وأخيرا جاء دور الطائفة الأيزيدية!

لا يمكن تصور درجة الذهول والغضب والألم لسماع نبأ الجريمة الإرهابية الوحشية التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء الطائفة الأيزيدية. إنها صفحة سوداء جديدة في سجل الإرهاب الذي يزداد دموية واتساعا وهمجية في العراق المستباح.
على مدى أكثر من أربع سنوات ونصفا تعرض المسيحيون والصابئة المندائيون لحملات مطارة، وتهجير، ونهب، وعدوان. اغتيل القسس، وأحرقت الكنائس، واضطر عشرات الآلاف من المسيحيين للهجرة للدول العربية المجاورة أولكردستان، بعد نهب دورهم وممتلكاتهم. أربع سنوات ونصف السنة تضرب الأيدي المجرمة للإسلاميين الإرهابيين، من سنة ومن شيعة متطرفين أبناء دجلة والفرات الذين، يمتد تاريخهم في العراق إلى آلاف من السنين وقبل ظهور الإسلام.
على مدى هذه الفترة المظلمة طورد أيضا الصابئة في مدن الجنوب، وصاروا تحت كابوس الرعب اليومي.
لقد انفلتت الأحقاد الدينية، وجرت بجانب التطهير المذهبي، عمليات تطهير ديني لغير المسلمين أو لمسلمين ليسوا لا شيعة ولا سنة. جميع هؤلاء الضحايا وضعوا في خانة الكفار الذين يجب استئصالهم بلا هوادة.
إن من المؤسف أنه خلال تلك السنوات لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي إجراء ناجع لوقف زحف الإرهاب الديني الأعمى، ولا يزال اضطهاد المسيحيين جاريا في الموصل والبصرة وبغداد دون أن ترتفع أصوات إدانة من المسؤولين وكأن تهجير وقتل غير المسلمين تحولا لمجرد روتين لا يستحق الاهتمام والمعالجة! اليوم فإن الأيدي المجرمة نفسها، لا سيما أيدي القاعديين التكفيريين، تغتال بالمفخفخات وتجرح عشرات المئات من أبناء الطائفة الدينية الأيزيدية، المسالمين، القابعين في منازلهم خارج المدن، والمعروفين بالمسالمة ورفض العنف.
إن الأيزيدية في العراق كانوا دوما موضع تصورات تشكيكية، وأوهام عن دينهم وطقوسهم وكأنهم أبناء الشيطان. أما أن يذهبوا ضحية عمليات إرهابية تقتل منهم المئات، فهذه ظاهرة جديدة من ظواهر العراق " الديمقراطي".
إن من دلائل هذه الجريمة السافلة واستمرار الإرهاب واتساعه كل يوم هو فشل الخطط الأمنية، وعجز الحكومة عن معالجة الوضع تدريجيا وعلى خطوات ناجعة التأثير. لقد ادعت الحكومة مرارا عن استعداد القوات العراقية لاستلام الملف الأمني كله وهذا مجرد وهم مع الأسف.
إن تصاعد الإرهاب بوحشية متناهية، ومعالجة الأزمة العراقية التي تكاد تدمر العراق، لا يتمان باجتماعات قيادية تنتهي دون اتخاذ خطوات جديدة لمعالجة الأمور بروح وطنية عراقية،، تؤمن بأن الانتماء هو أولا للعراق، وأن كل ما يقع من عنف ومظالم في أي جزء منه يمس البلاد كلها، من الفاو وإلى جبال كردستان.
إن الساسة العراقيين الذين بأيديهم السلطة مصابون بمفاهيم خاطئة عن الديمقراطية وكأنها تعني مجرد انتخابات، وهم في الوقت نفسه يحملون مفهوما مغلوطا عن "الاعتدال" وكأن الاعتدال يعني الطائفية والضيق القومي والتساهل مع المليشيات!
إن الوضع لا يمكن علاجه بتشكيل ما يدعى ب"جبهة المعتدلين"، المشكلة من الأحزاب الحاكمة نفسها، وإن ضرب الإرهاب وقوى العنف والجريمة لا يمكن أن تقوم به أية حكومة قائمة على التحاصص غير السياسي، وحيث كل يفكر أولا بمصالح الحزب أو الفئة.
إننا لا نزال نرى، أن الوضع يتطلب حكومة مستقلين من رئيس الوزراء وإلى كل وزير، حكومة مقلصة وكفئ لا ترتبط بأي حزب أو مرجع ديني وبأية مليشيا؛ وكما اقترح عدد من الكتاب مرارا ومنذ سنوات فإن المطلوب التركيز أولا على المسألة الأمنية، ووقف التدخل الإقليمي، وثانيا الخدمات، وهذا يفرض أيضا "تعطيل الديمقراطية" مؤقتا، وإعطاء إجازة طويلة للبرلمان العتيد.
إن هذه وصفة ووجهة نظر وهناك كما نعرف وجهات نظر أخرى عديدة يطرحها الساسة والعديد من الكتاب العراقيين.

عزيز الحاج
16/8/2007