موسيقى بلاد الرافدين.. العود .... هل جاء من بلاد الكرد الفيليين

لم يكن العود منتشرا في جنوب العراق خلال الحضارة السومرية ، ولكنه انتتشر فيما بعد خلال العصر الاكدي ، ويذهب بعض الباحثين الى انه جاء من القوقاز او من الشعوب السامية الغربية ( سوريا ) ولكننا لانجد منحوتات لموسيقيين في التماثيل التي تعود للعصر البرونزي في سوريا.
ان ما اكتشف من آثار في مدينة سوسة عاصمة المملكة العيلامية وهي العاصمة التاريخية لبلاد الكرد الفيليين او لورستان كما تعرف ، كشف لنا موطن العود الاصلي ، فقد عثر على اشكال منقوشة للعود على التماثيل المصنوعة من الطين ، ومنها عود بيضوي الشكل له رقبة فيها ثقبان ، والظاهر انه لعازف مرموق ، كأن يكون ساحرا .
وعود آخر عثر عليه في لورستان ايضا، مصنوع من البرونز – النحاس – له صندوق دائري يشبه البطن ، وهذا النوع نراه ايضا على دمية عرض تعود للعصر البارثي .
ولدينا إناء فضي محفوظ في المتحف البريطاني عثر عليه في ايران ، يعود للعصر الساساني ، نقش عليه عود في مشهد سمر ( انظر صورة الاناء الفضي المرفقة مع المقال).*
وتبين لنا النقوش المرسومة على الاواني والادوات التي عثر عليها في ايلام شيوع آلة العود في تلك العصور القديمة ، وان اشهر عازف عود في العصر الساساني كان يدعى باربد Barbad والذي تروى الكثير من الروايات عن مهاراته في العزف ، ويعتقد ان تسمية العود بربط مقتبسة من اسم هذا العازف الشهير ، عكس التفسير الذي يذهب الى ان بربط مقتبسة من شكل البط الذي يشبه العود .
وفي الحكايات القديمة كان لدى خسرو برويز الملك الساساني حصان يحبه جدا يدعى شه ب دز ( سارق الليل ) . مات الحصان ولم يجرؤ أحد على إخباره بالامر، فطلبوا من العازف الشهير باربد اخباره بموته ، فعزف لحنا موسيقيا على آلة العود ما ان سمعه خسرو برويز حتى صاح : لقد مات شه ب دز.
نجد العود في الحضارة الفرعونية ايضا ، وتشير الدراسات الى نوعين من العود الاول له رقبة قصيرة ، مشابه للعود المعروف حاليا يعزف عليه بواسطة ريشة من الخشب مربوطة بالة العود ، والنوع الثاني له رقبة طويلة يشبه السيتار وله صندوق بيضوي .
ويذكر المؤرخ الاغريقي الشهير هيرودوتس ان المصريين يعزفون الموسيقى على ظهور الزوارق وهي تجري في نهر النيل.
يعتقد بعض الباحثين ان آلة العود انتقلت من الاغريق الى الشرق ، والبعض ينسب اختراع العود الى افلاطون ومن خلال جيوش وحروب الاسكندر المقدوني انتقل الى اسيا ومصر وشمال افريقية ، ولكن الشواهد التاريخية تدل على ان العود كان موجودا في الحضارة المصرية قبل وصول جيوش الاسكندر الى مصر .
وفي الاغريقية يسمى العود باربيتوسBarbitos أو باربيتون Barbiton وكان يستخدم في الاحتفالات الدينية وغير الدينية.
و لكن من خلال الشواهد التاريخية التي عثر عليها في المملكة العيلامية وحضارة السومريين جنوب العراق يظهر لنا ان العود آلة موسيقية اصيلة في تلك المنطقة وتؤكد نسبته الى المملكة العيلامية الاثار التي اكتشفت في مدينة سوسة و التي تعود لاكثر من الف عام قبل الميلاد ومنها منحوتات للعود على الاواني والادوات الفخارية والمعدنية .
واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الحضارة الايرانية هي بالاساس حضارة المملكة العيلامية – بلاد الكرد الفيليين – وان الفرس وهم اشقاء الكرد في اللغة والثقافة والموطن ، فان ما يدعى بالحضارة الا يرانية او الفارسية هي في الحقيقة الحضارة الكردية التي نشأت منذ عهود ضاربة في القدم في ايلام – لورستان- او عيلام كما تسمى في العربية ومدنها الشهيرة سوسة وبرسي بولس ، والعاصمة الكردية الاقدم انشان وهي قرب مدينة سوسة واقدم منها تاريخا ، ويرجح ان عيلام تسمية اطلقتها الاقوام السامية المجاورة لبلاد الكرد الفيليين على بلادهم، اما الاغريق فكانوا يطلقون عليهم ايلام ، وان الكرد في ايلام كانوا يطلقون على انفسهم تسمية آري ، ومنها جاء اسم الاقوام الارية ، والتي شملت الفرس ايضا، وتسمية آري تعنى الاحرار ، وافسر ذلك باشتقاق الاسم من اختراعهم المحراث الذي يسمى في الايلامية والسومرية ( آر )، ولي في ذلك رأي سانشره لاحقا ضمن العلاقات اللغوية السومرية الكردية ، وكذلك وردت تسمية كاردو و ماد او الشعب الميدي اسما للكرد في الاثار المنقوشة في الكتابات السومرية والعيلامية والاشورية.
كانت الزرادشتية الديانة الرسمية في المملكة العيلامية خلال العهد الساساني و كانت مملكتهم تشمل رقعة جغرافية واسعة من البلدان تمتد من الشام وفلسطين ومصر حتى خراسان وافغانستان ، وان اشهر المدن في العصر الساساني كانت سوسة وبرسي بولس – يسميها العرب اصطخر - و تيسفون ( المدائن بعد الفتوحات الاسلامية ، وسلمان باك فيما بعد ، وتقع قرب بغداد ) ، واختلطت تسمية الساسانيين على العرب فاعتبروهم فرسا- لعدم التمييز بين الكرد والفرس لتشابه اللغتين والثقافة - والحقيقة هم كرد حسب الدراسات الايرانية ولذلك نجد اشهر مدنهم تقع في بلاد الكرد الفيليين – لورستان وسهل دجلة على الخط الممتمد من كركوك الى بغداد مرورا بجلولاء وخانقين وبدرة وزرباطية والعمارة حتى البصرة – وان اخر مدينة كردية – ساسانية - سقطت على يد الفاتحين العرب هي نهاوند وتقع في محافظة ديالي ، واثرها انفتحت بلاد الكرد وايران امام المسلمين، ليبدأ عصر جديد حرمت فيه الموسيقى والاناشيد والاعياد الزرداشتية شيئا فشيئا وحيثما تمكن المسلمون من إحكام قبضتهم على المدن المفتوحة .
ونجد أقدم تأليف موسيقي كردي / ايراني محفوظ حتى الوقت الحاضر هو الاناشيد الزرادشتية – غاتا- ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة غيت التي تعني اغنية في الكردية والفارسية والهندية ، وهي الاشعار التي لها ايقاع خاص ، مؤلفة بطريقة موسيقية يسهل تذكرها وحفظها، وهي الاناشيد التي كانت تروى شفاها لاجيال وقرون قبل ان تدون للمرة الاولى .
والى جانب هذه الاناشيد نجد العديد من الالات الموسيقية التي صنعت في المملكة العيلامية وخاصة في مدينة سوسة وما جاورها قبل الميلاد بقرون عديدة ، وانتقلت لاجزاء مختلفة من ايران والممالك الاخرى ، وقسم منها احتفظ باسمه أو باثر من اسمه الكردي / الايراني القديم حتى الوقت الحاضر، فمثلا - تار – التي تعني وتر في الكردية والفارسية والهندية ، ظلت محافظة على التسمية في الالة الموسيقية الشهيرة تار، وظلت الكلمة شاهدا على اصلها في العديد من الالات الاخرى مثل جي تار ، دو تار ، سي تار ، دو تار تعني آلة ذات وترين ، وسي تار الة ذات ثلاثة اوتار .
وبسبب اهتمام الشعوب الكردية / الايرانية بالموسيقى ، اسسوا لها نظاما ورتبوا لها قوانين ومواصفات ، ومع عدم امتلاكنا معلومات كافية عن العصور الموسيقية الاولى في كردستان / ايران / لورستان ، لكننا نجد لدى الساسانيين موسيقيين مشهورين مثل باربد ، ناكيسا ، و رامتين ، ظلت اسماؤهم معروفة في الروايات التاريخية، ويعد باربد اشهر هؤلاء الموسيقيين العظام وهو الذي الف نظاما موسيقيا يشمل سبعة مقامات ملكية تسمى خسرواني* ، وثلاثين لحنا وثلاثمائة وستين داستان : قصة ، خرافة ، حكاية ، مشهور ، وكان ذلك اقدم نظام موسيقي في الشرق الاوسط مازالت اثاره حاضرة في الموسيقى حتى الوقت الحاضر. ومن اسماء بعض مؤلفاته : كين ي ايرج اي انتقام ايرج ، وتخت اردشير اي عرش اردشير .
وقد تكون هذه المؤلفات ملاحم غنائية .
اما مؤلفاته المعروفة باسم باغي شهريار اي حديقة شهريار، و هفت كنج اي الكنوزالسبعة، و ماه ، هور، كويهان ( اي القمر ، الغيوم ، والجبال ) فلا نعرف عنها شيئا اكثر من اسمائها التي ذكرها المؤرخون الاواخر ، وقد تكون اتلفت بعد الفتوحات الاسلامية إذ حرمت الموسيقى في بلاد الكرد التي دخلت تحت سلطة الفاتحين العرب ، واعتبرت ممارسة مفسدة ، الا انها انتعشت فيما بعد في بلاط الخلافة العباسية من جديد وانتشر الموسيقيون والمغنون الكرد والفرس في البلاد الاسلامية وبدأوا يؤلفون ويغنون بالعربية .
ومن بين مشاهير الموسيقيين ابو نصر الفارابي الذي الف كتاب الموسيقى الكبير ووضع أسس الموسيقى في العالم الاسلامي ، وصفي الدين الاورموي الذي وضع اللحن في اثني عشر جزء بست مقطوعات غنائية وهو من معاصري الفارابي ايضا.
كان الدين الاسلامي لايشجع على انتشار الموسيقى، فاينما قويت شوكة الدين الجديد وارتفعت راية الاسلام ، اختفت الموسيقى واندست تحت الارض، ولكنها كانت تبرز الى السطح حين تحصل على فرصة للظهور .

منصور زلزل و اسحق الموصلي

أشهر العازفين الموسيقيين في العصر العباسي منصور زلزل ويعرف باسم زلزل ، وزلزول ، وهو عازف شهير وعم ومعلم اسحق الموصلي ، واسحق الموصلي هو اسحق بن ابراهيم بن ماهان .
كان منصور زلزل اكبر موسيقي في بلاط هارون الرشيد ومهدي الهادي ، وكان زلزل يتعاون في الموسيقى مع ابراهيم بن ماهان .
كان خبيرا بالموسيقى وماهرا في العزف على الالات الموسيقية ، فابتكر نوتات جديدة وغير بعض النوتات القديمة .ابتكر نوتة ثالثة واضاف للنوتات الايرانية الشهيرة وعزفت هذه النوتات بلحن زلزل ، وهو لايتفق مع تقسيم اللحن الى اجزاء صغرى وكبرى ، كما صمم عودا سمي – الشبوط – لشبهه بسمكة الشبوط وأصبحت تسمية عود الشبوط شائعة في عصره.
يقول أحد الباحثين عن مهارة زلزل ان اصابعه هبة من الله وهو حين يعزف على العود ينهض الاحنف ليرقص ، دلالة على مهارته ، وكان كريما يوزع ما يملك من أموال على الفقراء وصرف معظم ثروته على الاعمال الخيرية وشيد بئرا ببغداد سمي باسمه .
سُجن منصور زلزل بامر من الخليفة هارون الرشيد عشر سنوات وحين خرج من السجن كان ضعيفا أبيض الشعر وتؤرخ وفاته بعام 791 ميلادية – 175 هـ - ولكن كتاب تاريخ الموسيقى الايرانية يؤرخ وفاته بعام 200 هجرية.
اما ابراهيم بن ماهان والد اسحق الموصلي فكان نديما للخليفة واشهر مغن في بلاط الخلافة العباسية وكان اشهر مغن بالعربية ايضا ، والده ماهان من أسرة رفيعة ، ولد في ارجان في منطقة شيراز ، ولكن بسبب ظلم الحكم الاموي الذي سيطر على البلاد هاجر ماهان الى الكوفة ، فولد له ابراهيم هناك عام 125هجرية.
هاجر ابراهيم من الكوفة الى الموصل وعاش فيها لمدة عام تعلم فيها العود ولذلك سمي الموصلي ، لاحقا تعلم فن الغناء والعزف في خوزستان – يطلق عليها الجغرافيون العرب بلاد الري – والبصرة ومناطق اخرى في ايران والعراق وتعلم فنون الموسيقى والغناء من الموسيقيين الايرانيين، وكان ابراهيم بن ماهان – ابراهيم الموصلي – شاعرا ومغنيا وموسيقيا ، وهو أحد أعمدة الموسيقى العربية والايرانية.
خلط ابراهيم الاشعار الفارسية / الكردية مع العربية وصنع انواعا جديدة من الموسيقى العربية والف أغان ومقطوعات واشعارا أصبحت شائعة في الثقافة العربية ، وغير في شكل الاغنية العربية – شعر الاغاني – .
كان في البصرة حين دعاه الخليفة المهدي للقدوم الى بغداد فانتقل اليها ، ولكنه لم ينسجم مع البلاط ، كان يشرب الخمر فحبسه الخليفة وفي السجن تعلم القراءة والكتابة . حصل ابراهيم على مكانة كبيرة في خلافة الهادي الذي كان يغدق عليه الاموال والهديا، وزادت مكانته وعلت في خلافة هارون الرشيد ليصبح مغن وشاعر وموسيقي البلاط العباسي ونديم الخليفة ، وكان الرشيد يحبه حبا جما ، فحصل على ثروة كبيرة من الصلات والهدايا التي كان يغدقها عليه الرشيد والبرامكة (يحيى البرمكي واولاده الفضل وجعفر ومحمود).
اصطحبه الخليفة هارون الرشيد برحلة معه الى دمشق ولكنه مرض هناك فعاد به الخليفة الى بغداد ، ومات فيها عام 188 هجرية فكلف الرشيد ابنه المامون الصلاة عليه وتولي دفنه ، وامر باعطاء كافة القابه الى ابنه اسحق ووصل اسرته.
ورد ذكره في كتاب الاغاني والفت عنه الكتب ، وهو الذي فتح مدرسة لتعليم الموسيقى في داره ، وعلم الفتيات عزف العود ، وكانت الاسر البغدادية ترسل بناتها اليه ليعلمهن الموسيقى والعزف على العود ، كما كان يشتري الجواري ويعلمهن فنون الغناء والموسيقى .
بعد وفاته أكمل ابنه اسحق رسالته وسار على نهج ابيه .
اما زرياب فهو تلميذ اسحق ورسول الموسيقى الى الاندلس وهو الذي نقل اسلوب استاذه اسحق الى المغرب العربي والاندلس واسمه يعني في الكردية / الفارسية ماء الذهب : زَر = ذهب ، آب = ماء .
آثار الفنون الموسيقية
نعرض ادناه بعض الاواني المعدنية والتحف الجميلة المحفوظة في المتاحف العالمية والتي تدل على شيوع الغناء والرقص في العهد الساساني في بلاد الكرد الفيليين- عيلام / لورستان - ووسط وجنوب العراق .

1- لوح لعازف الهارب – متحف اللوفر ، باريس


في حضارة بلاد الرافدين ظهرت منحوتات من الطين والفخار للحيوانات والبشر منذ اواخر الالف الثالثة قبل الميلاد .
هذا اللوح لعازف الهارب يعود لحوالي 2000 عام قبل الميلاد، اي صنع قبل اربعة الاف عام .
كان للموسيقى دور كبير في الحياة الاجتماعية والطقوس الدينية والعبادة في بلاد الرافدين، وقد عثر على بعض النصوص التي تدل على التاليف الموسيقى ولكن القليل من اللقى تدل على الالات الموسيقية ولذلك لهذا اللوح اهمية كبيرة ، ونلاحظ ان هذا الهارب مصنوع على شكل زورق ، كان منتشرا في بلاد اشور وايران ايضا، واستمر احد انواعه المتطورة مستخدما في تركيا حتى القرن السابع عشر الميلادي .
يعود هذا اللوح الفخاري لحضارة اور / اشنونا - طوله حوالي 8 سم وعرضه حوالي 9 سم محفوظ في متحف اللوفر قسم الشرق الاوسط تحت رقم AO 12454

2- امرأة تعزف الهارب – متحف اللوفر ، باريس

 
قطعة فنية منقوشة من المرمر والسيراميك لامرأة تعزف الهارب.
تعود هذه القطعة الفنية للقرن الثاني الميلادي وهي منتزعة من ارضية ايوان قصر شاهبور الاو ل ( حكم 241 – 272 م ) ثاني ملوك الامبراطورية الساسانية الذي شيد قصره في مدينة بيشابور التي شيدها لتكون عاصمته الجديدة بمناسبة انتصاره على روما .
تقع بيشابور بين مدينتي سوسة ( ايلام ) وتيسفون ( تيسفون سماها العرب بعد الفتح المدائن وتسمى سلمان باك ايضا في الوقت الحاضر، تقع جنوب بغداد وهي عاصمة الاكاسرة التاريخية وفيها اشهر بناء له اكبر طاق حينذاك : ايوان كسرى و طاق كسرى وكان يدعى القصر الابيض ) .
عرض اللوحة 5 .8 سم وطولها 6.5 سم متحف اللوفر AO 26169
Near Eastern Antiquities

3- الاناء الفضي - المتحف البريطاني ، لندن


هذا الاناء الفضي محفوظ في المتحف البريطاني بلندن ، صنع في طبرستان جنوب بحر قزوين في القرن الثامن الميلادي ، أي قبل اكثر من الف عام ، يصور مجلس أنس وطرب مقتبس من العهد الساساني .
اشتهرت طبرستان في صناعة الاواني الفضية وزخرفتها مستلهمة حياة الملوك الساسانيين، كما استمرت صناعتها على هذه الشاكلة بعد الفتح الاسلامي للعراق وعيلام وايران .
كانت هذه الاواني ترسل من طبرستان الى بلاط الخلفاء في دمشق حين كانت عاصمة الدولة الاموية هناك وفيما بعد الى بغداد حين انتقلت الخلافة العباسية اليها .
في هذا الاناء يظهر الامبراطور الساساني بالزي الملكي مستلقيا على عرش يحيط به الندامى والمغنيات ، وحوله لوازم الانس والطرب من طعام وشراب في جلسة حميمة في بستان تدل عليه دالية العنب وعناقيدها التي تتدلى فوق الرؤوس .
كما نشاهد إنائين ملونين للنبيذ في ثلاجة للتبريد موضوعة الى جانب قربة الماء الكبيرة ، وفي الجانب الاخر من القربة موقد نار ربما دلالة على عبادة النار في الديانة الزرادشتية التي كانت الديانة الرسمية للساسانيين .
تحمل امرأة آلة العود ، ونلاحظ حملها العود بشكل يختلف عن طريقة حمله في العصر الحديث، ورجل ينفخ في آلة البوق الذي كان آلة مشهورة لدى الملوك الساسانيين تعلن عن حضورهم .
تميزت الصناعات الفضية في العهد الساساني بدقة صنعها وتقنيتها المتطورة التي كانت تشكل الشخوص والاشكال وتضيفها الى المصنوعات الفضية ، واسلوب صناعتها يوجب صنع الاشكال على صفحة رقيقة من الفضة اولا ومن ثم قطعها ولصقها على وجه الاناء.
حازت هذه الصناعة الساسانية الانيقة والجميلة شهرة كبيرة فانتشرت في الاصقاع شرقا وغربا فقلدتها الصين خلال حكم اسرة تانغ واخذت اسلوبها ومواضيعها وطريقة صنعها من ايران.

قطر الاناء : حوالي 20 سم
رقم الاناء ME OA 1963.12-10.3 المتحف البريطاني- لندن/ قاعة رقم 34

4- ابريق فضي ذهبي - متحف المتروبوليتان ، نيويورك


يعود هذا الابريق للعصر الساساني ايضا ، صنع في القرن السادس الميلادي وهو من محفوظات متحف الميتروبوليتان في نيويورك ، ارتفاعه حوالي 34 سم .
غالبا ما كانت الاباريق والقناني تزين برسوم احتفالية .
نلاحظ على هذا الابريق نقش امرأة ترقص ، و هي تمثل على الاغلب الالهة اناهيت ، ولربما كانت هذه الاباريق تزين بهذه اللوحات من أجل استخدامها في تقديم النبيذ في الاحتفالات الملكية والدينية .

5 – قنينة فضية لراقصة - متحف اللوفر


تعود للقرن الخامس - السادس الميلادي في العصر الساساني ، من منطقة الديلم / ايران.
شاع في العصر الساساني مثل هذا النوع من الاواني المزينة بنساء راقصات ، ويكشف عن الحفلات الباذخة التي كان يحييها البلاط الساساني و الحفلات الدينية ايضا ، ونلمس في الفن الساساني لمسات او تاثيرات الفنون الاغريقية والرومانية اضافة لموروث الحضارة الايرانية، وقد انتقلت الصناعات الساسانية من المعادن والحرير والمنسوجات الى جميع انحاء العالم وقلدتها العديد من البلدان ، والاناء له شكل البيضة وعليه اربع نقوش لنساء يرقصن بالتتابع ، ونرى ان احدى قدمي الراقصة مرفوعة ويديها ممدوتان وتحمل في يديها طيرا او غصنا ، والقماش الخفيف الذي يكاد يسقط من جسدها والذي تحركه الريح يضفي على المشهد سحرا رائعا.
كانت الصناعات الحريرية والخزفية ترسل من ايران الى اوربا وهي معروفة لديهم قبل الفتوحات الاسلامية وقبل الحروب الصليبية.
المواصفات : اناء فضة
طول 18 سم ، عرض 11 سم
رقم MAO 426
Near Eastern Antiquities

6- قنينة رقص وشراب – متحف اللوفر ، باريس


تعد هذه القنينة من التحف النادرة التي صنعت بهذا الشكل الجديد خلا ل القرن السابع عشر الميلادي وهي تحفة من السيراميك نقشت عليها صورة امرأة ترقص في حضرة رجل في يده قدح شراب في خميلة جميلة .
صنعت في ايران ، على الاغلب في مدينة اصفهان ، تعود للعهد الصفوي خلال حكم شاه عباس ، وهي من محفوظات متحف اللوفر - باريس .
طولها حوالي 22 سم
تحت رقم OA 7780 قسم الفنون الاسلامية.

.....................................................................................

هامش

* هفت خسرواني : النظام الموسيقى السباعي ، وضعه الموسيقي الشهير باربد ، مغني وموسيقي بلاط خسرو برويز الثاني (حكم 628 – 590 م ). كانت هذه الالحان تغنى في الحفلات الملكية ، وقد ورد ذكرها في العديد من المصادر فذكرها ابو منصور الثعالبي . واطلق عليها المسعود ي في كتابه مروج الذهب الطرق الملوكية المؤلفة من قبل الفرس ، ويصفها نقلا عن ابن خرداذبة الذي فصل في ذكر الاغاني والالحان المؤلفة من قبل الفرس . ومن اسماء هذه الالحان :
اللحن الاول : سُكافه : ويعني المضراب ، والاسم له علاقة بالريشة التي يعزف بها على الة العود.
اللحن الثاني : غير مذكور
اللحن الثالث : امراش ، ولربما هو نفس اللحن ابرينا الذي ذكره ابن خرداذبة .
اللحن الرابع : مدار وسنان او مادرو وسبان ، وله علاقة باسم مدينة مادرو وسبان وهي مدينة قرب حلوان على طريق خراسان .
اللحن الخامس : سايقات ، ولربما هي تحريف لكلمة شايجان – شاي جان – وتعني قصر في الفارسية / البهلوية والكردية وهي في الاساس شاهي جا اي مكان الملك او شاهي جان .
اللحن السادس : سي سم والاسم كما يبدو تحريف لكلمة شه شم في الكردية والفارسية اي السادس.
اللحن السابع : جباران او حران
اما ابن خرداذبة فيعطي هذه الالحان الاسماء التالية :
اللحن الاول : بند ستان
اللحن الثاني : بهار وهو اكثر الالحان سرورا
اللحن الثالث : ابرين وفي بعض المصادر أفرين ، وارجح هذه التسمية لان كلمة آفرين في الزرادشتية تعني الشكر ، ويعزف هذا اللحن على وتر عالي النغمة
اللحن الرابع : ابرينا
اللحن الخامس : مادرو وسبان ، ومن ميزات هذا اللحن الانتقال من لحن الى آخر والعودة اليه مرة اخرى .
اللحن السادس : سيسم وهو تحريف من شه شم – اي السادس – ويعزف باصابع قوية
اللحن السابع : القبة وقد تكون تحريف للتسمية الكردية / الفارسية غونباد اي صراخ الغضب
وبالامكان الرجوع الى كتاب اللهو والملاهي لابن خرداذبة ، ط بيروت 1964 .
ومازالت بعض المقامات في العراق تحمل الاسماء الكردية / الفارسية مثل السيكاه اي الثالث
والجاركاه اي الرابع والبنجكاه اي الخامس ، والنهاوند نسبة الى مدينة نهاوند الكردية في محافظة ديالي ، وبعض الاسماء المتعلقة بالالات الموسيقية والالحان والاغاني مثل الدنبك وهو الة الدربكة او الطبلة و البستة بمعنى اللازمة ، وكلمة بست تعني ربط او شد او غلق ومصدرها بستن ، والميانه : وهي من ميان بمعنى الوسط ، واسطة العقد . فالمقام يبدأ بالتحرير ثم الميانة ثم البستة .

مؤيد عبد الستار
كاتب واكاديمي عراقي يقيم في السويد
muayed1@maktoob.com

المصدر: موقع الاخبار، 25/2/2009