ماذا يريد الكرد الفيليون؟

عبد الستار نورعلي

 

 

 

قضية الكرد الفيليين في العراق وحقوقهم ومطالبهم ليست بجديدة أو مجهولة عند المراقب والمتابع والباحث في شؤون العراق وفي المظالم التي لحقت بمختلف أطياف شعبه، ولا حتى على ابسط انسان مهتم، فكيف بالقوى والاحزاب السياسية الحاكمة والفاعلة العاملة على الساحة العراقية، المفترض المامها بكل القضايا التي خلقها النظام الدكتاتوري السابق والتي تركها إرثاً ثقيلاً خلفه ينوء بحمله كل من سيحكم بعده.

لقد أصبحت مظلومية الكرد الفيليين من باب القضايا المعروفة والمسلم بها على الساحة السياسية، وخاصة بعد أن اشبعت طرحاً من خلال الكتابة والاشارة والمناقشة حتى في مجلس النواب العراقي الحالي.

ويمكننا بكل بساطة ان نلخص مطالبهم  وحقوقهم التي يناضلون ويعملون من أجلها:

1-  الاعتراف بهم مواطنين عراقيين من الدرجة الأولى. لهم كامل حقوق المواطنة الأولى من تبوء مناصب على أعلى مستوى في دوائر الدولة وبضمنها الوزارات، وكذلك أن يُقبل الراغبون من أبنائهم ضباطاً في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والاستخبارية. ولا يكفي تسنم عدد ضئيل منهم الآن منصب وكيل وزارة أو مدير عام أو عضو مجلس نواب أو ضابط، وانما تشريع ذلك دستورياً وقانونياً لتثبيت هذه الحقوق، حتى لا يأتي يوم في المستقبل تعود معاملتهم الى سابق عهدها الظالم المجحف اذا تسنمت المسؤولية في الدولة قوة قومية أو مذهبية لها ذلك الموقف السياسي المعادي العنصري المذهبي تجاههم .

2-  اعادة أموال وممتلكات المهجرين والمهاجرين المصادرة والمسلوبة منهم قسراً وبوحشية قل نظيرها في العالم أيام حملة التهجير الكبيرة في سنوات الثمانينات من القرن العشرين خلال الحرب العراقية الايرانية.

3-  اعادة وثائقهم العراقية المصادرة اثناء تلك الحملة من شهادة الجنسية ودفتر الاحوال المدنية ودفتر الخدمة العسكرية وغيرها.

4-  احتساب الآلاف من شبابهم الذين تم احتجازهم وابادتهم أثناء الحملة شهداء لهم  حقوقهم مثل غيرهم من شهداء العراق الذين ذهبوا ضحية النظام السابق، والقيام بتعويض عوائلهم ، والكشف عن رفاتهم ومقابرهم  الجماعية التي لم تظهر حتى اليوم.

5-     اعادة المهجرين والمهاجرين الذين يقيم الآلاف منهم في اسوأ وأقسى ظروف بمخيمات ايرانية حتى اليوم.

6-     الغاء شهادة الجنسية العراقية التي ينفرد العراق بها دون بقية دول العالم .

7-  اعتذار من الحكومة العراقية عما لحقهم من جور واضطهاد وسلب للحقوق والأموال والممتلكات وقتل للألاف من خيرة شبابهم الذي تم حجزهم وابادتهم داخل السجون دون أي ذنب اقترفوه الا أنهم من الكرد الفيليين.

8-  تمثيلهم في مجلس النواب على أساس كونهم طيفاً عراقياً أصيلاً له وضعه الخاص المميز وقضيته المتفردة، ولتعرضه لظلم واضطهاد مزدوج، كونهم كرداً من جانب وشيعة من جانب ثانٍ، اضافة الى اسباب سياسية تعود الى ابتعادهم عن النظام السابق ومعارضتهم له وعدم تعاونهم معه.

 

هذه ابرز الحقوق والمطالب التي تكافح الشريحة الكردية الفيلية من أجل الالتفات اليها وتلبيتها حقاً مشروعاً لعراقيين تعرضوا لظلم واضطهاد وطمس للحقوق خلال عقود طويلة. ومن أجلها شكلوا الجمعيات والاتحادات والمنظمات والاحزاب والصحف والمواقع الانترنيتية، ولا يزالون يطالبون بها بكل ما أوتوا من حماس وأصوات وقوة وجهد دون كلل أو توقف أو تباطؤ ، ومن قسوة ماعانوه، ولا يزالون يعانون من نفس الأسباب التي كانت وراء الحملة الظالمة في تهجيرهم وسلب حقوقهم المعنوية والمادية ونفس القوانين السابقة لسلطة انهارت ويُفترض بناء دولة جديدة على أساس ديمقراطي دستوري مدني قانوني انساني مثلما يعلن الحاكمون الجدد.

أما ما يطرح على الساحة السياسية العراقية من كلام هنا وكلام هناك، واشارة من هذا السياسي أو ذاك، أو من هذه الفضائية أوتلك، فإنها لم تسمن ولم تغنِ من جوع حتى اللحظة، ولا تكفي سبيلاً لإعادة حق مغتصب ومال مسلوب.

كما إن النعكز على دخول أكثر من نائب كردي فيلي الى مجلس النواب العراقي فهو من باب ذر الرماد في العيون. نحن نعلم جيداً أنهم لا يمثلون الكرد الفيليين كطيف عراقي له خصوصيته، وإنما دخلوا المجلس ضمن قائمتي التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد، البعض على اساس قومي والآخر مذهبي. وبذا فهم يمثلون قائمتيهما على هذين الأساسين لا على أساس الكردية الفيلية. وعليه فانهم ينفذون برامج وأهداف وطروحات قائمتيهم لا شريحتهم. وحالة السيدة سامية عزيز محمد في تصديها للدفاع عن قصية الكرد الفيليين وطرح ومتابعة قضيتهم في البرلمان وخارجه، والجهد الذي تبذله في دوائر الدولة من أجل شريحتها الفيلية فإنه نشاط وجهد فردي انطلاقاً من قناعتها الشخصية وايمانها بحقوق شريحتها، وكذلك انطلاقاً من معاناتها الشخصية والعائلية من الظلم والتهجير والهجرة والمصادرة للممتلكات والأموال وتقديم شقيقها وابن شقيقتها شهداء في مسيرة العراق.   

وعلينا أن نشير هنا أيضاً شاكرين الى تعاطف وتأييد بعض النواب من القوائم المختلفة حتى من خارج القائمتين المذكورتين قضية الكرد الفيليين واعلانهم الوقوف معهم لنيل حقوقهم. وهذا لايعني ان القائمتين كقوتين تقفان بالضد من حقوق الكرد الفيليين. لكنهما كممثلين لطيفين كبيرين اساسيين من الشعب العراقي تكون والحالة هذه لكل منهما استراتيجيته الخاصة وأهدافه ومصالحه المتعلقة بطيفه القومي عند الكرد والمذهبي عند الشيعة. اما قضية الكرد الفيليين فهي ليست في وارد أن يطرحاها على مجلس النواب ويعملا على حلها دستورياً وقانونياً، وكما نرى لأن ذلك في نظرهما تشتيت لجهودهما الذاتية وانشغال بأمر يخص الشريحة الفيلية نفسها وعليها هي أن تعمل من اجل استحصالها بالوسائل التي تراها مناسبة وممكنة. فالقائمتان ليستا على استعداد أن تنشغلا وتخوضا في قضية ترياها ثانوية بينما هناك قضايا أهم وأخطر تواجهانها في عملية التغيير الجارية في العراق.

فأصحاب القضية هم أولى بها وأحرص على متابعتها والكفاح من أجلها. أما الآخرون فيمكن أن يكونوا مؤيدين ومساندين ومتضامنين وداعمين. بمعنى (لايحك جلدك مثل ظفرك) وهذا ما قاله صراحة الرئيس جلال الطالباني للوفد الفيلي الذي قابله قبل فترة. حيث دعاهم الى توحيد صفوفهم وجهودهم للدفاع عن حقوقهم.

 

إن المهمة طويلة وشاقة ومليئة بالأشواك والموانع والعقبات. والكرد الفيليون لا يريدون من القوى الأخرى إلا المساندة والدعم والعمل على استردادهم لحقوقهم المسلوبة. وهم يفسرون مواقف البعض اللامبالية والمتغافلة والمتجاهلة والمستهينة، بل حتى الواضعة للعراقيل على أنها لا تختلف في أسسها ومنطلقاتها ودوافعها عن مواقف النظام الجائر السابق العنصرية والمذهبية والسياسية تجاههم. اضافة الى أن سبب موقف البعض منهم يعود في نظرهم أيضاً الى تصويتهم في الانتخابات الأخيرة وتفسير البعض من الجانب الكردي أو الجانب الشيعي لذلك وكأنه معاداة وانكار لقومية أو مذهب والوقوف على الجبهة الثانية، دون العمل على الاستقراء والبحث في الأسباب الكامنة وراءه. وكذلك يجب أن لا ننسى بأن الشريحة الفيلية حالها كحال غيرها من شرائح الشعب العراقي، ومن أية شريحة انسانية في بقاع الأرض كلها، ليست مواقف أبنائها السياسية موحدة في اتجاه واحد دون غيره، بل لكل انسان موقفه ورأيه وقناعاته الخاصة على اساس قوة التوجه في المشاعر القومية على حساب المذهبية أو السياسية وبالعكس ، وعليه بكون توجه صوته الانتخابي، هذا إذا وضعنا جانباً العوامل الأخرى من جغرافية مناطقية، أو تأثير شخصي أو بدافع خوف أو تهديد، مثلما حدث عند غيرهم  أيضاً في انتخابات عام 2005.

وأعان الله الكرد الفيليين وهم واقعون بين حانة ومانة !!

 

 

السبت 26 يناير 2008