أسوأ من فضيحة أبو غريب

تفيد "الأخبار" [أن كشفت شبكة (CBS) الأمريكية في تقرير مصور عن وجود 24 طفلا عراقياً في أحد مؤسسات رعاية الأيتام في العاصمة بغداد تظهر عليهم آثار المجاعة والمرض والاهمال. وأشار التقرير الى ان "القوات العراقية والأمريكية داهمت المبنى الحكومي المخصص لرعاية الاطفال الايتام وذوي الحاجات الخاصة الاسبوع الماضي، اثر هروب عدد آخر منهم". و"ان العديد من الاطفال الذين عثر عليهم ..كانوا غير قادرين على الوقوف والحركة بسبب حالة الهزال التي سببتها المجاعة، وبعضهم كان مربوطا في السرير لمدة تجاوزت الشهر".
وأكدت المصادر أن "بإستطاعة أي شخص أن يعد عظام الأطفال بسبب النحول الذي يعانون منه، وان بعضهم كانوا ينامون تحت حرارة الشمس المحرقة، وقد تعرضوا لحالات من الإعتداء الجنسي".] للإطلاع على التقرير مع الصور المؤلمة يرجى الضغط على الرابط في نهاية المقال.
أعتقد أن ما جرى في هذه المؤسسة، المفترض بها رعاية الأيتام أو المعوقين، لا فرق، ما هو إلا الجزء المرئي الصغير من الجبل الجليدي الكبير من الإهمال والفساد والتقصير الذي تم اكتشافه بالصدفة، وما خفي أعظم وأشد وأنكى وأدهى وأمر. وقد شاهدنا صور الأطفال بأجسادهم النحيلة الهزيلة التي تثير الحزن والأسى، بل تسبب الصدمة النفسية والكوابيس لكل إنسان ذي وعي وضمير. ولم يكن السبب شح وسائل الراحة والأطعمة في هذه المؤسسة، إذ شوهدت فيها أكوام من المواد الغذائية المتنوعة والأفرشة والأسرة وكل اللوازم المطلوبة التي وفرتها الدولة أو المؤسسات الخيرية الأجنبية. فلماذا إذنْ حصل هذا الظلم وبهذه البشاعة؟ يبدو أن السبب الوحيد هو الشح في الضمير والإخلاق لدى المسؤولين عن هذا الميتم أو المصح أو الملجأ؟ إن هذه الصور المحزنة للأطفال في هذه المؤسسة تذكرنا بالصور البشعة لأعمال التعذيب التي تعرض لها عدد من سجناء أبي غريب قبل عامين والتي فضحتها مؤسسات إعلامية أمريكية وبواسطة الجنود الأمريكان أيضاً. وعندها أقام الإعلام العربي والعالمي الدنيا على تلك الصور بينما التزمت جانب الصمت إزاء صور الأطفال الأيتام العراقيين؟ علماً بأن الذين تعرضوا للانتهاكات في سجن أبو غريب كانوا من المتهمين بالجرائم البشعة ضد الشعب العراقي ومن أيتام نظام حكم البعث المباد، بينما ضحايا الميتم العراقي هم أطفال يتامى أبرياء لا حول لهم ولا قوة.
ويا للفضيحة، لقد خرج علينا وزير العمل والشؤون الاجتماعية السيد محمود الشيخ راضي اليوم 20/6/2007 على فضائية الشرقية، ينكر فيها حصول مثل هذا الإهمال بحق الأطفال، وصب جام غضبه على الأمريكان الذين اكتشفوا الجريمة ووصفهم بأنهم أعداء يجب عدم تصديقهم... وأنهم نشروا هذه الصور لأنهم أعداء العراق وليظهروا أنفسهم أنهم إنسانيون.. وأنه قريباً سيعقد مؤتمراً صحفياً ليوضح هذه المسألة. وفي دفاعه عما حصل، قال الوزير أن هذه المؤسسة هي ليست للأيتام بل للأطفال المعوَّقين... وكأنه يجوز إلحاق الأذى بالمعوقين.
أعتقد أن هذا التصريح يدل على عدم اهتمام الوزير الهمام بمحنة هؤلاء الأطفال.. ولا فرق أن يكونوا أيتاماً أو معوقين، إذ من واجب المؤسسة الحكومية أن تهتم بهم.. ودفاع الوزير المستميت عن المقصرين وإخفاء الجريمة هو من باب (العذر أقبح من الفعل) فبدلاً من أن يعترف بالخطأ والتقصير ويعاقب المجرمين ويعتذر للشعب العراقي إن لم نقل يستقيل كما يحصل في البلدان الديمقراطية الحقيقية في مثل هذه الحالات، يتنصل هذا الوزير من مسؤولياته ويدافع عن المقصرين ويتهكم على من اكتشف الجريمة ويصفهم بالأعداء، علماً بأن الجنود الأمريكان هم أنفسهم الذين اكتشفوا جريمة سجن أبو غريب وقاموا بفضحها على أوسع نطاق وتمت محاسبة المسؤولين عنها وفق أحكام عسكرية مشددة. كذلك نود أن نذكر السيد الوزير أنه لولا هؤلاء الأمريكان الذين وصفهم بالأعداء لما صار هو وزيراً ولما سمع به أحد، بل كان مازال مشرداً في المهجر. ولكن بدفاعه المستميت عن هذا الإهمال بحق الأطفال المعوقين، فقد حل لنا السيد الوزير لغزاً صعباً حيث فسر لنا لماذا احتل العراق أعلى مرتبة في الفساد الإداري في العالم. فإذا كان الوزير يدافع عن الفساد والتقصير، فلا عتب على الموظفين الصغار.
إن فضيحة (مؤسسة رعاية الأيتام أو مصح المعوقين) كبيرة جداً وأعتبرها أسوأ بكثير من فضيحة سجن أبي غريب لأن هؤلاء الأطفال صغار وأبرياء وأبناء ضحايا النظام الساقط، وهي جريمة كبرى يندى لها الجبين. كما أعتقد أن وراء هذه الجريمة ليس مسؤول المؤسسة المهزوم وحده فقط، بل لا بد وأن معه شبكة واسعة من المسؤولين المشاركين في هذه الجريمة. من المؤسف القول أن هذه الجريمة هي ليست حالة نادرة، بل دليل على مدى الانحطاط الإخلاقي الذي أصاب المجتمع العراقي بعمق وفي الصميم وعلى نطاق واسع، وأن العراقي مازال غير مؤهل لإدارة شؤون بلاده، لذلك نرى الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية من أعلى إلى أدنى مسؤول في الدولة. وهذا جزء يسير من الخراب البشري الذي تعرض له الشعب العراقي خلال حكم البعث الفاشي نحو أربعة عقود. إنه كارثة أخلاقية وإنسانية بشعة إلى أبعد الحدود. وهناك قصص مشابهة لهذه الجريمة تردنا بين حين وآخر لا يصدقها العقل، وما هذا القتل العشوائي للأبرياء على أيدي العراقيين أنفسهم إلا دليل واضح على هذا الخراب الإخلاقي.
على الحكومة العراقية أن تبحث في هذه الجريمة البشعة وتشكل لجنة دائمة لتفتيش المؤسسات المشابهة لمعرفة ما يجري فيها من انتهاكات وعلاجها قبل تفاقمها إلى هذه الدرجة البشعة. يجب تقديم الجناة إلى المحاكم الجنائية وفضح المدانين بها وتطبيق أشد العقوبات بحقهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر.
بقي علينا نذكر أن المؤسسة المسؤولة عن رعاية هؤلاء الأطفال الأيتام أو المعوقين، لا فرق، اسمها (دار الحنان)، فيا له من حنان، اللهم احفظ أطفال العراق من هذا النوع من الحنان.

د. عبدالخالق حسين
20/6/2007

ــــــــــــــــــ

تقرير موقع الأخبار: الكشف عن 24 طفلاً تعرضوا للمجاعة والإعتداء الجنسي في مؤسسة صحية في بغداد

http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20070620-31798.html