من حصاد عام 2007

من المعتاد أن يقوم بعض الكتاب، وأنا من هذا البعض، بعملية جرد في نهاية كل عام وهم يستقبلزن العام الجديد، يستعيدون أهم ما حصل خلال العام المنتهي، وهي مناسبة لجرد الأحداث حسب أهميتها من منظور الكاتب. ففي رأي كاتب هذه السطور أن عام 2007 بدأت فيه قيادات مكونات الشعب العراقي بالانتباه إلى أهمية تماسكها وصحوتها من الغفلة التي استغلها فلول البعث وحلفاؤهم الإرهابيون الوافدون من خارج الحدود، فانتبه القياديون وخاصة رؤساء العشائر العربية السنية، أن ليس لهم من خلاص من هذه الكارثة إلا بتماسكهم مع بعضهم البعض، والولاء لوطنهم وشعبهم، والوقوف صفاً واحداً بوجه الإرهاب لمحاربته وخلاص العراق من شروره، والعمل على إعادة بناء الوطن ليكون وطناً لهم جميعاً بدون أي تمييز. وهذا انتصار للعقل على الجهل والغفلة. لذا فقد شهد هذا العام بداية لهزيمة الإرهاب ليس في العراق وحده فحسب، بل وفي أفغانستان والعالم أجمع.

فعلى الصعيد العراقي، هناك مؤشرات واضحة على هزيمة الإرهاب وانحسار جرائمه، وحصول تحسن ملحوظ في الأمن في منطقة بغداد والمناطق الساخنة الأخرى من العراق مثل محافظة ديالى وكركوك، الأمر الذي يبشر بالخير. أما في محافظة الرمادي التي كانت قبل عام معقلاً للإرهابيين التكفيريين، فصارت في عام 2007 وبفضل الصحوة، من أأمن المناطق العراقية. وهناك مجالس الصحوة في مدن المثلث السني الذي راهن عليه فلول البعث والتكفيريون على إفشال العملية السياسية وعودة حكمهم البغيض، وهذه دلائل على نجاح خطة الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي أرسل بموجبها نحو ثلاثين ألف عسكري أمريكي إضافي إلى العراق لتطبيق الخطة الأمنية الجديدة التي شارك في وضعها كل من الحكومة العراقية والأمريكية وقيادة قوات متعددة الجنسيات في العراق بقيادة الجنرال ديفيد بترايوس. إذ شهد العراق انخفاضاً ملحوظاً في معدل عدد القتلى الشهري، من نحو ثلاثة آلاف في بعض الأشهر في العام الماضي إلى حوالي أربعمائة في الشهر الأخير من هذا العام. كما وتفيد التقارير أن هناك انخفاض في العمليات الإرهابية بنسبة 70%، وكما وصفه الجنرال بترايوس أنه إنجاز هام.

لم نقل أن الوضع في العراق صار طبيعياً في عام 2007، فالمسألة نسبية على أي حال، ولكن بالتأكيد هناك تحسن ملموس بشهادة أهلنا في العراق عندما نحادثهم على الهاتف، كذلك ما تنقله الفضائيات العراقية والأجنبية المحايدة مثل محطة تلفزيون البي بي سي، بالصوت والصورة عن مدينة الدورة وبغداد والرمادي وغيرها، وعودة عشرات الألوف من المهاجرين العراقيين إلى منازلهم. وهذه الحقائق لا ينكرها إلا أولئك الذين يتمنون إفشال العملية السياسية في العراق، فتراهم يدبجون المقالات في التشكيك بتحسن الوضع الأمني في العراق، ويرفضون التصديق بصحة الأنباء الجيدة، فنجاح العراق الجديد هو خيبة أمل ومصيبة لهم.

ونتيجة لهذا التحسن، ويأس إيران وسوريا من إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، واحتمال وصول الحريق الذي أشعلوه في العراق عن طريق دعمهم للإرهاب، على وشك أن يصلهم ويحرقهم، لذا أوعز حكم الملالي في إيران إلى عميلهم مقتدى الصدر بتعليق نشاط مليشياته لستة أشهر، وهناك أنباء عن تمديد هذا التعليق لستة أشهر أخرى تمهيداً لحلها وخلاص العراق من شرورها إلى الأبد.

ومن علامات تحسن الوضع الأمني ونجاح بناء القوات العراقية المسلحة والاعتماد عليها، سلَّمت القوات البريطانية الملف الأمني في البصرة إلى الحكومة العراقية في هذا الشهر، كما سلمت الملف الأمني في محافظة ميسان من قبل. وهذا دليل على نجاح القوات البريطانية في المساهمة في بناء القوات العراقية في المحافظات الجنوبية التي كانت تحت حمايتها منذ إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003 وعلى جاهزية القوات العراقية واستعدادها للقيام بمسؤولية حفظ أمن المحافظة.

كما وقد أثبت رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي صموده رغم الحملات الدعائية المضادة له من قبل أعداء العراق وشركات الترويج الغربية المدفوعة الأجر في حملات دعائية تسقيطية مفضوحة، حيث كان مردود هذه الحملات معكوساً على مروجيها، إذ أساءت لهم أكثر مما أساءت للسيد المالكي. وهذا درس لمن يريد أن يعارض السلطة في نظام ديمقراطي أن يلتزم بالوسائل النزيهة، ويتبنى المعارضة الإيجابية في خدمة المصلحة العامة وليس خدمة الأغراض الشخصية بدافع الشهوة للحكم.

كذلك من علامات هزيمة الإرهاب هذا العام، هو مغادرة الكثير من الإرهابيين العرب إلى ديارهم وهم يجرون أذيال الخيبة والفشل، حيث راحوا يمارسون إرهابهم في بلدانهم، لأنهم صاروا لن يجيدوا وظيفة أخرى غير ممارسة الإرهاب، كما نلاحظ تأثير ذلك في تصاعد الإرهاب في الجزائر في الآونة الأخيرة. وهذا درس للحكومات العربية التي سكتت عن تدفق الإرهابيين من بلدانهم إلى العراق، أن في نهاية المطاف لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر، وتشجيعهم للإرهاب في العراق سيجلب لهم الدمار في نهاية المطاف. وهذا الذي حصل. كما ونجحت السعودية في إلقاء القبض على المئات من الإرهابيين في بلادها، وهذا نصر آخر في الحرب على الإرهاب. وكذلك هناك نجاحات باهرة حققتها قوات حلف الأطلسي في أفغانستان وتم قتل الألوف من إرهابيي طالبان، ومن أهم علامات النصر في هذا البلد هو استعادة مدينة (موسى قلعة) وتطهيرها من فلول طالبان.

وعلى الساحة الفلسطينية، فقد أثبتت حماس فشلها عندما قامت بجريمتها البشعة بالقيام بانقلاب مسلح على حكومة الرئيس محمود عباس في غزة، وكانت النتيجة وبالاً على حماس نفسها، حيث انحسر نشاطها في قطاع غزة، وهي تزداد عزلة يوماً بعد يوم، وهناك تقارير تفيد عن تصاعد التذمر الشعبي في القطاع الذي حولته حماس إلى سجن رهيب لها وللشعب الفلسطيني هناك. وبالمقابل، فقد أثبت الرئيس محمود عباس حكمته وذلك بتمسكه بفن الممكن والسياسة الواقعية في تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، وبذلك كسب تأييد الغالبية من أبناء شعبه، واحترام العالم. فمن مؤشرات هذا النجاح، هو نجاح مؤتمر أنابوليس في ولاية مريلاند في أمريكا، والذي تبنى قراراً بالعمل الجاد لقيام الدولة الفلسطينية قبل انتهاء فترة رئاسة الرئيس بوش في العام 2008. ومن الإجراءات الصائبة بهذا الخصوص هو تعيين السيد توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية السابق، كممثل للرباعية في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مستفيدين من خبرته السياسية العميقة ومكانته العالمية المرموقة. ومما قام به بلير، هو إحياء المفاوضات، فبدأ برسم خطة عملية ناجعة لبناء الاقتصاد الفلسطيني كخطوة أولى لإخراج هذا الشعب من أزمته الاقتصادية الخانقة. ولتحقيق هذا الهدف، تم عقد مؤتمر دولي في باريس لدعم الشعب الفلسطيني، حيث تعهدت الدول المانحة بدفع 7.5 مليار دولار لدعم السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، وهو ضعف ما كان يأمل منه المسؤولون قبل انعقاد المؤتمر. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مدى نجاح الرئيس عباس في صموده وتعامله مع القضية الفلسطينية والثقة والاحترام الذي نالهما من العالم وجدية قادة العالم في حل هذا الصراع.

وبالمقابل، فقد أثبتت حماس قصر نظرها وسياستها الطفولية، فبدلاً من الترحيب بالدعم الدولي للشعب الفلسطيني، أعلن رئيسها اسماعيل هنية أن هذا الدعم المالي كان بمثابة رشوة للسلطة الفلسطينية!!! وهنية هذا لا يسمى ربع مليار دولار من حكومة الملالي الإيرانية له قبل عام رشوة. وشتان بين الدعم الإيراني لحماس الذي كان الهدف منه التخريب وتعطيل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وبين الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية الذي يهدف إلى إنهاء هذا الصراع الدامي ووضع حد لمحنة الشعب الفلسطيني وعواقبها الوخيمة على شعوب المنطقة.

وفي مجال نضال المثقفين الليبراليين العرب، فقد عقد مؤتمر للمثقفين الليبراليين في زيورخ في شباط/فبراير من هذا العام، والذي موله ونظمه الأخوة في منظمة (الأقباط متحدون) برئاسة المهندس عدلي أبادير يوسف، للدفاع عن حقوق الأقليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تم تأسيس منظمة بهذا اسم ((MEMWA)) وصدر عنه بيان هام تضمن الدفاع عن حقوق المرأة إضافة إلى حقوق الأقليات في دول المنطقة.

كما وهناك نشاط ملحوظ في أوساط المثقفين الليبراليين العرب حيث عقد مؤتمر العقلانيين العرب في باريس في شهر نوفمبر، ومؤتمر (منتدى الشرق الأوسط للحريات) في القاهرة يوم 28، 29 نوفمبر 2007 للدفاع عن الحريات وحقوق المواطنة للأقليات في مصر. كما وواصل الليبراليون حملاتهم في التصدي للقوى الظلامية من التكفيريين والإسلام السياسي ومليشياتهم الإرهابية.

وهناك حادث قد يبدو "صغيراً" للبعض، إلا إنه يحمل دلالة كبيرة في دور العولمة في الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الإنسان كفرد، ويكشف محنة الإنسان وخاصة المرأة في البلاد العربية. ففي السعودية انفجرت قضية عُرِفتْ بمحنة (فتاة القطيف) التي تعرضت للاغتصاب من قبل سبعة مجرمين. فما كان من القاضي السعودي إلا وأن طبق ما يسمى بحكم الشريعة، حسب ادعائه، ضد الضحية بالسجن ستة أشهر وجلدها مائتي جلدة بحجة الخلوة مع شخص غريب!! ولما اعترضت الفتاة من خلال محاميها الشجاع على قرار الحكم الجائر، ضاعف القاضي العقوبة، كما وعاقب المحامي أيضاً. فانتشر الخبر في كل مكان من العالم، وأثيرت ضجة عالمية احتجاجية شديدة ضد قرار الحكم السخيف، شارك فيها الرئيس الأمريكي جورج بوش والمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، مما اضطر العاهل السعودي إلى الإذعان لضغوط الرأي العام العالمي فإصدر قراراً بالعفو عن الفتاة. وهذا يكشف لنا بكل وضوح مدى دور الرأي العام العالمي في عصر العولمة في الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن العالم فعلاً صار قرية صغيرة، ولا يمكن إخفاء شمس الحقيقة بالغربال.

وعلى الساحة العالمية، انتصر نكولاي ساركوزي في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وبذلك وضع هذا الفوز نهاية للسياسة العقيمة التي تبناها الرؤساء الفرنسيون السابقون في مشاكستهم لأمريكا ومعارضتها خاصة في حربها على الإرهاب، وهذا يمثل نصراً للسياسة الأمريكية في حربها على الإرهاب العالمي.
وتطور آخر على المستوى العالمي حصل في باكستان. فهذه الدولة الإسلامية لعبت دوراً أساسياً في تخريج عشرات الألوف من طالبان وغيرهم من الإرهابيين الإسلاميين وذلك عندما سمحت حكوماتها المتعاقبة، العسكرية والمدنية، بفتح أكثر من 13 ألف مدرسة دينية بتمويل سعودي ونشر العقيدة الوهابية في تكفير غير الوهابي وتبرير قتله تقرباً إلى الله!! فانقلب السحر على الساحر مرة أخرى، وهذه باكستان صارت ساحة لتفجيرات الإرهابيين الإسلاميين. وهذا درس بليغ آخر للحكام، أن الذي يزرع الشوك لا يحصد غير الشوك.

خلاصة القول، لقد تحققت في عام 2007 انتصارات رائعة على مختلف الأصعدة وخطى العالم خطوة أخرى نحو الأفضل وخاصة في مجال دحر الإرهاب والتقدم في جميع المجالات وخاصة في مجال حماية البئية ورفع الوعي عن مخاطر تقلبات المناخ والانحباس الحراري. والأهم من كل ذلك فيما يخصنا كعراقيين، هو تجلى حتمية انتصار الديمقراطية في العراق وذلك لأن انتصار الديمقراطية صار مرتبطاً جدلياً بدحر الإرهاب. وإذا كان انتصار الديمقراطية يخص الشعب العراقي وحده أكثر من غيره، فإن دحر الإرهاب يهم سلامة العالم والحضارة البشرية عامة، ولذلك فدحر الإرهاب مسألة حتمية لأنه مسؤوليه تقع على عاتق المجتمع الدولي وبالأخص الدولة العظمى أمريكا التي تمتلك القدرة على تحقيق ذلك. ولهذا السبب، فإن عام 2007 كان عام بداية الانتصارات الرائعة للعراق وللعالم أجمع، ولذلك نحن متفائلون بالمستقبل. وكل عام وأنتم بألف خير.

د.عبدالخالق حسين
26/12/2007