الذكرى التاسعة والعشرين لتهجير وقتل الكورد الفيليين في نيسان عام 1980

في مثل هذه الايام ، وقبل تسعة وعشرين عاماً ، كان رجال الأمن البعثيين وقوات الجيش الشعبي الخبثاء يداهمون كخفافيش الليل منازل الكورد الفيليين ليلاً وتحت جنح الظلام مدججين بالأسلحة المدمرة ليخرجوهم من ديارهم الآمنة ليسوقوهم الى دوائر الأمن العامة ويهجرونهم أفواجاً أفواجا الى خارج الحدود العراقية بعد حجز فلذات اكبادهم واسقاط الجنسية عنهم ومصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة ، وتركهم على الحدود العراقية – الايرانية مجردين من كافة الوثائق والمستندات التي تثبت عراقيتهم وحتى هويتهم الانسانية ... فكم من شاب حرم من شبابه وحياته وثكلت به عائلته ، وكم من نساء واطفال وعجائز وعاجزين ماتوا على الألغام المزروعة على الحدود بين البلدين الذين كانا يخوضان حرب ضارية ، وكم من عوائل تشتت بين العراق وايران ومن ثم بين دول العالم ولا يمكن لم شملهم حتى وقتنا الحاضر، وكم من بيوت اخليت من أهلها وهدمت أو أهديت الى منتسبي البعث البغيض أو بيعت بأثمان ضئيلة في مزاد علني صوري ، وكم من شبان وشابات الكورد الفيليين حرموا من وظائفهم ودراساتهم وحتى عندما اكملوها في البلدان التي هاجروا اليها لا يستطيعون تطبيقها بذريعة كبر السن وكم منهم اصيب ويصاب بامراض مميتة مثل السرطان وغيرها بسبب الاحساس بالقهر او تعرضهم للغازات السامة واشعاعات القنابل المميتة التي استعملت في الحرب العراقية الايرانية والتي تظهر آثارها القاتلة بعد سنين وغيرها من المآسي التي لا تعد ولا تحصى ...
واليوم ، نتسائل نحن ابناء الكورد الفيليين ، وخاصة غداً هي الذكرى السنوية لسقوط النظام البائد عن الثمار التي حصل عليها الكورد الفيليين في السنوات القليلة الماضية في ظل النظام الديمقراطي التعددي الاتحادي الحالي وكم من حقوقهم المسلوبة اعيدت لهم ؟...
نستطيع ان نقول ، وبكل صراحة ... لم يجنوا إلا نسبة ضئيلة للغاية من الحقوق والمكاسب والمناصب التي جناها غيرهم من الشرائح الأخرى للشعب العراقي حتى الضئيلة العدد منهم ، والكثير من هؤلاء لم يعانوا ماعانته هذه الشريحة المظلومة من الشعب العراقي على يد جلاوزة البعث قبل السقوط وبعدها على يد الانتهازين والمرتشين المتسللين الى النظام الجديد الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها أصحاب مناصب مهمة في الدولة والوزارات والبرلمان بسبب المحاصصة وانتمائهم لهذه الفئة الحزبية أو تلك ، ويسعون الى عدم تحقيق حقوق المظلومين الحقيقيين من ابناء العراق ومنهم الكورد الفيليين..
فلو نلقي نظرة سريعة على ما جرى وما يجري بشأن قضيتنا نرى انه لم تنهي المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة محاكمتها للمجرمين في قضية تهجير وقتل الكورد الفيليين وادانتهم الذين تسببوا في وقوع تلك الجريمة النكراء وشاركوا فيها . كما لم يعثر على رفات شبابنا او على اماكن دفنهم على الأقل ، علاوة على قضايا املاكنا المغتصبة التي لم تحل نهائيا حتى الان وتوضع العراقيل امام استعادتنا للجنسية وشهادة الجنسية العراقية بذرائع واهية وهؤلاء المعرقلين إما موظفين بعثيين سابقين غيروا جلدهم مع الزمن وانضموا في صفوف هذه الفئة السياسية او تلك او مرتشين يطالبونهم بمئات الدولارات من اجل تسهيل امر حصول أبناء شريحتنا على وثائقهم التي هي حق من حقوقهم الشرعية وخاصة ان النظام الجديد ارسيت أسسه لنصرة المظلومين على يد المجرمين السابقين ...
ونعود ونقول بصراحة... نحن ، تكلمنا ولازلنا نتكلم وبشكل مسهب وواسع حول قضية الكورد الفيلية ، وكثرة الكلام فيه نفع ولكن ليس كنفع الفعل ... علينا نحن الكورد الفيليين ان نراجع انفسنا ونتسائل ماذا فعلنا نحن لأجل قضيتنا ؟ إلى متى يجب أن نتوقع من الآخرين أن يعملوا لنا ، إلى متى لا نقدم على المطالبة بحقنا واخذها بأنفسنا ؟... هل شكلنا كتلة سياسية او اجتماعية قوية تضم كافة ابناء الشريحة تحت جناحيها لكي تصبح اليد الحديدية التي تدق على كافة الابواب وتسلك جميع السبل من اجل احقاق حقوقنا وخاصة والانتخابات البرلمانية على الأبواب ؟ هل بإمكان الاحزاب والمنظمات والشخصيات الكوردية الفيلية نسيان مصالحها الذاتية ولم صفوفها ورصها بالشكل الذي يخدم قضايانا ويحقق اهدافنا ، ام سنظل على هذه الشرذمة والتشتت والانفرادية المقيتة التي يتبعها بعض الساسة والمسئولين من الكورد الفيليين والذين يعدون على اصابع اليد ، هولاء الذين وصلوا الى مناصبهم هذه بدعم من هذا الحزب او ذاك او هذه الفئة او تلك ؟ لان الفرد يأتي ويخدم ويغادر ليحل محله آخر في النظام الديمقراطي ، ولكن الكتلة ستبقى وان ذهب احد اعضائها فلابد من وجود الكادر الشاب المثقف الواعي الدارك لقضايا شريحته واهدافها الذي يمكن ان يحل محل الذي يغادر ولكن الفردية امر بغيض وغير مجدي ابدا والعصر الحاضر هو عصر فريق العمل الواحد الذي يعمل وفق برنامج ديمقراطي يخدم الفريق كله ومصالح الشريحة التي يمثلها ، ويكون بعيدا عن تحقيق مصالح الفرد الواحد . فهل في مثل هذه الايام يدرك ابناء شريحتنا مدى حاجتنا الى التكاتف والتلاحم ونسيان البغضاء لايجاد كتلة سياسية واجتماعية ذات اهداف واضحة ومتينه يمكن لها ان تضم في صفوفها أكبر عدد من ابناء شريحة الكورد الفيليين بالشكل الذي يحفظ لنا حقوقنا وكرامتنا وموقعنا على أرض العراق ولا يبعدنا عن قوميتنا ولا مذهبنا وانما يكون بادئة لكي يكون لنا كيان واضح ومشرف بين كافة الفئات العراقية الأخرى ، حتى يشعر أبناء الشريحة كلهم ان الكتلة التي يجب أن تدعم وتساند هي كتلة الكورد الفيليين ...

نظيرة اسماعيل كريم

المصدر: صوت العراق، 9/4/2009