بغداد حبيبتي

بغداد حسنك جاز كل بيان ** وقريحة الشعراء كل لسان
بغداد يا قيثارة عزفت لنا ** لحنآ كشعبك زاهي الألوان
بغداد ياإسمآ يهز كياننا ** ويتيمة الدهر من الديان
بغداد يا أنشودة الخلد لنا ** يا قبلة الدنيا لكل زمان
إني نقشتك فوق كل خلية ** ليعين لي قلبي على الخفقان
وطفقت ألثم كل حرف صغته ** لثم الرضاب لصائم ظمآن
ما غبت يومآ عن خيالي لحظة ** كيف الغياب وأنت في شرياني
قبل الوجود عشت في أحضانك ** حتى ولدت عشت في أحضاني
لي ذكريات فيك مثل بتولة ** لم أسلها يومآ ولا تسلاني
كم ذكريات حلوة لم أنسها ** حتى إذا لفوا بها جثماني
كهديل أسراب الحمائم في الضحى ** تشدو بأشعار لنا وأغان
في كل زاوية ترين صبابتي ** مرسومة حبآ على الجدران
ما إن حضرت في الرصافة موعدآ ** حتى يكون بكرخها لي ثان
حيث اتجهت ألتقي بمخلد ** أو حور عين أو بسرب حسان
وعلى ضفافك كم سهرت لياليآ ** لأعود فجرآ أنتشي بأذان
وكذا الكنائس قرعها أجراسها ** لتضيف إيمانآ على إيمان
هذا أبو نواس يتلو شعره ** وهنا أم كلثوم صدى الآذان
بغداد هلا أخبروك بأنك ** لخصت كل محاسن البلدان
كل الفصول في رحابك جنة ** في الحر أو في القر أو نيسان
من ذا سينسى من حزيران الذي ** أنفاس ليله قبلة بحنان
أمطار كانون التي عزفت لنا ** بهطولها من أجمل الألحان
فإذا الدروب والأزقة تختلي ** لنحف حول مواقد النيران
حيث حكايا الجن من جداتنا ** عن ألف ليلة وابنة السلطان
فإذا بأجنحة الكرى تمضي بنا ** لسياحة في رقة وأمان
بغداد يا بدرآ ينير بخاطري ** وضياء شمس مشرق بجناني
طبت وطاب العيش في أحضانك ** لا عيش دونك طاب للإنسان
العرب والأكراد عاشا إخوة ** في وحدة ومودة وأمان
حتى غزانا الشمر صدام الردى ** ورفاقه الأشرار كالحيتان
لا حرمة أثنته عن عدوانه ** نحو الأشقاء ولا الجيران
كغمامة سوداء فوق سمائنا ** ونذير سوء ليس بالحسبان
من ساقط أصلآ ومن متلون ** من مجرم ومنافق ومدان
عاثوا فسادآ في البلاد تجبرآ ** والربع حولهم بلا وجدان
فوجدت دجلة ترتوي بدمائها ** وعيونها جفت من الأحزان
لم يرتووا بدمائنا وخرابنا ** بل توجت إجرامهم حربان
وتكدست بمروجك أشلاؤها ** من نرجس أو سوسن أو بان
فهجرت قسرآ في الضلوع حمائمي ** بعدآ عن الوحش الرهيب الجاني
أيان رحت لم أجد لي موطنآ ** في غير أرضك فاقد عنواني
إغتالوا علاء الدين كي يص/فو لهم ** مصباحه لمشيئة السجان
زمر الذئاب بعدهم برزوا لنا ** من كل فج أو من الحيطان
عاثوا بأرجاء البلاد تصوروا ** لسنا سوى جمع من القطعان
كم غاشم رام إغتصابك طامعآ ** بتراثك وبسحرك الفتان
حتى تصدى الخيرون لدحرهم ** والنصر كان سواعد الشجعان
لكنهم وجيوشهم جرارة ** ردوا على أعقابهم بهوان
مازال عطرك منعشآ أنفاسنا ** فإذا هلكت عبيره أحياني
أمضيت فيك العمر صفو زمانه ** لم أدر أنه أسعد الأزمان
فإذا بطول سنينه ومراحه ** يمضي مضي البرق مثل ثوان
درت بأرضك هائمآ بحبيبتي ** فتوقفت أرضي عن الدوران
وذررت حبات الفؤاد ترابها ** لم أبق شيئآ غير شبه كيان
فإذا تلاقي حبة مع ذرة ** يهدي إلي حبيبة تلقاني
لكن رحلت عن ديارك مكرهآ ** وبنيت دارآ هاري البنيان
وسكنتها متجرعآ ظلماتها ** مثل الغريق بلجة الطوفان
إن غاب مرء عن تخوم دياره ** قد غاب جوف غياهب النسيان
ضج الحنين الى مرابع حبنا ** فوجدتني شيخآ وراح أواني
لكنني مازلت أحلم طائرآ ** لأحط فوق سنابل الشطآن
وتعود أيامي الى أيامها ** وتسير أعوامي بعكس زماني
اشتقت لدجلة والفرات كأنني ** طفل رضيع عافه الأبوان
لكن بي أمل يشع بخافقي ** سيكون للأعراق شأن ثان
إن العراق كشعبه وكأنه ** بركان أطنة دائم الثوران
إن ثار هذا اليوم يخمد في غد ** ليخلف الأنعام في الوديان
بغداد يا نبض المروءة والهوى ** قلبي وقلبك في الهوى سيان
لم ألق يومآ مايروق لناظري ** فالبعد عن أنظارك أعماني
مازلت أحلم في لقائك هانئآ ** ومعانقآ للأهل والخلان
أوصيت أولادي إذا سألوهم ** يومآ بفخر ردوا من بغدان

شعر لفؤاد جواد
6/9/2007