الأزمة العراقية ... إلى أين !!!

يمر العراق بأزمة خانقة قاتلة، وقد تؤدي هذه الأزمة إلى تقسيمه إلى دويلات وأقاليم، علما أنه، فضلا عن حمائم وصقور الإدارة الأمريكية، هناك حرصا إقليميا على تحقيق مثل هذا الهدف وإن كان على استحياء لكنه واضح. كذلك وفي ظل حملات إعلامية عربية ظالمة، وضغوطات خارجية ما انزل الله بها من سلطان، نجد أن حكومة " الوحدة " الوطنية تمارس مهامها بصلاحيات محدودة ومحددة تحقيقا لهدف أمريكي، وكما تشير إليه وسائل الإعلام العالمية، هو إسقاط استحقاقات التحول السياسي في إطار العملية السياسية الجارية منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003.
وكي لا نطيل الحديث عن ملابسات الأزمة وعوامل اتساع رقعتها، والتي باتت معروفة لدى القوى السياسية الحزبية، والكتل ذات السمة الطائفية المشاركة في العملية السياسية، والوطنية المهمشة سياسيا، نود أن نقدم بعض ما نرتأيه من طروحات وحلول سياسية، وصولا إلى مساهمة متواضعة للخروج من دائرة الاحباطات والفشل الملازم لأداء الجهاز الحكومي، والذي هو امتداد، بل نتاج لفشل الإدارة الأمريكية في سعيها لجعل العراق نموذجا في الرفاهية، ومثالا للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط " الكبير " الذي يٌخطط له من عقود.
بدءا، نحن على يقين من أن الحكومة العراقية، برئاسة المالكي أو غيره، لن تكون في حال من التأهيل والصدقية طالما كانت تحت الوصاية الأمريكية ( انتداب بريطاني بنسخة أمريكية). وأن مثل هذه الحكومات، حاليا وفي المستقبل، لن يكتب لها النجاح إن هي سلكت خطا أو نهجا لا يتماشى مع ما هو مرسوم من قبل دوائر ومراكز القرار السياسي للإدارة الأمريكية ضمن إستراتيجيات منها معلنة وأخرى خفية تتعلق بالملف السياسي ( نفوذ وهيمنة وردع إقليمي ) والإقتصادي ( ثروات النفط والاستثمارات ) والحضاري (الديمقراطية والحرب على الإرهاب في إطار صراع الحضارات).
لقد ذهب الكثير من السادة الأكاديميين والكتاب والإعلاميين إلى طرح أفكار تخص الأزمة العراقية والطريق إلى الخلاص، ومن بين هؤلاء السادة هو ما طرحه الزميل محمد عبد الجبار الشبوط ( حسم الخيارات )، وهو طرح مبني على الكثير من الموضوعية. ولإتسام طرحه بالشفافية والنفس الوطني، أدعو القارئ لمراجعته ومناقشة ما حمله من أفكار بناءة.
ورغبة منا في توسيع دائرة البحث عن مخرج يحفظ ماء وجه الحكومة العراقية ووجه القادة الأمريكان، وينقذهما من حرجهما وحرج المواطن المبتلي بداء المعاناة المزمنة، نود أن نشير إلى:
أولا: وفقا لقرارات الأمم المتحدة، يعتبر العراق دولة محتلة، وعلى الأمريكان، وفقا لهذا القرار ( نص مقتبس من القرار 1483 في 22 مايس عام 2003: " وإذ يلاحظ الرسالة المؤرخة في ٨ أيار/مايو ٢٠٠٣ الموجهة إلى رئيس مجلس الأمن من الممثلين الدائمين للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية ( S/2003/538 (وإذ يسلم بالصلاحيات والمسؤوليات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المنطبق على هاتين الدولتين بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال تحت قيادة موحدة (السلطة)". انتهى)، عليها اتخاذ ما يلزم لحفظ الأمن والثروات والاستقرار الاجتماعي وإعادة بناء ما دمرته قوات الاحتلال من بنية اقتصادية وبشرية وحضارية. وبعكسه تكون الإدارة الأمريكية ملزمة على سحب قواتها من العراق بالكامل ومنح العراقيين حق تقرير ما يرتأونه ملائما لرغباتهم السياسية وطموحاتهم الاجتماعية الاقتصادية، أو إعلان الانتداب رسميا لتكون الحكومة الوطنية بحل من التزاماتها إزاء الضغوطات السياسية غير السوية والبعيدة عن مفهوم السيادة. وفي هذه الحالة ستجد قوات الاحتلال نفسها، وتحديدا الأمريكية، في مواجهة وطنية شرسة وبثقل سياسي عسكري اكبر عما حدث في ثورة العشائر الشيعية والسنية في عشرينات القرن الماضي. وهنا لابد من الإشارة إلى استحالة أو قدرة قوات الاحتلال على مواجهة حرب الشوارع أو الوقوف في وجه المقاومة الشعبية لفترة طويلة، والدليل: الأمن المنفلت وعجز الأمريكان في القضاء على الزمر الإرهابية الضعيفة كما ونوعا قياسا إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية وحجم قواتها المتواجدة في العراق.
تعتبر هذه واحدة من خيارات المرحلة الأولى (بداية نهاية الاحتلال) التي قد تولد صياغات مقاومة وخيارات أخرى غير منظورة على المدى البعيد تؤدي بالمشهد السياسي العراقي إلى ما هو أكثر حرجا وألما مما عاناه الجندي الأمريكي في فيتنام، أو مما سيعانيه جراء الفوضى التي ستعم لتشمل المنطقة بأسرها وما في باطنها من نفوط وثروات.
ثانيا: على حكومة المالكي، أو أية حكومة وطنية أخرى أن تنهج سياسة واضحة المعالم نابعة من مصلحة الوطن وطموحات الأصبع البنفسجي. واستنادا إلى شرعيتها، وتأسيسا على سيادتها واستقلاليتها، عليها أن تقف بشكل صارم وحاسم ضد كل أنواع الضغوطات الأجنبية وخاصة الأمريكية ( دعنا نلعب اللعبة الديمقراطية بنسختها الأمريكية ). ان مثل هذا الموقف الحاسم الصارم، وأن تعرضت إلى نكسة أو ألي مأزق، سوف يلقي التأييد الشعبي العام حتى وأن سالت الدماء انهرا (ما تسيل من دماء العراقيين خلال سنوات الاحتلال ليست بقليلة ). كما أن تداعيات مثل هذا الموقف الوطني لا يمكن ان تنعكس سلبا على الإدارة العراقية بقدر ما ستتحمله قوات الاحتلال من انكسار وفشل لسياستها الخارجية.
ثالثا:ونظرا للفشل الذي نتلمسه في قطاع الخدمات والأعمار للأسباب المذكورة ( فقدان الأمن وسياسة الفوضى الخلاقة والكيل الأمريكي بمكيالين)، وبسبب من المحاصصة المذمومة في إطار إدارة الدولة، وتوزيع المناصب حسب الولاءات الحزبية والمذهبية غير الكفوءة، والتي تذكرنا بمسلك وتوجهات العهد البائد على صعيد الاختيار الوظيفي. على الحكومة أن تحسم الموقف في اختيار إدارة تكنوقراط غير مؤدلجة دون الرضوخ إلى التوجهات الاستشارية المشبوهة دوليا وإقليميا.
ثالثا: ترسيخ التعاون والتنسيق مع التحالف الكوردستاني والتيار الصدري باعتبارهما صمام أمان لديمومة العملية السياسية. كما تقتضي الضرورة إبعاد الوجوه التي أتعبت المواطن حتى القرف، وذلك من خلال تصريحاتهم وفتاويهم وحبهم للظهور الإعلامي على حساب العمل الوطني الفاعل. ونقصد بهذه الوجوه الزمر الملتفة حول المناصب القريبة من أصحاب القرار السياسي والتي تفتقد إلى الخبرة العلمية والإدارية عدا الولاء المذهبي والطائفي والإثني. كما أن الضرورة تقتضي دمج شخصيات معتدلة من كتلة التوافق وباقي الكتل ذات التوجهات الدينية السنية والتي تشعر بنوع من التهميش السياسي، وهي كتل ذات قاعدة شعبية تضم الكثير من المثقفين والمتنورين، تقتضي الضرورة دمجها إلى العملية السياسية كبديل عن ممثليهم المتطرفين الحاليين غير المعنيين والمتآمرين على العملية السياسية ذاتها.
رابعا: آن الأوان لاختيار اصحاب الكفاءات ذوي التوجه العلمي غير المؤدلج لإدارة المرافق العامة ذات الصفة الخدمية والقادرة على وضع الإستراتيجية الاقتصادية وصولا إلى تحقيق التنمية المستدامة ولرفع المستوى المعيشي للمواطن المذلول والمستضعف، واختيار شخصيات ذات ثقافة شاملة ودراية بالعلاقات الدولية والعامة لتمثيل البلاد لتحسين صورته بدلا من حملة شهادات وولاءات ملئت ممثلياتنا في الخارج دون فعل حضاري او سياسي معتدل، وهي شخصيات لا تمت بصلة إلى العمل الدبلوماسي أو العمل في مجال العلاقات العامة.
خامسا: تفعيل القرارات التي من شانها إنصاف أهالي المقابر الجماعية والمسفرين والمعتقلين السياسيين وغيرهم من الذين لحق بهم الحيف في العهد المباد. كما يجدر ذكره أن الأمن يسود المنطقة الجنوبية (نسبيا ومنذ السقوط) مثلها مثل إقليم كوردستان الآمن، وهي (أي المنطقة الجنوبية) لكنها لا تزال في وضع اقتصادي واجتماعي مزري دون خدمات تذكر قياسا إلى الثروات الهائلة التي تمتلكها ( مرة أخرى، السبب يكمن فشل الإدارات الهشة المؤدلجة غير العلمية والتي تفتقد إلى الخبرة والكفاءة).

الدكتور خليل شمه كاكه لي
مستشار في الخارجية التشيكية
kalilshamma@yahoo.com

المصدر: صوت العراق، 20/7/2007