إستذكار جرائم الانفال في ذكراها العشرين
 
تمثل الأنفال واحدة من أبشع الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية إن لم تكن أبشعها على الاطلاق فهي عملية منظمة إستهدفت إناسا عزلا في مناطق سكنية وأبشع ما في هذه الجريمة إنها أرتكبت من قبل النظام الحاكم بحق مواطنيه المدنيين وعلى مراحل وبصيغ مدروسة تعبر عن حقد أصيل ضد مكون قومي من مكونات الشعب العراقي، فقد بدأت الحملة العدوانية ضد الشعب الكردي منذ السبعينيات أي مع بداية وصول الطغمة الشوفينية الى سدة الحكم وتمثلت تلك المرحلة بإستهداف حاقد لأحدى شرائح الشعب الكردي وهم الكرد الفيليون عبر سياسات المضايقة ونزع الجنسية العراقية عنهم بموجب القرار (666) الصادر بتاريخ 7/5/1980 بحجج واهية ومن ثم تهجيرهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم وإبعادهم الى منطقة الحدود الدولية الفاصلة بين العراق وإيران .

ليعيشوا منذ ذلك الوقت حالة مأساوية من التهجير والاهمال بعيدا عن وطنهم الذي شاركوا لعقود في بنائه وتنميته  بعد أن تشتت شمل العوائل وأختفى الكثير من شبان ورجال الكرد الفيليين بين المعتقلات أو ساحات الاعدام وجبهات الحرب العراقية الايرانية،  وما زالت هذه الشريحة من الشعب الكردي في العراق تعاني حتى اليوم من توابع تلك الاجراءات التعسفية من خلال تباطؤ الاجهزة الرسمية في العراق برد حقوقهم وتمكينهم من أموالهم وبالأخص معاناتهم في إستعادة جنسيتهم العراقية التي سلبت منهم في زمن نظام الطغيان.

ومع تزايد غطرسة النظام الصدامي وانكشاف قسوته إزدادت وتيرة إستهدافه للشعب الكردي ليرتكب جريمة بشعة أخرى حين إستهدف البارزانيين ليقتل 8000 شخص منهم في بداية الثمانينيات عبر إلحاق أكبر قدر من الأذى بالمدنيين العزل في محاولة بائسة منه لكسر شوكة الشعب الكردي المطالب بحقوقه القومية والوطنية.

ويبدو إن كل هذه الجرائم لم ترو غليل النظام المتعطش  لقتل مواطنيه فاعتبرها تمهيدا لجريمته الكبرى التي أطلق عليها إسم الانفال في محاولة لتدنيس لفظ قرآني شريف عبر ربطه بجريمة بشعة يترفع عن إرتكابها أشد الناس غيا وغلوا وتطرفا، وقد مهد صدام لهذه الجريمة عبر تكليف ابن عمه علي حسن المجيد بقيادة تنظيمات الشمال لحزب البعث المنحل في 29 آذار 1987 وهذا كان يعني تخويله صلاحيات مطلقة في إرتكاب الجريمة التي عرف على أثرها بـ(علي كيمياوي) الذي هجر السكان وأعدم الكثير منهم جماعيا كما دمر البني التحتية وقاد عملية ممنهجة للتدمير والقتل توزعت على ثمان مراحل شملت مناطق واسعة من كردستان العراق، وقد أدت هذه العمليات الى مقتل 182 ألف مواطن كردي وتهديم 4500 قرية وتدمير الاراضي الزراعية وإتلاف لمصادر المياه مما جعل تلك المناطق غير صالحة للعيش وإستمر النظام البعثي في إحتجاز الأسر الكردية في مناطق تحت السيطرة العسكرية.

لقد إستمرت عمليات الانفال على مدى عدة أشهر كان النظام قد تفرغ خلالها لقتل مواطنيه بعد توقف حربه مع إيران ليستخدم كامل قوته العسكرية في مطاردة أبناء الشعب العراقي من الكرد وليوجه إليهم آلته العسكرية الجبارة بقسوة وجنون لا مبرر لهما في إستهداف شعب كامل يعيش على أرضه، ليقوم بتتويج البشاعة بعملية إجرامية نادرة الحدوث هي ضرب القرى والمدن الآهلة بأسلحة كيمياوية تهلك الحرث والنسل وهي الاسلحة المحرم إستخدامها دوليا حتى في ميادين القتال الفعلي بين الجيوش المنظمة لينتج ذلك النظام كارثة حلبجه التي ما زالت ماثلة آثارها للعيان في المواطنين المصابين.


لقد دخل نظام صدام وبجدارة منقطعة النظير الى زمرة الانظمة التي إرتكبت جرائم إبادة عرقية (جينوسايد)، والاغرب إنه أرتكبها ضد شعبه ليترك بصمته الكريهة واضحة على آلاف القرى وعشرات المدن كما تركها على أجساد ضحاياه ممن تعرضوا للتشويه والمرض أو فقدان الاهل والاحبة والتشرد.

إن تعريف المنظمات الدولية، ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش، لجريمة الإبادة الجماعية تنطبق على ما أرتكبه نظام صدام ضد الشعب الكردي في العراق، وبالتالي تنطبق كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا النوع من الجرائم من تعقب وتسليم للمشاركين في إرتكاب هذه الجرائم وتعقب الجهات الممولة والداعمة لهم ومحاكمتهم وتعويض الضحايا عما أصابهم من ضرر، وقد شاءت الارادة الالهية أن يساق مجرمو الأنفال الى أقفاص الاتهام ليحاكموا علنا وتصدر بحقهم أحكام الادانة في ظروف لم يوفروها هم لضحاياهم، وبهذه المناسبة ان كتلة التحالف الكردستاني تطالب بتنفيذ عقوبة الاعدام بالمدانين في عمليات الانفال وعلى رأسهم علي حسن المجيد، كما شرعت دول عدة في التحقيق مع شركات وأشخاص من مواطنيها ساهموا في تزويد النظام السابق بأسلحة ومواد كيمياوية محظورة دوليا ومعاقبتهم وتغريمهم كما شرعت هذه الدول في إقامة الفعاليات التعريفية بجريمة الانفال وقد بذلت حكومة إقليم كردستان جهودا حثيثة في التعريف بهذه الجريمة وتشجيع حكومات الدول والمنظمات الدولية والانسانية على الاهتمام بمتابعة قضية الانفال وتعقب الجناة والمشاركين بها، كما إن حكومة إقليم كردستان تقوم بأعباء معالجة الاضرار التي لحقت بالافراد والأسر والمناطق السكنية والزراعية فضلا عن معالجة الاضرار البيئية التي لحقت بالمنطقة جراء إستخدام الأسلحة الكيمياوية.

وإذا كنا اليوم نستذكر بإلم هذه الجرائم البشعة فمن واجبنا السعي لمنع تكرارها في المستقبل ضد أي فئة أو مكون عراقي كما إن الواجب الانساني والوطني والاخلاقي يحتم الاهتمام بضحايا هذه الجرائم المركبة التي قام بها النظام البائد عبر تعقب الجناة وتسليمهم للقضاء العادل ليقول كلمته فيهم وهذا الواجب يحتم أيضا على الهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية القيام بالعناية بضحايا جرائم الانفال وتوفير الرعاية الصحية والدعم المالي والمعنوي وإعادة تأهيلهم بما يسمح لهم بممارسة حياتهم الطبيعية ومعالجة الاضرار التي أصابت المناطق التي إستهدفتها جرائم الانفال وتسهيل الاجراءات الحكومية لتصويب أوضاع الضحايا من الناحية القانونية ووضع التشريعات اللازمة لمساعدتهم.
 
                                  
كتلة التحالف الكردستاني                         2008/4/14الاتحاد، 15/4/2008