المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني

ا ف ب: اصدرت المحكمة الجنائية الدولية، أمس الاربعاء، مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، واسقطت عنه تهمة الابادة. واعلنت متحدثة باسم المحكمة خلال مؤتمر صحافي في مقر المحكمة في لاهاي "اليوم (الاربعاء)، اصدرت الغرفة التمهيدية الاولى، مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية".

وخلافا لما طلبه المدعي لويس مورينو اوكامبو لم تصدر المحكمة مذكرة توقيف بتهمة الابادة.وقبيل ذلك اعلنت منظمة اطباء بلا حدود انها تلقت امرا من الحكومة السودانية باجلاء موظفيها الاجانب من دارفور. من جهته صرح الناطق باسم الجيش السوداني العميد الركن عثمان الاغبش ان "القوات المسلحة ستتعامل بحسم مع كل من يتعامل مع ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية". وقد تحدى البشير الثلاثاء المحكمة مؤكدا ان "اي قرار سيصدر من المحكمة الجنائية الدولية لا قيمة له عندنا وسيكون مصيره مثل القرارات التي سبقته". وساد التوتر صباح الثلاثاء دارفور حسب مسؤول في قوة حفظ السلام المشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في اقليم دارفور في غرب السودان حيث تدور حرب اهلية خلفت 300 الف قتيل حسب الامم المتحدة وعشرة الاف حسب الخرطوم. وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو طلب في 14 تموز من قضاة المحكمة اصدار مذكرة توقيف في حق البشير (65 عاما) الذي يرأس اكبر بلد في افريقيا منذ 1989. واعتبر في طلبه ان الرئيس السوداني مسؤول عن عملية ابادة في دارفور في حق المساليت والزغازة. واكد ان "البشير استهدف بشكل خاص ومتعمد مدنيين لم يشاركوا في النزاع بهدف القضاء عليهم كمجموعة". واتهم اوكامبو البشير ايضا بانه مسؤول عن اغتيال مدنيين وتصفيتهم وتعذيبهم واغتصابهم وعن جرائم ضد الانسانية وعمليات نهب وهجمات وجرائم حرب ارتكبت منذ اذار2003.
وقضى نحو 35 الف مدني في هجمات شنها الجيش السوداني على قراهم بدعم ميليشيات الجنجويد الموالية للحكومة. وقال مورينو اوكامبو ان النزاع ادى الى نزوح 2.7 مليون شخص وان 100 الف ماتوا من الجوع والمرض في المخيمات. ويحقق المدعي العام في المحكمة الدائمة الوحيدة المؤهلة محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة، منذ 2005 في مسألة دارفور بموجب قرار صادر عن مجلس الامن الدولي. وقد حذر وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماع الثلاثاء في القاهرة من "الاثار الخطيرة" التي قد تترتب على عملية السلام في دارفور اذا اصدرت المحكمة مذكرة توقيف في حق البشير. وهذه اول مذكرة توقيف تصدرها المحكمة الجنائية الدولية في حق رئيس دولة يمارس مهامه منذ تأسيسها في 2002. وكانت المحكمة اصدرت في ايار2007 مذكرتي توقيف في حق وزير الدولة السوداني للشؤون الانسانية احمد هارون وزعيم ميليشيا الجنجويد الموالية للحكومة علي كشيب بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. لكن البشير يرفض تسليمهما.ولا تملك المحكمة اي قوة خاصة بها وتطبيق مذكرات التوقيف التي تصدر عنها رهن بارادة الدول.
وقد اعلن وزير الدولة السوداني للشؤون الخارجية علي احمد كرتي الاربعاء رفضه بلاده التام لقرار المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيق بحق الرئيس عمر البشير. وقال الوزير السوداني خلال مؤتمر صحافي في القاهرة ان السودان "يعلن رفضه التام لقرار المحكمة الجنائية الدولية لان السودان ليس عضوا فيها وليست للمحكمة ولاية على السودان". وكان وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدرات اكد في تصريح لقناة الجزيرة الفضائية القطرية ان بلاده "لا تتعامل" مع المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا قرارها "سياسيا". واضاف "قرارنا واضح. لم نسلم احمد هارون ولم نسلم علي كوشيب، لا نتعامل مع هذه المحكمة، لا يمكن لانهم اصدروا الان مذكرة بحق البشير ان نتعامل معها، لانها لا اختصاص ولا ولاية لها".
بينما رحب زعيم حركة جيش تحرير السودان المتمردة في دارفور عبد الواحد محمد نور من منفاه في باريس الاربعاء باصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير معتبرا اياها "نصرا كبيرا لضحايا السودان ودارفور". وقال نور "هذا نصر كبير لضحايا دارفور والسودان". واضاف ان "البشير وحكومته لن يفلتا بعد الآن من العدالة وكل من ارتكب جريمة ابادة سيدرك انه لن يتمتع بعد الآن بحرية التنقل في العالم" بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيف بحق البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور في غرب السودان. وردا على سؤال حول تداعيات قرار اصدار مذكرة التوقيف على الاوضاع في دارفور قال نور انها "ستغير الكثير". واضاف ان "الامل كبير بان تتوقف المجازر الجارية، الابادة ستتوقف حتما"، مؤكدا ان المسؤولين عن هذه المجازر "كانوا يظنون ان البشير يحميهم، ولكنهم اليوم سيعيدون التفكير في هذا الامر". كما رحبت حركة العدل والمساواة، ابرز حركات التمرد في اقليم دارفور غرب دارفور، بصدور مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير واعتبر ناطق باسمها اليوم "يوما عظيما للشعب السوداني ولدارفور". وقال محمد حسين شريف ممثل الحركة في القاهرة "نعتبر هذا اليوم يوما عظيما للشعب السوداني ولسكان دارفور، ونجدد دعوتنا للبشير للمثول امام المحكمة لاثبات براءته، ان كان بريئا بالفعل".
وفي ردود الفعل الدولية، دعت الولايات المتحدة الاربعاء كل الاطراف في السودان وبينهم الحكومة السودانية الى "ضبط النفس" بعد صدور مذكرة توقيف عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس عمر البشير على ما قال ناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية. وقال روبرت وود خلال زيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون في رام الله في الضفة الغربية " ندعو كل الاطراف بما فيها الحكومة السودانية الى ضبط النفس". واضاف "يجب تجنب اعمال عنف اضافية تطال المدنيين والمصالح الاجنبية ولن يسمح بها".
من جهة أخرى، قال مبعوث الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف للسودان الاربعاء ان اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير تشكل "سابقة خطيرة"، على ما افادت وكالة ريا نوفوستي. واكد المبعوث الروسي ميخائيل مارغيلوف "ان القرار غير الملائم للمحكمة الجنائية الدولية يوجد سابقة خطيرة في نظام العلاقات الدولية ويمكن ان تكون له آثار سلبية على السودان".
بينما اعلن رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ الاربعاء ان مذكرة التوقيف التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير قد تهدد السلام في السودان. وقال بينغ "لقد علمت للتو بقرار المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، ويهمني ان اوضح اولا ان موقف الاتحاد الافريقي هو اننا مع مكافحة الافلات من العقاب، ومن غير الوارد لدينا ترك مرتكبي الجرائم من دون عقاب". واضاف "لكننا نقول ان السلام والعدالة يجب الا يتعارضا، وان مقتضيات العدالة لا يمكن ان تتجاهل مقتضيات السلام"، مؤكدا ان قرار المحكمة الجنائية الدولية "يهدد السلام في السودان". وسبق لدول الاتحاد الافريقي الـ53 ان اعلنت هذا الموقف مرارا.
بينما اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية ايريك شوفالييه الاربعاء ان بلاده تدعو السودان الى "التعاون الكامل" مع المحكمة الجنائية الدولية.
من جانبها، اعربت مصر عن "انزعاجها الشديد" اثر صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير الاربعاء، محذرة من تداعياته "السلبية المحتملة" على الوضع في السودان.
وقال وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط في بيان صحافي ان مصر "تلقت قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بانزعاج شديد نتيجة التداعيات السلبية المحتملة لمثل هذا القرار على استقرار الأوضاع فى السودان، وعلى مستقبل تنفيذ إتفاق السلام الشامل، وجهود تفعيل العملية السياسية فى دارفور". ودعا الوزير المصري مجلس الامن الدولي الى "عقد اجتماع عاجل وطارئ بهدف إتخاذ قرار بطلب تفعيل المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة لتأجيل تنفيذ قرار التوقيف". وأضاف ابو الغيط ان " مصر سبق وأن حذرت عند صدور لائحة الإتهام من مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير، من خطورة التعامل غير المسؤول مع الأوضاع فى السودان. وأكدت أكثر من مرة على أن التسوية السياسية الشاملة والعادلة لأزمة دارفور هي الضمان الوحيد لتحقيق العدالة على الأمد الطويل". وجدد دعوة مصر لعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى تحت رعاية سكرتير عام الأمم المتحدة للاتفاق على رؤية شاملة ومتكاملة للتعامل مع التحديات المختلفة التى تواجه السودان وعلى رأسها أزمة دارفور".
وفي تطور لاحق اكد وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني علي احمد كرتي الاربعاء ان الرئيس عمر البشير سيحضر قمة الدوحة العربية ويقوم بمهامه وواجباته رغم صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه.
واعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو ان الحكومة السودانية ملزمة بتنفيذ مذكرة التوقيف التي اصدرتها المحكمة الاربعاء بحق الرئيس السوداني عمر البشير. وقال اوكامبو خلال مؤتمر صحافي في مقر المحكمة في لاهاي وان "الحكومة السودانية ملزمة بموجب القانون الدولي بتنفيذ مذكرة التوقيف على اراضيها".

4/3/2009