الكرد الفيلية: هل يستوي ألإجحاف وإلانصاف؟

صدرت عن قادة النظام الجديد في العراق الديمقراطي الاتحادي ألتعددي تصريحات علنية لوسائل الإعلام حول إنصاف الكرد الفيلية وإعادة حقوقهم إليهم، وصدرت عنهم وعود للوفود العديدة التي زارتهم. كانت هذه التصريحات ايجابية وكانت الوعود قوية، استبشر على أثرها الكرد الفيلية الخير وتوقعوا إجراءات توازي هذه التصريحات والوعود في ايجابيتها وقوتها. وانتظروا. وطال انتظارهم لأكثر من خمسة سنوات ولم يروا من الخطوات الايجابية في الواقع العملي إلا اليسير رغم أنهم سمعوا الجديد من التصريحات الايجابية والوعود.

ثم جاءت الإنباء (راجع على سبيل المثال لا الحصر خبرين جديدين هما الرسالة المؤرخة في 21/9/2008 الموجهة من قبل السيد عدنان رضا ألفيلي إلى سيادة رئيس الجمهورية وسيادة رئيس الوزراء ومقالة السيد سليم سوزة "يا لها من طامة..." والمنشورتين في موقع www.faylee.org وموقع www.shafaaq.net ومواقع أخرى والخبر الذي نشرته "أصوات العراق" من بغداد في 29/9/2008 بعنوان "وزارة المهجرين والمهاجرين تدعو لاصدار الجنسية للمهجرين العراقيين في ايران" والمنشور في موقع www.sotaliraq.com)) لتؤكد ثانية إن الممارسات والإجراءات القديمة لا زالت سارية بشكل عام ولم تتغير في جوهرها وأساسها وإن تبدلت مظاهرها وشكلها. هذه الممارسات والإجراءات هي حول القضايا الأساسية العالقة التالية:

1-      لم يتم لحد ألان رد الاعتبار الرسمي لضحايا النظام السابق، ومن ضمنهم الكرد الفيلية، ذلك النظام الذي ارتكب بحقهم جرائم الإبادة البشرية وجرائم ضد الإنسانية. لقد أعادت دول عديدة في العالم الاعتبار الرسمي لضحايا ممارساتها الظالمة السابقة ضد شرائح من سكانها، مثلما فعلت استراليا وكندا وألمانيا. لماذا؟

2-      المحجوزين المغيبين: لا يعرف الكرد الفيلية، خاصة عوائل المحجوزين المغيبين أي شيء رسمي صادر عن السلطات العراقية عن ما حل بالمحجوزين المغيبين، وعددهم بالآلاف، وماذا عمل النظام السابق بهم ومكان رفاتهم، رغم مرور أكثر من خمسة سنوات على تغيير النظام ورغم اكتشاف المئات من المقابر الجماعية في مختلف أنحاء العراق. لماذا؟

3-      محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الكرد الفيلية: رغم أن ضحايا الجرائم التي ارتكبها النظام السابق ضد الكرد الفيلية يفوق ضحايا الجرائم الأخرى عددا (مئات الآلاف)، ورغم كون شهداء الكرد الفيلية نتيجة هذه الجرائم هو الثالث عددا (عدة آلاف) بعد جرائم الأنفال والجرائم التي ارتكبها النظام السابق أثناء وبعد الانتفاضة الشعبانية، ورغم كونها في تسلسلها التاريخي أول الجرائم الكبرى التي ارتكبها النظام السابق، وضعت قضية الكرد الفيلية بين آخر القضايا، القضية رقم 7 أولا ثم 8. ومن المفروض أن تنظر فيها المحكمة الجنائية العليا في هذا الشهر، تشرين الأول 2008 بعد عدة تأجيلات لأسباب سياسية. ولا زلنا ننتظر. لماذا؟

4-      استعادة ألمستمسكات الثبوتية: لم يستطع عشرات الآلاف من الكرد الفيلية المبعدين قسرا إلى خارج العراق لحد ألان من استعادة مستمسكاتهم الثبوتية بذرائع متنوعة تلجأ إليها دوائر الدولة، بالرغم من علم السلطات العراقية علم اليقين أن النظام السابق قد جردهم منها قبل إلقائهم عند الحدود. لماذا تطلب دولة العراق من الكرد الفيلية ما أخذته هي نفسها منهم! لماذا؟

5-      هوية الأحوال المدنية: لا زالت هوية الأحوال المدنية المصدرة للكرد الفيلية تحمل رقما يختلف عن رقم بقية العراقيين؟ لماذا؟

6-      استعادة شهادة الجنسية العراقية: لا زال عشرات الآلاف من الكرد الفيلية غير قادرين على استرجاع جنسيتهم العراقية رغم مرور أكثر من خمسة سنوات على تغير النظام ورغم علم قادة العراق أنهم عراقيون ومن حملة الجنسية العراقية قبل إسقاطها عنهم ظلما وعدوانا، كما يؤكد ذلك القرار الذي أسقط عنهم جنسيتهم العراقية، القرار رقم 666 الصادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل في بداية مايس/أيار من عام 1980 والذي ينص على (ا- تسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي ...) الخ. لماذا؟

7-      إعادة الممتلكات غير المنقولة – العقارات والأراضي والمصانع والمزارع وغيرها: لا زال الآلاف من الذين صودرت ممتلكاتهم غير قادرين على استعادتها بسبب إجحاف وعدم إنصاف قادة العراق الديمقراطي بحق الكرد الفيلية بتحويلهم القضية من قضية بين الدولة نفسها التي صادرت الممتلكات كطرف والكرد الفيلية الذين صودرت ممتلكاتهم كطرف آخر إلى قضية "نزاعات ملكية" بين المواطنين (بين أصحابها القانونيين والشرعيين الأصليين وبين سكنتها الحاليين – اللذين هم ليسوا طرفا في الموضوع أساسا) وبسبب قانون حل نزاعات الملكية العقارية غير العادل بحقهم أيضا وبسبب البيروقراطية العبودية والروتين الممل والفساد الإداري والابتزاز المالي في صفوف الجهات المسئولة عن "حل" هذه القضايا، وبسبب المخاطر الأمنية المترتبة على متابعة هذه القضايا في بغداد (الإرهاب، الاختطاف، القتل، الاغتيال، الفدية ...الخ) وبسبب تراكم هذه القضايا في محكمة التمييز دون "حل" وبسبب قانون حل نزاعات الملكية المجحف بحق الضحايا. لماذا؟ لا تقولوا لنا أن هناك مَن استعاد ممتلكاته/ممتلكاتها. نعم عدد محدود إضافة إلى السياسيين والسياسيات من العاملين في صفوف الأحزاب المتنفذة ومن أعضاء مجلس النواب استطاعوا استعادة ممتلكاتهم على هذا الأساس، ولكن الغالبية العظمى من أصحاب هذه الممتلكات لا زالوا ينتظرون "رحمة الله". لماذا؟

8-      إعادة الممتلكات المنقولة: ليس هناك أي قانون صادر عن مجلس النواب العراقي وليست هناك جهة رسمية لطرح قضايا الممتلكات المنقولة – مثل محتويات المساكن والودائع المصرفية وغيرها – المصادرة من الكرد الفيلية أمامها. هذا الموضوع مهمل وفي طي النسيان من قبل الجهات الرسمية. لماذا؟

9-      التعويضات عن حق استعمال الممتلكات المنقولة وغير المنقولة والفائدة على الودائع المصرفية. وهذا الموضوع مهمل لحد ألآن وفي طي النسيان من قبل الجهات الرسمية. لماذا؟

10-  إعادة المفصولين إلى وظائفهم. كم من المفصولين من الكرد الفيلية قد تمت إعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم عما خسروه من السنين وحساب سنوات الفصل كخدمة؟ وكم من الذين بلغوا سن التقاعد قد كسبوا حق الحصول على راتب تقاعدي من الدولة؟

11-  السجناء السياسيين: صدر مؤخرا قرار باعتبار السجناء السياسيين من الكرد الفيلية "محجوزين" سياسيين بهدف حرمانهم من المساعدات التي تمنح للسجناء السياسيين. وكان هذا إجحاف جديد يمارس ضدهم. ولم يتم رفعه إلا بعد تدخل دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد نشر السيد سليم سوزه مقالا بعنوان "يا لها من طامة...". لماذا يتطلب مثل هذا الأمر الواضح تدخل دولة رئيس الوزراء؟ لماذا لم يتم إنصاف الكرد الفيلية من البداية في هذا الأمر؟ وهل تتطلب كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالكرد الفيلية تدخل دولة رئيس الوزراء، كما حصل لأكثر من مرة لحد ألآن، مع تقديرنا واحترامنا لذلك؟ لماذا لا تصدر قرارات سياسية على أعلى مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية لوضع حلول جذرية لقضايا الكرد الفيلية بإصدار مجلس النواب قانونا بهذا الشأن يصادق عليه مجلس الرئاسة ويقوم مجلس الوزراء بوضع آليات محددة لتنفيذ هذه القرارات دون اضطرار دولة رئيس الوزراء للتدخل وانشغاله بها؟ لماذا؟

12-  عوائل الشهداء: كم من عوائل شهداء الكرد الفيلية حصلت على المساعدات التي تقدمها الدولة إلى عوائل بقية الشهداء العراقيين؟

13-  عودة الراغبين من المبعدين قسرا. كم عدد الذين قامت الدولة بتقديم التسهيلات لهم لكي يعودوا إلى وطنهم العراق؟

14-  المبعدين قسرا من المقيمين لحد الآن في مخيمات جهرم وأزنا وغيرها في إيران. ماذا عملت الدولة من أجل هؤلاء ولبقية المبعدين إلى إيران؟ وما هي المساعدات المالية والرعاية الاجتماعية والعناية الصحية وخدمات التعليم التي قدمتها لهم؟

15-  إهمال المناطق الكردية الفيلية وعدم الاهتمام بها وعدم تسهيل عودة المهجرين منها قسرا زمن النظام السابق والمهاجرين بسبب الإرهاب، مثل تلك التي وقعت وتقع في محافظة ديالى وفي المدائن (سلمان باك) وغيرها. لماذا؟

16-  عدم تسهيل عودة الكرد الفيلية إلى مناطقهم الأصلية من الذين أجبرهم الإرهاب وفقدان الأمن والابتزاز وتدمير البيوت السكنى إلى الهجرة داخل العراق والى خارجة. وإهمال المهجرين إلى إيران مع إنهم أقدم المهجرين و تم تشكيل وزارة من اجلهم وهم الآن منسيون وكل التصريحات الرسمية الحالية والمساعدات تخص المهاجرين نتيجة الإرهاب بعد سقوط النظام واضطرارهم للانتقال إلى سوريا ومصر والأردن ولبنان. لماذا؟

يكشف هذا الواقع الذي يعيشه الكرد الفيلية من جديد عدم حصول تغيير أساسي في تعامل دولة العراق الجديدة وأجهزتها ودوائرها داخل العراق وخارجه مع الكرد الفيلية وتستخدم نفس الصيغ والتعبيرات والكلمات الشوفينية السابقة مع الكرد الفيلية (مثل تبعية، إيراني ...الخ) رغم التصريحات الايجابية ورغم الوعود التي أعطاها قادة وساسة العراق للكرد الفيلية وللوفود التي زارتهم والتي كان من بين آخرها زيارة وفد المثقفين العراقيين لاربيل وبغداد والنجف الاشرف. وتؤكد هذه الأخبار أيضا للكرد الفيلية عدم جدوى القناعة بالكلام المجرد والتعويل على التصريحات والوعود فقط إذا لم يرافقها فعل وممارسة في الواقع العملي بمستوى هذا الكلام وهذه التصريحات. وتكشف هذه الوقائع أيضا خطأ البعض من الكرد الفيلية القائلين في مجالسهم الخاصة أن "الكثير قد تحقق للكرد الفيلية" لأن الواقع العملي يخالف ما يذهبون إليه، إذ لم يتحقق لشريحة الكرد الفيلية ما يوازي الكلام الجميل الصادر عن المسئولين ولا تتناسب الوعود القوية التي أعطوها في مواسم الانتخابات وفي المناسبات الأخرى مع الواقع الصعب الذي تعيشه شريحتنا الكردية الفيلية العراقية في العراق وإيران والمهجر. فهل تستوي أقوال وأفعال المسؤولين والقوى السياسية في هذا الشأن؟ كلا.

نؤكد هنا مرة أخرى إن قضية الكرد الفيلية في العراق هي قضية سياسية ترتبت على قرارات سياسية اتخذت على أعلى مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية زمن النظام السابق (مجلس قيادة الثورة المنحل وبتوقيع رئيس المجلس ورئيس الجمهورية آنذاك) ولا يمكن حلها إلا بقرارات سياسية على أعلى مستويات السلطة التشريعية والتنفيذية في العراق الجديد، وهي مجلس النواب ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء. وبدون هذا الحل السياسي ستبقى قضية الكرد الفيلية تراوح في مكانها وستبقى قضاياهم معلقة وستستمر معاناتهم. أما الإجراءات الإدارية الجزئية لوحدها والخطوات المبعثرة فليست سوى إجراءات ترقيعية لما لا يمكن ترقيعه، وليست سوى محاولات تجميلية لوضع مزري طال أمده لعدة عقود من السنين.

 

ونكرر هنا من جديد أن الكرد الفيلية كشريحة لن يستطيعوا أن يحققوا مكاسب حقيقية ملموسة ولن يحقق لهم أحد مثل هذه المكاسب ما لم برصوا صفوفهم ويوحدوا كلمتهم ويعملوا سوية، وما لم يدخلوا العملية السياسية على المستوى الوطني ومستوى المحافظات كمجموعة متماسكة بصيغ مناسبة يتم تبنيها بالتوافق.

الاتحاد الديمقراطي الكوردي ألفيلي

10/10/2009

info@faylee.org  www.faylee.org