الاعلام الكوردي بين الواقع والطموح

 

اصبح الإعلام سلاحا من اخطر الأسلحة وتفوق قدرتها قدرات اعتى الجيوش فمهما كانت القوة العسكرية عظيمة ومهما كانت الحجة دامغة ومهما كان الحق واضحا فان كل ذلك سيتلاشى بدون إعلام قوي , لذا خصصت الدول المتقدمة ميزانيات ضخمة للإعلام و أصبحت الأجهزة الإعلامية في كبريات الدول توجه الرأي العام الوجهة التي تريد واصبح باستطاعة هذه الأجهزة الإعلامية ان تسقط الحكومات وتكشف الفضائح التي تسببت بهدم  بعض العروش .

 والتفت الغرب إلى أهمية الإعلام منذ عقود طويلة وشرعت القوانين التي من شانها المحافظة على حرية واستقلالية الإعلام , أما في مناطقنا وبلداننا كان الإعلام ولا يزال ليس لها عمل سوى تمجيد الطغاة والتغني بمآثرهم ومواهبهم وبطولاتهم ولهذا كان ولا يزال إعلاما متخلفا مستوردا وناقلا للحدث لا صانعا له .

 ولكن و في أوائل التسعينات من القرن الماضي ونتيجة للثورة المعلوماتية وظهور الإعلام الفضائي تحسن الحال بعض الشيء وظهرت قنوات فضائية استطاعت التحرر من قيود الإعلام الرسمي المتخلف و أصبحت لهذه القنوات هامش من الحرية وبدأت بطرح ومناقشة قضايا كانت من الممنوعات سابقا وبرز بعض الوجوه الإعلامية التي استطاعت ان تستقطب قطاعات واسعة من الجمهور العربي الذي انبهر بهذه الطفرة النوعية والتي لم يكن متعودا عليها , وبرزت كذلك محطات تلفزيونية عديدة مثل  الجزيرة و أبو ظبي والعالم والعربية.

كمراقب ومتابع للاعلام الكوردي بعد سقوط النظام السابق وليومنا هذا وجدت ان هناك بونا شاسعا بينا وبين الآخرين دون ان يكون السبب قلة في الامكانيات او الكفاءات او بسبب الاوضاع الامنية لانه وبكل بساطة نحن نتفوق على غيرنا في كل ذلك فهناك امكانيات اقتصادية كبيرة وقابلة للنمو , اما من حيث الكفاءات فهناك جيش من الاعلاميين من  ذوي التخصصات العالية ومن ارقى الجامعات العالمية مضافة اليها خبرات طويلة في اكبر الوسائل الاعلامية في العالم ,اما الاوضاع الامنية فمنطقتنا ولله الحمد من اكثر مناطق العراق امنا ومنذ عقدين من الزمن .

 اذا ما الذي جعلنا متأخرين عنهم بحيث اصبحنا غير قادرين على ايصال عدالة قضيتنا او المظلومية التي لحقت بنا او حتى ايصال آمالنا الى من حولنا سواء في الداخل العراقي او الى المحيط الاقليمي؟؟؟.

 

ولاجابة على هذا السؤال ساتناول جانبا اعلاميا واحدا لأن الاحاطة بجميع الجوانب قد يطول شرحه , وسيكون التلفزيون الكوردي مثالا , وعلى ذلك فقس ما سواه كما يقال .

 

ان المتابع لما يعرض في التلفزيون الكوردي وبقناتيه ( كورد سات ) التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني وقناة ( كوردستان تي في ) التابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني سيصاب بخيبة امل كبيرة لما يقدم من برامج فمستوى البرامج ومع كامل تقديرنا لجهود القائمين عليها تفتقد الى ابسط مقومات البرنامج التلفزيوني من البناء المتماسك الى الوضوح في الغاية والهدف الى البناء الفني والتقني , فالبرامج مرتبة بعشوائية لا يحسدهم عليها احد ممن يعمل في المجال التلفزيوني وهي في الاعم الاغلب موجهة الى جمهور الحزبين ويتغنى كل قناة بالطلعة البهية والالمعية المتقدة في عقل القائد والملهم بطريقة يحسدهم عليها هذه المرة انصار النظام السابق ناسين او متعمدين أن ينسوا ان ما كنا نلوم عليه ذلك  النظام نفعله نحن وبتفوق احيانا , ثم ما هذا الخليط الغير متجانس من البرامج واللغات  في قناة واحدة فبرامج الاطفال لا علاقة لها في الغالب بالاطفال وهي مملة وسمجة وسطحية خالية من اية معلومة تساهم في بناء عقلية الطفل في هذه المرحلة المهمة في حياته , والبرامج الحوارية يقف مقدم البرنامج امام الضيف وهو في الغالب من الرفاق الكبار اما في الحزب او السلطة كالتلميذ النجيب امام استاذه مؤيدا وموافقا على آرائه حتى وان كانت ساذجة .

 والبرامج الاخبارية حدث ولا حرج لغات ولهجات  متعددة في النشرة الاخبارية الواحدة بحيث المتابع يفهم نصف الخبر حسب لغته او اللهجة التي يتكلم بها اما نصفه الآخر فيترك لعقله الخيال ليترجم الصور المرفقة بالخبر الى كلمات وجمل , اما برامج المنوعات فهو بحق الطامة الكبرى بحيث ضاع الفن الكوردي الاصيل والموسيقى الاصيلة وحل محلها شئ غريب وهجين يشبه الفن لكن ليس بفن وتشبه الموسيقى ولكن بنشاز مقرف وانزوى جيل العمالقة وبرز الاقزام وضاعت الموسيقى الاصيلة وحل محلها الرقص والعري الا ما ندر .

ووسط هذا الكم الهائل من التخبط غاب عن انظار قادة الاعلام الملهمين ان قضية الشعب الكوردي اكبر وانبل واسمى منهم ومما نراه على قنواتهم وان شرح قضيتنا الى الآخرين من حولنا من اطياف الشعب العراقي واخواننا العرب لا يمكن ان يتم ببرنامج باللغة العربية بين الحين و الآخر ولا بأذاعة بعض الأغاني الهابطة ولا ببعض الحوارات التي ليس لها من يتابعها لانه وبكل بساطة لا يوجد عربي واحد يجلس امام الشاشة لمتابعة قناة كوردية وينتظر متى يبدأ البرنامج العربي .

 

ولكي ننهض بمستوى ادائنا الاعلامي في كوردستان ارى بأن هناك بعض الامور التي لابد ان نعالجها منها .

 

اولا- رفع يد السلطة عن الاعلام بحيث يكون الاعلامي حرا قادرا على الابداع دون خوف من محاسبة هذا الطرف او ذاك .

 

ثانيا – فتح المجال امام القطاع الخاص بصورة حقيقية لا مبطنة كما هو الآن كي يتم خصخصة الاعلام ويفتح باب المنافسة على مصراعيها امام رجال الاعمال لاقامة مشاريع اعلامية في كوردستان او خارجها مع ايجاد تسهيلات اقتصادية تشجع رجال الاعمال لاقامة مشاريعهم الاعلامية المستقلة.

 

ثالثا- حث القطاع العام للمساهمة مع القطاع الخاص بانشاء قنواة فضائية متخصصة وبعدة لغات وعلى رأسها اللغة العربية واعطاء الفرصة للكفاءات الاعلامية الكوردية والكفاءات العربية المؤمنة بحقوق الشعب الكوردي للعمل فيها, كي نشرح عدالة قضينا للآخرين بدل من شرحها لانفسنا كما نفعل الآن كالذي يبيع الماء في حارة السقائين .

 اتمنى ان يلقى طلبي هذا آذانا صاغية عند أصحاب القرار في الشان الكردي وآمل ان نشاهد قريبا قناة فضائية كردية تتكلم بلسان عربي وان نؤجل الرقص والغناء إلى ما بعد الحرية وتحقيق أماني الشعب .

 

 

رابعا-  توفير الموارد الاقتصادية للاعلاميين الكورد الذين يعملون في بلدان المهجر للعودة الى الوطن والعمل على تنقية الاعلام من الشوائب والارتقاء بها الى مصاف الدول المحيطة بنا على اقل تقدير.

 

خامسا- محاربة الفساد المالي والاداري المستشري في جسد الاعلام الكوردي مع ان هذا الفساد ينخر في جسد المؤسسات الاخرى وربما بدرجات اكبر .

 

نتمنى ان يرتقي اعلامنا الكوردي الى مستوى التحديات الكبيرة ولن يحدث هذا دون ان نقوم نحن ابناء هدا الشعب برفع اصواتنا للاحتجاج على ما يحدث من عبث اعلامي قد يكلفنا اثمانا باهضة.

 

 

علي الاركوازي

 

Ali_Alarkawazi@hotmail.com