عندما تكون المرأة العراقية ضحيتهم الأولى..

خبران هامان عن المرأة العراقية، أحدهما محزن ويقودنا لأيام ثورة 14 تموز وانفتاح الزعيم عبد الكريم قاسم؛ أما الثاني، لو صح، فهو محزن وفي الوقت نفسه يدعو للاستهجان والغضب.
الخبر المحزن هو رحيل الدكتورة المناضلة نزيهة الدليمي، أول وزيرة في العراق والمنطقة العربية. هذه الشخصية النسائية المناضلة كرست عمرها لهموم الشعب وقضاياه، ولاسيما لحقوق المرأة.
اسم المرحومة نزيهة مرتبط بنضال المرأة العراقية منذ الخمسينات المنصرمة في الدفاع عن حقوق العراقية وعن حق الشعب في الديمقراطية، والحرية، والتقدم.
لقد كانت المرأة العراقية بلا حقوق سياسية، وكانت المرأة الريفية خصوصا في وضع مهانة وإذلال؛ ثم اندلعت الثورة، وكان من حسن حظ العراق أن يكون قائد الثورة إنسان عالي الخلق، منفتح العقلية، يجسد التسامح الديني والقومي، ويذوب في حب العراق، وفقراء العراق.
في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم تبوأت نزيهة الدليمي منصبا وزاريا وكان لها دور مهم في صياغة قانون الأحوال المدنية، الذي كان طفرة كبرى للأمام بين القوانين العربية.
رحلت الدكتورة نزيهة وهي تشاهد ذلك القانون العظيم يطمس ويطمر بدستور حكم الشريعة، وعمليا بفتاوى وممارسات المليشيات والأحزاب الإسلامية، وكل المتطرفين والمتزمتين دينيا. ليس وجود نائبات في البرلمان بكفي لوحده للتدليل على أن حقوق المرأة العراقية مصانة، فمعظم نائباتنا الفاضلات يؤمن بحكم الشريعة، ووصاية الرجل على المرأة، بل وحتى ضربها من قبل الرجل، وقدسية الحجاب، ذلك الحجاب الذي لا يشير له القرآن الكريم ولو إشارة واحدة!
في سياق الأوضاع المتهورة لحقوق المرأة العراقية، كتدهور كل أوضاع العراق، يأتينا خبر قيام وزير التربية العراقي بفرض الحجاب على التلميذات والطالبات من عمر ست سنوات وما فوق. إننا ننتظر تفاصيل كافية عن هذا الموضوع للتأكد أولا من مدى دقة الخبر، ومن ثم تكريس مقال خاص له. لكن السؤال: هل مثل هذا الخبر غير متوقع؟ هل يفاجئنا خبر من هذا النوع؟ نعتقد أن لا، وألف لا، مادام حكم الشريعة قد صار هو الدستور، وأب القوانين وأمها معا! هل نفاجأ، وأمامنا مئات الوقائع، منذ سقوط نظام صدام، عن امتهان المرأة على أيدي الأحزاب الإسلامية، والمليشيات، والتكفيريين الوافدين في غزو "إسلامي" دموي؟؟ أية كرامة وحقوق تبقى للمرأة عندما يستوحي حكم الشريعة من الفتاوى بخطبة الرضيعة، وزواج القاصرات؟؟
لم تكن المرأة في العهد المباد بخير، فقد عانت معاناة بالغة وعاشت المآسي بسبب الحروب الكارثية، وسياسة القمع الدموي، والمقابر الجماعية، وليس ما وقع بعد زوال ذلك النظام هو ما يحقق آمال المرأة، ويلحم جراحها. إن إلغاء قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959، قد حدث بعد سقوط صدام،، حيث فرض حكم الشريعة، الذي هو النقيض التام لحقوق المرأة، ولحقوق الإنسان كما هو منصوص عليها في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان.
كلا، ليس مثل هذا الخبر عن وزارة التربية مفاجئا لنا، فقد قرأنا أيضا أن الكتب المدرسية صارت تطبع في طهران بحجة رخص التكاليف!!، ومن قبل ذلك تعليمات الوزارة بجعل البرامج المدرسية منسجمة مع "توجهات" المرجعية الشيعية. ليس من الصدف تشبث الأحزاب الإسلامية الحاكمة باحتكار وزارة التربية، بجنب وزارات الداخلية، والنفط، والكهرباء، ومستشارية الأمن القومي. إن من المعروف جيدا أن التربية المدرسية منذ الابتدائية، هي والتربية العائلية، تكونان عقلية ونفسية الجيل الجديد، وإن الأحزاب الإسلامية تعمل في كل مكان، وكل بلد، وحيثما استطاعت غسل دماغ المواطنة والمواطن منذ الطفولة.
تحية لذكرى الدكتورة نزيهة الدليمي، رمز جهود ونضال كل النساء الديمقراطيات العراقيات منذ العهد الملكي في سبيل خير العراق والمرأة. ترى، هل ستسترد المرأة العراقية حقوقها المستباحة؟ ذلك مرتبط طبعا بمجمل الوضع العراقي، ومساره المستقبلي؟

د. عزيز الحاج
11/10/2007