الكورد الفيلية : خطأ الانتماء ..!!
14/03/2008
هادي فريد التكريتي
الكورد الفيلية ،من أقدم القوميات والشرائح الاجتماعية ،التي عاشت على أرض الرافدين ، والملتصقة بجغرافيته ،منذ أقدم الأزمنة والعصور، وعلى اختلاف الدول والأنظمة التي
تعاقبت على حكم العراق ، ساهم الكورد الفيلية ، مع كل الأقوام التي استوطنته ، في بناء الحضارات التي قامت على شاطئيه ..وبعد الحرب العالمية الأولى ،شاركوا، في بناء
الدولة العراقية الجديدة ، وناضلوا كبقية شرائح المجتمع الوطنية ، ضد الاحتلال البريطاني ، وضد سياسة الاضطهاد والتفرقة العنصرية والطائفية ، التي مارسها الحكم الملكي ،
والتي طالت الكثير من شرائح المجتمع العراقي ، والكورد الفيلية ، نالهم اضطهاد مضاعف ، الأول : كونهم مواطنين عراقيين ،ينتمون لتيارات سياسية ووطنية مختلفة ، معارضة
لسياسة الدولة ونهجها غير الوطني ، والثاني : كونهم كوردا من حيث انتمائهم القومي ، وشيعة من حيث انتمائهم الطائفي ، واحد فقط من هذه الأسباب كان كافيا للاضطهاد ، فكيف
إذا اجتمعت كل المحرمات ..؟ هذه الأسباب ، والنقص في حقوق المواطنة ، الذي أقره قانون الجنسية العراقية ، عمق من الوعي الوطني لدى الكورد الفيلية، وجعلهم ينخرطون في
العمل السياسي الوطني ، ضد الحكومات العراقية المتعاقبة ، بكثافة ، أكثر من أية فئة عراقية أخرى، منذ بدايات تشكيل الحركة الوطنية والديموقراطية ، فنضال الكورد الفيلية
الدؤوب ، من أجل إلغاء هذا القانون العنصري والطائفي ،ومن أجل مساواتهم في الحقوق والواجبات مع سائر المواطنين ،جر عليهم سخط وكراهية الحكم الملكي ، وأنظمة الحكم
القومية المتعاقبة ، بعد ثورة 14 تموز الوطنية .
نالت هذه الشريحة الوطنية ، تعاطف ودعم القوى الشعبية الوطنية والديموقراطية ، وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، منذ أن بدأ تهجيرهم بالجملة ، إلى إيران ، تحت ذريعة "
التبعية الإيرانية " وكأن الحكومات القومية والفاشية ، المتعاقبة على حكم العراق ، كانت تتباهى وتمجد " التبعية العثمانية " وكلا الدولتين ، قديما وحديثاً ، لا تضمران سوى الحقد
والكراهية للشعب العراقي، وهذا سبب آخر يضاف على أسباب الحقد والكراهية التي عانى منها الكورد الفيلية، طيلة عقود طويلة ، وما يعانونه اليوم ليس استثناء ..
الحكومات العراقية القومية ، وعلى مدار سني حكمهم ، هجرت آلاف العائلات العراقية ، من الكورد الفيلية ، وذروة التهجير، وأوسعها عشية الحرب العراقية الإيرانية ، وأثناءها ،
نفذها بكل وحشية وقذارة ،المقبور صدام حسين ، رئيس نظام البعث الفاشي ، بعد أن سلب المهجرين وثائقهم ومستمسكاتهم التي تثبت عراقيتهم ، مع مصادرة أملاكهم وأرصدتهم
في البنوك ، كما نفذ أقذر جريمة مفجعة في التاريخ العراقي الحديث ،حين احتجز شبيبتهم وغيبهم في سجونه ومقابره الجماعية ، ولم تكن هناك أية تهمة جنائية تسوغ لارتكاب مثل
هذه الجريمة ، كما لم يكن هناك سبب قانوني واضح يستدعي التهجير..
كل القوى السياسية ،وبكل انتماءاتها ، الوطنية والديموقراطية والقومية والدينية /الطائفية ، وعلى اختلاف المبادئ والأهداف التي تحكمها ،وتناضل من أجلها، أدانت جريمة تهجير
الكورد الفيلية ، عندما كانت في الخارج ، تناضل ضد النظام البعثي/ الفاشي في العراق ، وطالبت بمحاكمة النظام وقادته على جريمته هذه ، حدث هذا ، قبل أن يستخدم النظام
الغازات السامة ، في حلبجة ، ضد الشعب الكوردي ، وقبل أن يحكم بالإعدام ، على البعض من أعضاء حزب الدعوة، في قضية الدجيل ، وكذلك قبل اندلاع انتفاضة آذار 1991
، وهذا يعني أن من أولويات كل القوى، الدينية من الطائفة الشيعية ، والقومية من الكورد ، التي جاءت إلى السلطة مع القوات الأمريكية ، في العام 2003 ،والتي لازالت تحكم
العراق ، باسم الدستور الدائم ، والمجلس النيابي المنتخب ، أن تعيد الحق لأهله ، ولكل العراقيين المتضررين من الحكم الفاشي ، بغض النظر، عن الدين والمذهب والقومية
والعنصر والطائفة ، إلا إننا نرى ومن خلال الـ " مذكرة إلى السلطات العراقية الموقرة في بغداد / العراق " والمرفوعة من قبل " الاتحاد الديموقراطي الكوردي الفيلي في
8/3/2008" و كما يقول عنوانها " أرسلت إلى المحترمين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب " أن القوى التي تحكم العراق حاليا،لا تمثل أي طيف وطني
أو قومي أو ديني ، من أطياف الشعب العراقي ،وإنما فقط ، تمثل شخوص من هم السلطة ، فليس هناك شريحة عراقية ، تتمثل فيها الوطنية والقومية والطائفية ، مثل الكورد
الفيلية ، والكثير من أبناء الشعب العراقي ، كان يعتقد ، أن أول من ستُرَد إليهم حقوقهم ، هم الكورد الفيلية ، لأنهم كما يقول المثل الشعبي " هم شيعة وهم كورد " وكل رجال الحكم
، في مناسبة وغير مناسبة ، يتباكى ويستدر الدموع ، على المقابر الجماعية ، ونصف هذه المقابر هي لشبيبة الكورد الفيلية ولرجالهم ، فاين مصداقية رجال الحكم في دعواهم ..؟
عندما يتعلق الأمر بحقوق ومكاسب وامتيازات لهم ، في أي مؤسسة من مؤسسات الحكم ، يجتمعون ، ويقررون في الحال ، تشريع القانون المطلوب ، وهم يعلمون أن أكثر هذه
الحقوق لا حق لهم فيها ، أما ما يتعلق بحقوق الشعب العراقي ، وخصوصا الكورد الفيلية ، فالأمر يحتاج إلى دراسات ، ووجهات نظر..
الغريب أن " الاتحاد الديموقراطي الكوردي الفيلي " يطالب بالغاء القرار 666 لسنة 1980، إضافة لمطالب كثيرة ، في حين أن هذا القرار يشمل الكثير من غير العراقيين الذين
يجلسون حاليا ، في المجلس النيابي وفي الحكومة ، كما يشمل الآلاف الذين يتشكل منهم جيش " قوات بدر " وقادته ، فكيف دخلوا وتربعوا على السلطة ، إن كانت القوانين التي
تحكم الكورد الفيلية ، هي نفسها تحكم القوى الأخرى ..؟ أليس غريبا وبعد خمسة أعوام ، لايزال العراقيون المهجرون بالقوة ، يعيشون في مخيمات طائفية بشعة ، تمارس بحقهم
أبشع الممارسات اللاإنسانية ، وتحت علم وسمع حكومة تتكلم باسمهم ، أليس من الجريمة أن تصادر ممتلكات مواطنين ،مورست بحقهم أبشع الجرائم الفاشية ، ليسكنها حاليا قيادات
ممن يدعون ويطالبون بـ " مظلومية الشيعة ، والكورد " ..في البيان تفاصيل، مذهلة لمن يريد الاستزادة ومعرفة حقيقة " المظلومين " فإن كان هناك حقيقة لمظلومين ، فهم الكورد
الفيلية ( الأكراد الشيعة ) ، والظلم المسلط عليهم ، إبان الحكم القومي والفاشي ، والمنَفًذ عليهم حالياً ، هو نتيجة لانخراطهم في خيارات سياسية ووطنية وديموقراطية ، يعاديها
الحكم والأمريكان حاليا، وبالتجربة ، ليس هناك أكثر من حقد طائفي وعنصري ، عندما يتم التواطئ مع الأجنبي والمحتل ، على القوى الوطنية الديموقراطية والشيوعية، فهل
أخطأ الكورد الفيلية في انتمائهم الوطني ..؟!!
هادي فريد التكريتي
عضو اتحاد الكتاب العراقيين
المصدر موقع الاخبار