نتائج الانتخابات التشريعية التركية (رؤية كوردية)

فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية الاخيرة ورغم تأكيدات اردوغان على علمانية تركيا لكن هذا الفوز بلا شك يعد انتصارا على العلمانيين الاتراك والمؤسسات والاحزاب الاخرى غير المتشحة بوشاح اسلاموي فضلاً عن المؤسسة العسكرية.
جاء حزب العدالة والتنمية ثانية في وقت مزدحم بالمشكلات الداخلية والاقليمية ولعل القضية الكوردية من اولى المسائل التي تشغل بال مرشحي الحكومة الجديدة. قبل أن نتحدث عما اذا كان الكورد يشكلون مشكلة (حقيقية) الى نظام الحكم التركي ايا كان النظام ولاي حزب تنتمي الحكومة اليه لابد من ان تذكر حقيقة ميدانية واحدة افرزتها نتائج الانتخابات التركية الاخيرة وهي ان في ديار بكر وغيرها من المحافظات الكوردية وفي عموم منطقة كوردستان تركيا كانت نسبة الاصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية الى الاحزاب الاخرى كانت اعلى من نسبتها في الانتخابات السابقة عام 2002 وماذا يعني ذلك؟
هذا يعني ان الاعتراف السابق لأردوغان وحزبه بوجود قضية كوردية حقيقية في تركيا ووجوب معالجتها جذريا وتأييد الحقوق الثقافية واللغوية باعتبارها من الحقوق المشروعة للكورد في تركيا ادى الى ارتفاع شعبية هذا الحزب لدى الكورد في تركيا وهذا امر طبيعي وواقعي اذا ما قورن موقف حزب العدالة والتنمية بمواقف الاحزاب القومية التركية المتزمتة ازاء (وجود) الكورد وكذلك المؤسسة العسكرية المتلهفة الى (سحق) الكورد.
ان هذا الذي نذكره اليوم هو من باب التذكير للسيد اردوغان وحزبه وهم يعيشون نشوة الفوز لنقول ان الاعتراف بالحقوق الانسانية والقومية للاخرين لابد من ان يكون هو العامل الامثل والاسلم في حل قضايا الاقوام والاثنيات في البلدان ذات الشكل التعددي، لذا كلما ارتفعت وتيرة النزعة الانسانية العادلة في التعامل مع المواطنين الكورد في تركيا ستكون الحكومة قد وفرت على نفسها مشقة اي عمل عسكري او سلبي على الارض الكوردية في تركيا او خارج تركيا لابل تكون قد فوتت الفرصة على كل جهة حملت السلاح وتحصنت بين شعاب وجبال عصية، اذ لايبقى من مبرر لمثل اي نشاط مليشي والتجربة الكوردية في العراق خير دليل على ذلك.
ان تمتع الشعب الكوردي في العراق بحقوقه القومية ومساهمته في ادارة البلاد يضع الكورد في موقف المدافع عن العراق وسيادة العراق وحكومة العراق في بغداد. للاسف الشديد وجدنا من يدق ابواق التحذير والانذار في اول يوم فاز به حزب العدالة والتنمية ومن جهات هي ليست تركية اساسا تحذر تركيا من اي مرونة مع اقليم كوردستان لان اقليم كوردستان الذي سيتحول الى دولة حسب تأويلهم سيهدد امن شرق الاناضول ومن ثم سيهدد وحدة تركيا مشددين على عدم التراخي في الحشد العسكري التركي على حدود العراق (اقليم كوردستان).
ويقدمون النصيحة الى تركيا من خلال اردوغان ان (يجاملوا) النواب الكورد الذين دخلوا البرلمان في حل بعض مشكلاتهم من اجل كسب تأييدهم في استحصال موافقة البرلمان من اجل تفويض الجيش لشن الهجوم على اقليم كوردستان بحجة مكافحة حزب العمال الكوردستاني.. يا للنصيحة الانسانية..!!
اننا نرى من دخول 24 نائباً كوردياً في برلمان تركيا سيكون خير ابتداء لعرض وجهة نظر الكورد وتخفيف نزعات التزمت ازاء الحقوق الانسانية المشروعة للشعب الكوردي في تركيا وليس وسيلة لتشجيع الألة العسكرية التركية في اجتياح الحدود العراقية التركية او ضرب وقصف قرى اقليم كوردستان.
اننا بهذه المناسبة التي يدخل فيها اكثر من حزب معارض البرلمان وفوز العدالة والتنمية نتمنى ان تعمق الحكومة التركية من النهج الذي انتهجته مع الكورد كشرط من شروط قبولها في الاتحاد الاوربي، وان لايكون هذا النهج قائما على اساس المساومة من اجل دخول تركيا في الدائرة الاوربية بل قائما على اساس الاعتراف بالقيم الانسانية وبالحقوق القومية للشعوب اي ان لا يكون وسيلة بل غاية بحد ذاتها تعبر عن النظرة العصرية لتركيا ازاء حقوق الانسان والاقوام. ولعل حزب العدالة والتنمية هو من اكثر الكتل السياسية التركية تفهما للاية الكريمة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) انها حقيقة الهية ان تكون البشرية قائمة على اساس (الشعوب) وتسمية الكورد بالكورد ليس كفرا بل الكفر ان لا يسمون كذلك.
ان مطالبة محامية كوردية (ليلى زانا) بتسمية المناطق التي يسكنها الكورد في تركيا بولاية كوردستان في الجمهورية التركية ليس كفرا وليس جريمة.. كان مجرد طلب شفهي في احد نشاطات الدعاية الانتخابية بدأ المتحذلقون والنشطاء التقليديون ضد الكورد بعرضها وكأنها جريمة لا تغتفر، وان وراء الأكمة ما وراءها.
اننا مازلنا نؤمن ان الحل السلمي ممكن وان ما عرضه سيادة رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني في حينه مازال قائما وهو استعداده للتدخل في المشكلة الكوردية في تركيا باعتبارها مشكلة سياسية.
نتمنى لحزب العدالة والتنمية النجاح في ادارة البلاد لما فيه خير تركيا بكل اطيافها ولما يغلب السلم على القتال، والحب على الحقد بين بشر اراد الله لهم ان يكونوا شعوبا.

الدكتور بدرخان السندي
25/7/2007