الثقافة الطائفية

في امسية ثقافية نوعية نظمها اتحاد الكتاب العراقيين في السويد ،مساء السبت الموافق 5/5/2007 في العاصمة ستوكهولم ،تحدث الكاتب والصحفي الصديق فرات المحسن عن ( احداثيات الثقافة العراقية بالأمس واليوم ) ،وفي محاضرته القيمة فتح جرحا من جراحنا الكثيرة المتعددة ،وبالرغم من كون الموضوع واسعا ومتشعبا، اعتقد من المفيد تسليط الضوء على إحدى هذه الأحداثيات واعني بها الثقافة الطائفية ، وكما هو معروف فأن لمفهوم الثقافة مئالت التعريفات، ويعرفها المعجم الوسيط بأنها ( العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق ) .

حيث يمكن ملاحظة تسيدها أي الثقافة الطائفية على المشهد الثقافي والذي هو بالتأكيد له ارتباط بالمشاهد الأخرى السياسي / الأمني / الأجتماعي ، يؤثر فيها ويتأثر بها ، وبالتأكيد فأن تأثير الثقافة الطائفية على المشهد الثقافي العراقي سلبيا ، ومع الأسف يمكن ملاحظة دور وسائل الأعلام المختلفة السلبي في ذلك ، من فضائيات / صحف / اذاعات / مواقع انترنيت / غرف بالتاك.

الثقافة الطائفية ليست نتاج اليوم او نتاج الأحتلال ، بل هي من تركة النظام البعثي الفاشي الثقيلة وليس خفي على احد ما الحقه نظام الأجرام والقتل من خراب وتشويه بالثقافة ، ولقد تجسدت اكثر خلال قمع النظام الفاشي لأنتفاضة آذار 1991 . وساهمت في تجذيرها ايضا بعض الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي كانت معارضة لنظام البعث الفاشي وقتذاك بدءا من مؤتمر صلاح الدين الى مؤتمر لندن والذي لعب السفير زلماي خليل زادة دورا كبيرا في تجذيرها خلال مؤتمر لندن ، ولعب بريمر دورا في تكريسها في مجلس الحكم .

الثقافة الطائفية الرائجة الآن في المجتمع العراقي يساعد على شيوعها قوى واحزاب سياسية لا تستطيع تنفيذ برامجها السياسية الا بالأرتكاز على الطائفية مستخدمة الدين لتحقيق مصالحها السياسية ، وكذلك قوى الأحتلال لها مصلحة ايضا في شيوع الثقافة الطائفية ولقد جنت ثمار ذلك بأن قوى واحزاب اسلاموية ذات نفس طائفي ، متباينة الأهداف ولكنها اتفقت على بقاء قوات الأحتلال والأحتماء بها .

الثقافة الطائفية تسهم في شيوع العنف والقتل والتخريب ، فهي ثقافة التخلف والأنتقام الأعمى ، ثقافة الجهل وشريعة الغاب واللاقانون ، ثقافة التزوير والتضليل ، وهي الثقافة التي لا ترى الا وجها واحدا من العملة ، ثقافة تكره الحياة وتدعو الى الموت وتمجيده .

الثقافة الطائفية تسهم في ضعف الولاء للوطن وتضعف شعور المواطنة وتدعو الى الولاء المذهبي ، والطائفيون أبعد الناس عن القيم الأنسانية والأسلامية الحقيقية ، ولنا في قراءة التاريخ عبرة وعظة ،فكما سجل التاريخ لعنته على الشاه اسماعيل الصفوي والسلطان العثماني سليم ياوز لما ارتكباه من مجازر طائفية في بغداد عام 1508م بالنسبة للأول ، وعام 1512م بالنسبة للثاني ، فكذلك يسجل لعنته على كل من يروج للطائفية ويرتكب المجازر تحت غطائها ، وللغرابة فأن من يقوم بحرق المساجد والحسينيات يرفع الصوت عاليا بـ " الله أكبر " اثناء ارتكابه جريمته ، متناسين ان هذه المساجد والحسينيات هي بيوت الله الذي يكبرون له .

ولايمكن التغاضي عن الدور الذي تقوم به دول الجوار وللأسف في تأجيج الفتن الطائفية ، ولشيوع الجهل وهبوط مستوى الوعي الثقافي دورا كبيرا في سهولة وسرعة قبول الثقافة الطائفية ، حيث دقت الطائفية اوتادها في ارض المجتمع العراقي .

واعتقد ان الأرتقاء بالوعي الثقافي او رفع مستوى الوعي الثقافي يحتاج الى جهد كبير وفترة زمنية قد تطول ومرتبطة بتحسن الوضع الأمني وخروج قوات الأحتلال ، ورغم قتامة المشهد الثقافي في الوقت الحاضر ، ولكن دوام الحال محال كما قيل قديما ، فسوف تتخلخل اوتاد الطائفية ويتم خلعها ، ولنا في ما حدث في المانيا وايطاليا إبان الحكم النازي والفاشي لهما ، وشيوع الثقافة النازية والثقافية الفاشية خير مثال ، فلقد ولتا الى الأبد ، وحلت محلهما ثقافة العقلانية والتسامح والتنوير.

جاسم هداد
9/5/2007