الاصدقاء يتذكرون - شموع فيلية غادرت قبل الاوان (1) (الرفيق هادي حنتوش أبو سوزان)

الخلق الرضي،والدماثة،والوداعة،والسخرية اللاذعة،والأتزان البعيد عن التزمت،صفات ندر أن تجتمع لأنسان، و(أبو سوزان) جمع هاتيك الصفات الى صفات أخرى،فهو ذو ذاكرة عجيبة تختزن الأحداث والوقائع،ولا تغفل عن دقائق الأشياء،وموسوعة متنقلة من المعلومات السياسية والتاريخية والأدبية وكل ما يدخل في مضمار الثقافة العامة،الى جانب معلوماته الطبية المركزةبوصفه معاون طبيب أعطى لمهنته حقها في الممارسة وزيادة المعلومات.
وفد لمدينتنا القاسم أواسط الستينيات من مدينة قلعة سكر في الناصرية الحبيبة،مدينة النضال والحب العذري،والغناء الأصيل،للتخلص من الرقابة والمضايقة التي واجهته في مدينته بسبب نشاطه،وطاب له المقام في القاسم بزواجه من أحدى قريباته،وخلال شهور صار معروفا في الأوساط الأجتماعية أنسانا وممرضا ومناضلا،جمع المزايا النادرة والصفات الحميدة،فاستحق الحمد والأعجاب.
وكان له مجلسه العامر في مقهى الشيوعيين في القاسم،مقهى (جاسم برغوث)والمقهى الوطنية الأخرى مقهى (أبو شاكر) اللتين لهما في الذاكرة الكثير الكثير مما سأشير اليه في فرصة لاحقه.وكان لأحاديثه الشهية وارأءه السديدة،ومعلوماته الثرة،أثر كبير في أجتذاب الكثيرين لصفوف الحزب الشيوعي،وله نشاطه المؤثر في المناسبات العامة،الى تأريخ سامق في النضال منذ الخمسينيات في صفوق أتحاد الطلبة،وفي الحزب الشيوعي..حدثني ذات يوم عن أنتخابات أتحاد الطلبة،عندما كان طالبا في العهد الطبي ببغداد قال:كانت المنافسة شديدة بين أتحادنا والأتحاد البعثي الذي حاولت القوى المتحالفة من بعثيين ورجعيين فرضه بمختلف الطرق حتى وصلت الأمور الى المصادمات،وحدثت معارك بالأيدي ،وكنت من الشباب المندفع في تلك الأيام،وقد حدث أصطدام بيننا وبين الطلبة البعثيين مما أدى الى أشتباك بالأيدي والهراوات،فأنهلت على أحدهم بضربة قوية على قفاه،فالتفت نحوي ولكمني لكمة قوية أسقطتني أرضا،وعندما أنهضني زملائي حاولت الوصول اليه الا ان المعركة أوشكت على نهايتها بتدخل الشرطة بتحيز سافر لجانبهم،وتمت الأنتخابات بالفوز الكاسح لنا رغم المحاولات الرامية لأنجاح الأتحاد الآخر،وظلت صورة ذلك الشاب راسخة في ذهني لحد الآن،وبعد أنقلاب1968الأسود فوجئت بذالك الشاب يقف خلف البكر قائد الأنقلاب المشوؤم وهو يحمل بندقية وأذا به صدام حسين.
وبعد الحرب على أيران،قام صدام حسين بتهجير الكرد الفيليين الى أيران بحجة تبعيتهم الفارسية وهم العراقيين الأقحاح،وقد القي القبض عليه سنة 1981 وسفرت عائلته الى أيران وصادرت السلطات أثاثه وبيعت داره بالمزاد العلني بثمن بخس ألى أحد أزلام السلطه وأحتجز مع من أحتجز من الشباب الفيلية،وأقولها للتاريخ أن الكثير ممن سفروا لم يكونوا من الجالية الأيرانية وأغلبهم أن لم يكن جلهم من المناوئين للسلطة وأكثرهم من أعضاء الحزب الشيوعي أو مناصريه ولغرض التخلص منهم ،جرى أحتجازهم وتسفير عوائلهم،وقد علمت من مصادر موثوقة بأن النظام الصدامي قد جعل من هؤلاء المحتجزين دروعا بشرية و أدوات لتفجير الألغام وقدمهم أمام الجيش العراقي في معركة البسيتين في قاطع العمارة فكانوا ضحايا لأنفجارات الألغام الأيرانية المزروعة في خطوط الجبهة الأمامية وقد قتل الألاف منهم بهذه الطريقة البشعة،وقتل آخرين بتجارب وأختبارات أسلحته الجرثومية،أومن قتل أثناءالتعذيب،وكان أبوسوزان واحدا منهم.
وبعد سقوط النظام البائد،قام شقيقه الرفيق عبد الله حنتوش،المقيم في قلعة سكر بأقامة مجلس العزاءله،وقد طبعت له صور كثيرة الصقت في مدينته السابقة ،وقامت منظمة الحزب في القاسم بلصق الكثير من صوره على جدران مدينته الثانية،عرفانا منها لأبن بار من أبنائها،أمتزج بأوساطها ،وأصبح واحدا منهم ،أثير لديهم،حبيبا لنفوسهم،ولا تزال عائلته في أيران،وقد التقيت بأبناءه عند مجيئهم لزيارة بلدهم العراق،فوجدت أن هؤلأء الأشبال هم أبناء ذلك الأسد،يحتذون خطى والدهم،ويؤمنون بما آمن به،ودعا اليه،وأستشهد من أجله لك الذكر الطيب والجزاء الحسن على ما قدمت لشعبك ووطنك ،وستبقى ما بقيت رايتنا خفاقة في ربوع عراقنا الحبيب.

محمد علي محيي الدين

المصدر: كلكامش، 04/09/2007