قراءة في قانون تعويض المتضررين

اقر مجلس النواب العراقي (قانون تعويض المتضررين الذين فقدوا اجزء من أجسادهم جراء ممارسات النظام البائد) والذي يهدف بمادته
-1- اولاً - الى تعويض المتضررين الذين فقدوا جزءاً من أجسادهم او أصيبوا بمرض مزمن او تعرضوا الى التشويه لأسباب سياسية للفترة من 1968/7/17 ولغاية 19 / 3 /2003 .
ثانياً- يستحق التعويض المنصوص عليه في البند (اولا ) من هذه المادة ورثة المشمول بأحكام هذا القانون عند وفاته . المادة- 2- يعوض المشمول بإحكام هذا القانون مبلغاً بما يعادل نسبة عجزه المؤيد بقرار من اللجنة الطبية المختصة على ان لايقل عن (5000000) خمسة ملايين دينار ولا يزيد على (10000000) عشرة ملايين دينار. المادة -3- يمنح المشمولون بأحكام هذا القانون الامتيازات التالية إضافة الى مبلغ التعويض المنصوص عليه في المادة (2) من هذا القانون: اولا - أفضلية في التعيين في دوائر الدولة والقطاع العام وعودة الراغبين منهم الى الوظيفة ممن تتوفر فيهم شروط التعيين. ثانيا - شمولهم بالرعاية الصحية داخل العراق وخارجه. ثالثا - أفضلية في القبول في الدراسات الاولية والعليا للراغبين منهم في اكمال دراستهم مع مراعاة توفر شروط القبول عدا ما يتعلق بشرط العمر. رابعا - أفضلية الحصول على قرض الزواج لغير المتزوجين. خامسا - صرف هوية خاصة لهم لغرض تكريمهم معنويا وتسهيل مراجعاتهم لدوائر الدولة يصدرها المحافظ المختص. فضلا عن عدد من الأحكام التي تنظم آلية الحكم بالتعويض وما الى ذلك من أحكام تصل حد ملاحقة الضالعين بتنفيذ تلك الجرائم قضائيا ، لكن الامر لا يتعلق بالجانب السياسي حصريا اذ لا تتعدى حالاته الى اعداد قليلة، ولكن لا بد من النظر الى هذا الموضوع من جانب اخر، حيث لم تتوقف جرائم النظام البائد طيلة حكمه الاستبدادي على الإعدام الكيفي والتصفيات الجسدية الاخرى، والتغييب الأبدي، والسجن والاعتقال والحجز والمطاردات والمداهمات للبيوت الامنة، بل تعدى ذلك الى استخدام وسائل اهانة وإيذاء اشد قسوة من القتل او السجن وما يجري فيه، ولعل اقسى هذه الوسائل عقوبات بتر الأعضاء الجسدية كبتر الأيدي واتخاذه عقوبة لجرائم السرقة بدل السجن او الإعدام، وعقوبة بتر صيوان الاذن، وعقوبة وشم الجباه، ناهيك عن العديد من أنواع الإيذاء الجسدي والنفسي التي ادت الى أيلولة الكثير من الرجال والنساء الى الجنون .
وأشدها على الإطلاق جرائم قطع الألسن أمام حشود من الناس وفي مناطق سكن المجني عليهم وفي الهواء الطلق بتهم الحديث عن الطاغية او عائلته او حزب البعث او التذمر من ظرف ما ..
عند عطف النظر على ما يمكن ان يقع تحت عنوان العقوبة بدلا للعقوبات التي اقرها قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969، نجد ان ذلك يشكل مخالفة صريحة لاسس هذا القاون الذي نص على انواع العقوبات في مادته 85 (العقوبات الأصلية هي:
1 - الاعدام. 2 - السجن المؤبد. 3 - السجن المؤقت. 4 - الحبس الشديد. 5 - الحبس البسيط. 6 - الغرامة. 7 - الحجز في مدرسة الفتيان الجانحين.
8ـ الحجز في مدرسة إصلاحية.) والمادة مادة 86 (عقوبة الإعدام هي شنق المحكوم عليه حتى الموت). فيما نجد ان عقوبة جريمة السرقة قد شددت لتصل الى الإعدام شنقا بدل السجن المؤبد ،مع ان المحاكم قد تأخذ بعين الاعتبار الظروف المخففة فتنزل بها الى السجن المؤبد او السجن مدة 15 سنة في اغلب الاحيان ..
بيد ان الظلم بعينه هو ان يوجد ذلك النظام عقوبة أقسى من الإعدام!! وهي بتر الأيدي ،فاذا كان الاحتجاج على ذلك بكون هذه العقوبة شرعية على وفق احكام الشريعة الاسلامية، فان ذلك مردود على المحتج كون النظام السابق علمانيا ولا يعير للإسلام حرفا ولا حكما ولا امرأ، كما ان أحكام الشرع تختلف في التطبيق باختلاف التفسير، اذ لم يجرالاتفاق أصلا بين المذاهب الإسلامية على تحديد مقدار اليد، لتصل الى مستوى أطراف الأصابع، فضلا عن ذلك الاخذ بنظر الاعتبار فلسفة العقوبة ومفهومها التهذيبي بما يعني من إعادة تهذيب الفرد وتأهيله ليكون عضوا فاعلا وناجحا في الحياة متساميا على اثام الماضي واثاره .
كل اثار العقوبات التي يتعرض لها المرء، او الاعتداءات الجسدية او النفسية قد تنسى بمرور الوقت، الا الاعتداءات التي تبقى شاخصة الى العيان، لا سيما اذا كانت ظاهرة للناس، فانها لا تبارح نفسية ومزاجية وقدرات المصاب بها مهما كانت مكانته الاجتماعية، بل وينتقل وقعها الى عائلته واطفاله، وفي ذلك حكايات كثيرة تصل حد الامثال الدارجة .
القانون الذي اقره مجلس النواب العراقي لتعويض المتضررين الذين فقدوا جزءاً من أجسادهم جراء ممارسات النظام البائد، قد ينصرف الذهن الى انه يقتصر فقط على ثلة من السياسيين او من نفذت بهم تلك الجرائم تحت مؤثرات سياسية، والواقع هو ان جميع من تعرضوا الى تلك الجرائم هم ضحايا سياسات لذلك النظام، من ذلك مثلا القرار رقم 70 لسنة 1994 المنشور في جريدة الوقائع العراقية - رقم العدد: 3517 تاريخ: 1994/4/7 عدد الصفحات: 1 ( رقم الصفحة: 206 ) رقم الجزء:1 (منح قيادة الشعبة الحزبية ومجلس الشعب صلاحية الحجز لمدة سنة لكل من امتنع عن بيع السلع الواردة في البطاقة التموينية ) والذي ينص في فقرته الخامسة وسادسا على (اذا كون الفعل المنصوص عليه في البند اولا من هذا القرار تخريبا في الاقتصاد الوطني وضررا بالغا في المصلحة العامة يحال المتهم بالغا كان ام حدثا على قاضي التحقيق وتتخذ الاجراءات بحقه وفق قانون اصول المحاكمات الجزائية بعد استنفاد مدة الحجز المنصوص عليها في الفقرة 1 من البند اولا من هذا القرار .
سادسا: تكون عقوبة الفعل المنصوص عليه في البند خامسا من هذا القرار قطع اليد اليمنى من الرسغ وقطع الرجل اليسرى من مفصل القدم في حالة العود) ولنا تصور مدى تلك الصلاحيات وتقدير مفهوم المصلحة الوطنية او الاقتصاد الوطني الذي يمكن ان تختبئ تحت يافطة الكثير من جرائم التنكيل بالشعب العراقي والاهانة الجسدية والروحية التي تعمد الحاقها به في تلك المرحلة ..
لو رجعنا الى التشريعات التي صدرت بعد سقوط النظام، نجدها لم تعالج هذه الناحية اصلا، بالرغم من صدور العديد من القوانين التي أريد بها رد الاعتبار للسجناء السياسيين والمفصولين من دوائرهم او من حرم منهم بسبب معارضتهم لذلك النظام، فيما كان ينبغي ان يلتفت اليها المشرع عند تشريعه لقانون السجناء السياسيين رقم 4 لسنة 2006 ليكون شاملا لكل الوان الاضطهاد السياسي، من سجن وحبس او حجز واعتقال او اغتصاب واهانات جسدية ونفسية وهتك للعرض، او بتر للأعضاء او تشويه للخلقة او أمراض سارية نتجت عن سياسات ذلك النظام القمعية واستهتاره بمصائر الناس وقيمهم الروحية والاجتماعية والعلمية .
لما تقدم ينبغي إجراء تعديل على قانون مؤسسة السجناء السياسيين يتضمن الاتي :

أ ـ تعديل اسم القانون الى (قانون مؤسسة السجناء والمضطهدين السياسيين) على ان يشار في ذلك الى بقية المواد التي يرد فيها اسم القانون السابق .
ب ـ تعديل المادة الخامسة من القانون المذكور بإضافة فقرة جديدة تحل (ثانيا) تعرف المضطهد السياسي بأنه ( كل من تعرض الى بتر احد أعضاء جسده او احدث فيه علامة فارقة او اصيب بعوق نفسي او جسدي بسبب سياسات ذلك النظام).

طالب الوحيلي

المصدر: صوت العراق، 26/3/2009