وأما جماعة الفضيلة فقد أعرب الناطق الرسمي باسمهم قائلاً :ارتفاع معدلات تصدير النفط العراقي وارتفاع أسعارها أولى أن نفرح بها في هذه الفترة لأنها تمكننا من الإسراع في بناء العراق الجديد .أما جماعة التوافق فجاء على لسان ناطقهم الرسمي قائلاً : نحن قررنا ومنذ دخولنا العملية السياسية أن نحتفظ برأينا أو نعارض ولا يمكن لنا أن نؤيد أي قرار في هذه المرحلة لتبقى الأمور غير مستقرة .

هذا ما كان على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الإقليمي والدولي . فقد أعربت الجارة إيران على لسان الناطق الرسمي لفخامة رئيس جمهوريتها حيث قال : الفرحة لا تعنينا وقد يفسر موقفنا تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق .أما عن موقف الجانب التركي فقد جاء على لسان الناطق الرسمي باسم حكومتها قائلا : لا أخفي على نفسي أولاً وعليكم ثانيةً بأننا هنا في أنقرة كنا ننتظر بفارغ الصبر خبر إعلان منح كركوك العراقية لنا عفواً أقصد للتركمان . وبخصوص موقف الشقيقة مصر العربية أعرب الناطق الرسمي عن لسان فخامة رئيسها المنتخب مدى الحياة عن فرحته بدعوة كل الراقصات الوطنيات للمشاركة في احياء هذه الفرحة والرقص مجاناً هذه الليلة في كافة ملاهي وكابريهات مصر العروبة . ومن ليبيا قذف الناطق الرسمي عن فخامة رئيسها الأمة العربية والعالم أجمع بقنبلة في كلمة عن هذه المناسبة قائلاً : بما أن الفيليين ليسوا بعرب فنحن نفرح لفرحهم والشعب الليبي لن يتخلى عنهم . وأما عن المملكة السعودية جاء على لسان الناطق الرسمي لحكومتها قائلاً : لو كانت جذور الفيليين من أرض الحجاز لأرغمنا النظام السابق على الاعتراف بهم ومنحهم الجنسية العراقية . وجاء أيضاً على لسان الناطق الرسمي لعزت الدوري عن حزب البعث العربي الاشتراكي فقال : اسمحوا لي أن أدعوكم لصلاة الاستسقاء للمرة الأخيرة عسى أن تهطل الأمطار هذه المرة بمناسبة هذه الفرحة التي عجز الحزب من تحقيقها . وبخصوص ما وردنا عن فخامة الرئيس الروسي على لسان الناطق الرسمي للحكومة الروسية حيث قال بكل صراحة : لا مانع لدينا من الفرحة أن لم تطلب منا الولايات المتحدة الأمريكية مقابل ذلك نشر صواريخ لها تحمل الرؤوس النووية في العاصمة موسكو . أما عن موقف كل من بريطانيا والسويد وألمانيا والنرويج والدنمارك وفرنسا وبقية دول أوربا فجاءت موحدة على لسان الناطق الرسمي باسمهم حيث وصفها بالخطوة الجريئة والضرورية لأنها تبعث الاطمئنان في قلوب الفيليين الذين مازالوا يتوافدون مهاجرين هاربين من الظلم الذي يلحق بهم من جراء السياسات الشوفينية ، ناصحاً الدول الشرق أوسطية والعربية والإسلامية باعتماد سياسة إنسانية في معاملة مواطنيها كي لا يهربوا منهم إلينا . وأخيراً عن الموقف الأمريكي جاء على لسان الناطق الرسمي بعد أن خرج من شرفة البيت الأبيض الأمريكي ليعلن عن رأي الإدارة الأمريكية الرسمي حيث قال : ها أنتم رأيتم بأم أعينكم احدى ثمار المشاريع التي حملناها معنا في غزونا للعراق والتي لم تتحقق لولا إصرارنا وحرصنا بالدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة والبيئة والآثار والثروات شريطة أن تكون بأيدنا ونتحكم بها ونحن من يقرر مصيرها ، وكما تعلمون لولا حبنا وحرصنا لزيادة دخل المواطن الأمريكي وتحسين معيشته بعد أن تمتلئ جيوبنا وخزائننا بالأموال والذهب ما قدمنا إلى العراق أصلاً وتحملنا هذا العناء . وختم حديثه قائلاً : تضامناً منا مع هذه الفرحة قررنا تعيين القاضية الفيلية زكية إسماعيل بدلاً عن السيدة هيلاري كلينتون لإدارة الشؤون الخارجية.

وبعد متابعتي لهذا الشوط الطويل من الأخبار والأحداث قررت أن أشارك الملايين المحتفـلة في الشوارع بالرقص والغناء فهذه هي ليلتنا التي انتظرناها منذ أمدٍ طويل ، فأخذت أصرخ وأنادي بأعلى صوتي بعد أن خرجت إلى الشارع: أين أنتِ يا سيدة أم كلثوم ويا عبد الحليم حافظ ويا فريد الأطرش ويا نجاة الصغيرة ويا شعبان عبد الرحيم ويا ناظم الغزالي وسعدي الحلي وياس خضر وشامي كابور وكوكوش ومهستي وألفس برسلي وديمس روسس وشاكيرا تعالوا وغنوا جميعكم لفرحتنا التاريخية هذه ... بينما كانت الفرحة تغمرني من أخمص قدمي حتى قمة رأسي وسط هذا الزحام جاءتني دفعة قوية سقطت على أثرها إلى الأرض وداستني بعض أرجل المحتفلين ، فأخذت أصرخ من شدة الألم وكدت أختنق لصعوبة حصولي على الهواء حتى جاءني صوت ناعم بريء يناديني في أذني بابا .. بابا ، حاولت أن لا أفقد رشدي وأستجمع قواي ففتحت عيني لأرى ابنتي الصغيرة ذات السنوات الأربع جالسة عن رأسي وتهزني من كتفي وتناديني (بابا .. بابا أكعد) فانتبهت إلى نفسي حينها وإذا بي مازالت على فراشي ، فقمت وخرجت على الفور إلى الشارع ، لم أر أية احتفالات ولا حتى أية مؤشرات لها . فسألت نفسي هل كان ذلك كله حلماً ؟.. أيعقل ذلك ؟ فانتابني الحزن وعدت أدراجي لألقي بجسدي مرة أخرى إلى الفراش وعادت ابنتي ثانيةً تمازحني فنزلت لرغبتها وأخذت ألعب معها وأخفي حزني وألمي على محنة أبناء جلدتي خلف الضحكة التي رسمتها على وجهي حرصاً مني أن لا أعكر مزاج طفلتي الصغيرة .

صادق المولائي

المصدر:صوت العراق، 14/4/2009