طريق التآخي
في ذكرى مأساة الكورد الفيليين

لقد كانت اتفاقية آذار 1970 اتفاقية تاريخية حاولت ان ترسم علاقة ايجابية بين الثورة الكوردية وحكومة بغداد انذاك فكانت حدثا عظيما في تاريخ نضال شعبنا الكوردي وانتزاع الاعتراف بحقوقنا القومية المشروعة التي تمثلت بالحكم الذاتي ولكن لم يكتب لهذه الاتفاقية ان تعيش اكثر من اربع سنوات وفي الحقيقة بدأت تتقوض مبكرا.
ولابد هنا ان نشير الى ان اول خلاف حقيقي بعد ابرام الاتفاقية دب بين الطرفين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب البعث الذي كان يتولى السلطة هو موضوع استهداف السلطة للكورد الفيليين في بغداد واضطهادهم وذلك بتفعيل عمليات اعتقال وتسفير العوائل الفيلية في بغداد والمحافظات الاخرى ومصادرة اموالهم، ظنا من السلطة ان القيادة الكوردية ستغض الطرف عن مثل هذا الامر من أجل المحافظة على المكاسب القومية اي إقرار مسألة الحكم الذاتي في محافظات كوردستان معتمدين في ذلك على ان الكورد الفيليين النسبة العالية منهم لا تسكن كوردستان بل بغداد وبعض المحافظات الوسطى والجنوبية.
ولقد وقف سيادة البارزاني الراحل والحزب الديمقراطي الكوردستاني وقفة صلبة ازاء هذا الاعتداء على شعبنا الكوردي المناضل ووقود ثورة ايلول الكورد الفيليين ولاحت اول بوادر الخلاف المهدد لأنهيار العلاقة بين الحزبين منذ اول استنكار رسمي ارسلته القيادة الكوردية الى حكومة بغداد انذاك ثم تداعت العلاقة من سيئ الى اسوأ.
لقد كان الكورد في اقليم كوردستان وما زالوا ينظرون نظرة اكبار واجلال الى نضال ابناء شعبنا الكوردي من الفيليين ولأنهم كانوا وعاشوا في فوهة المدفع وعلى خط التماس مع الحكومات الشوفينية المتعاقبة على دست الحكم في بغداد، وبالرغم من ذلك، فقد كان بأسهم وشكيمتهم ونضالهم وعدم استسلامهم موضع قلق وامتعاض تلك الحكومات حتى جن جنونها وقامت بابادة وتهجير هذه العوائل الكوردية الاصيلة التي عاشت في بغداد قرونا عديدة حتى اصبحت احد المحاور الاقتصادية الاساسية في بغداد وهذا بدوره ايضا كان لايروق للحكومات الشوفينية.
وللأسف بقي الكورد الفيليون يعانون من الكثير من المشاكل التي بقيت عالقة دون حل حتى بعد سقوط الدكتاتور ونظامه.
ومن هنا جاءت ضرورة عقد مؤتمر الفيليين برعاية الرئيس البارزاني في 3 كانون الاول 2005 وكان لتوصيات المؤتمر وقعها الايجابي الكبير على ابناء شعبنا الكوردي عامة والفيليين خاصة فهي مطالب انسانية ومحقة ولكن المؤسف ان كثيرا من هذه المشاكل تواجه طرقا مسدودة في بغداد، ولم تفلح الدولة في معالجة قضايا الكورد الفيليين لا بل عقدت الأمور عليهم وذلك بتحويل احد أهم مشاكل الفيليين وهي مساكنهم وعقاراتهم المستلبة منهم والتي (اهدتها) حكومة الدكتاتور صدام الى من تشاء او باعتها الى من رغبت، من مشكلة سياسية الى مشكلة تنظر فيها المحاكم الجزائية فاقحمت الكورد الفيليين في مشاكل لانهاية لها مع (المالكين) الذين يمتلكون اوراقا رسمية تؤكد ملكيتهم لهذه العقارات والدور!! أليس هذا نوعا من انواع الانفال، عشرات الالاف من الدور والمزارع والمعامل والدكاكين تؤنفل وتستلب من مالكيها بسبب القومية وسط بغداد؟!
ان من اولى المهمات التي على وزارة المهجرين والمهاجرين ان تضطلع بها هي مسألة هذه الشريحة المهمة المنكوبة المؤنفلة في بغداد والمحافظات الاخرى، فأين وصلت جهود هذه الوزارة..؟ اننا حتى لانسمع ولا نقرأ لها موقفا صميميا يرقى الى مستوى مبررات ايجاد مثل هذه الوزارة.. هذا ما يشعر به كل كوردي فيلي مسلوب الحق والارادة اليوم.
اننا نطالب الدولة ان تفتح ملف الكورد الفيليين ومن خلال لجنة عليا وذات صلاحيات رفيعة وفعالة وحسم كل الدعاوى العالقة والتي ستبقى عالقة اذا ما كان اسلوب معالجتها على ماهو عليه من بيروقراطية لاتتفق والمعاناة الكبيرة التي بلغت حد (مأساة بشرية) يعرفها القاصي والداني.
ان الملفات العديدة النائمة او المركونة في هيئة حل النزاعات الملكية العقارية والتي سبق لجريدة (التآخي) ان استطلعت امرها لن تجد حلا مالم تشرع الدولة فورا بوضع الية جديدة وواقعية لحل مشاكل الكورد الفيليين علما ان هذه المشكلة (الاملاك) هي واحدة من مشاكلهم الا انها تقف اليوم في مقدمة المشاكل لهذه الشريحة العراقية الكوردية المناضلة والمضطهدة والتي سيبقى التاريخ يتحدث عنها وما اصابها من تجنٍ وظلم وتعسف واضطهاد في الحرية والتملك والمواطنة، لذا لايمكن التعامل مع هذه الشريحة الا على اساس سياسي له علاقة بحقوق الانسان وما افرزته هذه المشكلة الكوردية من تداعيات في الملكية والثقافة والجانب الانساني والاعتباري والخسائر الاقتصادية التي تمخضت عن تهجير مثل هذه الشريحة لسنوات طويلة بعيدا عن الوطن.

رئيس التحرير

المصدر: التآخي، 5/4/2009