عنـدما يتنفـس الوطـن فـي رئـة المثقف ...

فـي غرفـة مجلس النواب ’ بتاريخ 08 / 06 / 2007 على البالتالك ’ حضرت نـدوة للأستاذين الكبيرن الصديقين قيس قره داغـي ومحمـود الونـدي ’ كان موضوعهـا غيـر مسبوق ’ يتمحور حـول وحـدة المصيـر والمستقبل وتلاقـي الأهـداف المشتركـة بين شيعـة العـراق وشعب كردستان ’ استمعت فيهـا للصوت الكردي الواضح المباشر الصادق ’ وقلب كردستان ينبض بالوداعـة والتسامح والأ لفـة والوفـاء وكأن يـد الشعب الكـردي تمتـد للأخـرين تبحث عـن عروة مشتركـة للصداقـة والثقـة والصراحـة والثبات علـى المباديء والقناعات للأمساك بهـا ’ وقـدما المحاظران دلائل وثوابت تاريخيـة ووقائـع من الحاضر عـن الأواصـرالماديـة والمعنوية والروحيـة والنفسيـة التي تجمع بين شعب كردستان وشعب الجنوب والوسط العراقـي ’ واكـدا على ظرورة ان تتصدر تلك المشتركات الأخويـة كأهداف وروابط للتضامـن والتوحـد المصيري لأنقاذ الشعبين والعراق بكاملـة مـن المأزق الراهـن .

كانت الندوة بمبادرة وادارة الكاتب الرائـع احمـد مهـدي الياسري ’ وبأسلوبـه الدافيء ومنطلقاتـه المتميزة قـدم الطائفـة الشيعيـة وهـي ترتـدي حقيقتهـا الوطنيـة وهويتهـا الأنسانيـة وجغـرافيتهـا كـقلـب يحتضـن جميـع المكونات التاريخيـة معـززة مكـرمـة شريكـة فـي البناء والتقـدم ’ لا يمكن لجماليـة الجنوب والوسط ان تكتمـل بدون روعـة طيفهـا ’ وكان الأستاذ الياسري نموذجاً مدهشاً ككاتب شيعـي يحمـل هـم العراق ـ كـل العراق ـ على اكتاف طائفتـه ومذهبـه .

كذلك مثلا وجهـة النظـر الكرديـة الأستاذين فؤاد رشيد ومحمـد غازي ’ ومثلا وجهـة نظـر الجانب الشيعي (الجنوب والوسط ) الأساتـذة رائـد محمـد وعلـي ال شاف وسيف الله علـي واخرون ’ وكان صوت الهـم العراقي للأستاذ والكاتب الجميل جواد كاظـم خلف ( ابو فيصـل ) حاضـراً نشطـاً سباقاً فـي اغنـاء الندوة .

ساهمـت شخصيـاً بما تسمـح بـه امكانياتي الأقل من المتواضعـة .

وانا استمـع لمداخلات الأخوة الأعـزاء كان الواقع العراق يوقضنـي ويستفزنـي ويعيـد الى ذاكرتـي بعـض الأسئلـة التـي لـم تغادرهـا اصلاً .

ـ اذا كانت تقاسيم البيت الكردي واضحـة على توجهات وطروحات الكتاب الكرد ’ فأين هـي تقاسيم البيت الشيعـي على منطلقات الكتاب الشيعـة ’ وهـو الممزق المبعثـر بين بيوتات واحـزاب ومليشيات ومرجعيات ايضاً ... ؟

ـ اذا كان الواقـع الكردستاني يمكن التعبير عـن ملامـح ومعالم هويتـه ’ فكيف يمكـن الأمساك بالواقـع الشيعـي والتعبير عن هوياتـه المتعددة ... ؟

ـ اذا ما امتدت يـد التضامن الكرديـة الى الكيان الشيعـي .. فأي يـد شيعيـة ستمسك بهـا وتشـد عليهـا ’ وجميعهـا تفتقـر الى الوضوح وثبات الأرادة واستقلاليـة القرار... ؟

ـ القيادات الكرديـة فـي وضـع تستطيع الأمساك بأوراق قضيتهـا والى حـد بعيـد تحسن ادارتهـا والحفاظ عليهـا ’ بينما القيادات والرموز الشيعيـة لا تملك اوراق قضيتهـا ’ مـن يملكهـا فـي الواقع ومـن يلعبهـا خسـارة وعلى حساب الكيان الشيعـي ... ؟ انهـا غير واثقـة من ذلك .

تلك الأسئلـة الغيـر مرغوب فيهـا ’ تعبـر عن واقـع مريـر وحقيقـة مؤلمـة لا يمكن القفـز عليهـا ’ وعلى مثقفـي الشيعـة بشكل خاص ومثقفـي الجنوب والوسط بشكل عام التوقف عنـدهـا ’ حيث ان التفائل المفرط ورؤيـة الواقع بنصـف عيـن والأفتقار الى الشجاعـة لأستيعاب اسباب الأنتكاسـة وتحمـل مسؤوليـة معالجتهـا وتجاوز اثارهـا ’ لا يمكن لـه ان يعطـي ثمـرة مستقبليـة على المديين القريب وحتى البعيـد ... ان المأزق والأرباك والضبابيـة تتفجـر داخـل الكيان ( البيت ) الشيعـي ’ ولا يمكـن بهـذه الحالـة المراهنـة علـى كيان مضطرب وبيت تمزقـه وتشتتـه الأهواء والأمـزجـة والأفراط فـي الأنانيـة .

اذا كان البيت الشيعـي كمـا هو عليـه الأن ’ مختـزلاً فـي بيوتات ورموز ومرجعيات ’ منفصلاً في الواقع عـن الكيان الملايينـي مرتبكاً فاقـد الرشـد والبصيرة مشدوداً الى مراكـز قـوى مختلفـة النوايا والأطماع ’ موزع الولاءات فاقـد الهويـة ’ ففـي هذه الحالـة لا يمكن التعويل عليـه او مطالبـة الأخرين للثقـة بـه والركون الى وعـوده والتزاماتـه ’ انه مثيـراً للقلق ’ وفـي جميـع الحالات يشكل حالـة ارباك وتخبـط للقضيـة العراقيـة برمتهـا ’ وثغـرة قاتلـة تنفـذ منهـا اطمـاع مـن يرى العراق كعكـة عليـه ان يسبق غيـره للأستئثار( فرهـدة ) بحصتـه مهما كان الثمـن الذي سيدفعـه العراق امناً واستقراراً وحاضراً ومستقبلاً ...

هنـا يأتـي دور المثقف الذي يجب ان يكون فاعلاً متقدماً غيـر تابعـاً مساومـاً لدور السياسـي .

الحالـة تلك لا تدعو للتشائم على الأطلاق’ فأن ظاهـرة الكتاب امثال احمـد الياسري ورائد محمـد وعلى ال شفاف وصالح البغدادي ونبيل الموسوي واحمد الشمري وسيف الله علي وكثيرين غيرهم ’ تـدل على ان هناك حالـة حراك وتغييـر فـي العمق تعبـر بنشاط عشرات الكتاب والسياسيين والأفاضـل مـن رجال الدين ’ وهنـا يمكن لمثقفـي الجنوب والوسط مـن خارج كيان الأسلام السياسي ان يمـدوا اواصـر الثقـة والحرص والتوجـه المشترك مـن اجـل اعادة اصلاح البيت الشيعـي بشكل خاص وصيانـة كيان الجنوب والوسط بشكل عام ’ والأبتعاد عـن النرجسيـة والأساليب غيـر المجديـة وتجاوز المفاهيم وردود الأفعال التي تكرر تغريدهـا الممل خارج دورة الحياة والواقـع والمتغيرات الأصيلـة ... انـه ردح لا معنـى ولا مبرر لـه .

اننـا نقف وجهـاً لوجـه امام مسؤوليـة جسيمـة ’ تتلخص فـي اعادة زراعـة ورعايـة الثقافـة الوطنيـة ذات الأبعاج الأنسانيـة واعادة بناء العلاقات الأجتماعيـة ( السلم الأجتماعـي ) على اسس فهـم الآخـر وقبولـة والدفاع عنـه ’ وانعاش اواصـر التسامح والمحبـة والثقـة المتبادلـة ... انهـا معركـة وعـي متعددة الجوانب والأبعاد ’ ويجب ان نشترك فـي خوضهـا ونزيل عـن الجسـد العراقـي كل الأثار والأوحال والعاهات التي تركتها همجيـة الأنظمـة العنصريـة والطائفيـة والشموليـة اوبئـة جسيمـة الأضرار ’ ونبـداء مـن الأغتسال الذاتي لكل من يتحمـل مسؤوليـة المواجهـة الى جانب الشعب والوطـن .

لقتد عبرا الأخوة قيس قـره داغـي ومحمود الونـدي الى جانب الأستاذ احمـد الياسري والأساتذة الذين ساهموا بحميـة وفعاليـة عـن مبادرة ايجابيـة رائـدة فـي الأتجاه الصحيـح ...ورغـم تواضعهـا لكنهـا تعبـر عن ظرورة وحتميـة تاريخيتين ’ ونهضـة شابـة تتمتـع بكـل مستلزمات ومقومات عافيـة مستقبلهـا .. انهـا صرخـة بوجـه الواقـع والمأزق والأنتكاسـة .. ان العراق الديموقراطي التعددي الفدرالـي سينهض حيث يبـداء التضامـن الفعلـي الكردي الشيعـي حاضنـة لجميع مكونات الشعب العراقـي واطيافـه الفكريـة والسياسيـة والمذهبيـة متمسكاً بعروة احتـرام وتقديس قيمـة وحريـة وكرامـة الأنسان العراقـي .

فـي الندوة كان العراق حقاً يتنفس برئـة مثقفيـه ’ والقيم العراقيـة كانت الأجواء التي يتحرك فيهـا المتداخلون .. افترقنـا ونحـن بأنتظار المزيـد مـن الفعاليـة والحيويـة والبناء الأنساني المشترك .

حسن حاتم المذكور
10 / 06 / 2007
smathcor@web.de