ثلاثيـة المـأزق الشيعـي ...

اعني هنا بالتحديد المأزق العام لجميع مكونات جغرافيـة الجنوب والوسط العراقي ’ ولكون الشيعـة هم الأغلبية المطلقـة والسبب المباشر لمآساتهم ’ فضلت الكتابـة عن المأزق بخصوصيتـه الشيعيـة .

ليس من باب الطائفية اذا ما قلت ’ ان الشيعـة من حيث مكونهـم المذهبي والجغرافـي ’ ليس هـم فقط الأغلبيـة في المجتمع العراقي’ بـل هم ايضاً تاريخاً وحضارة واقتصاداً ووطنيـة وتسامحـاً مذهبيـاً ’ يشكلون الأرضيـة التي ابتداءت فيهـا وازدهـرت المعنويـة التاريخيـة لحروف العراق الأربعـة ’ وهم الركيزة الأساسيـة التي لا يمكـن للعراق ان يبقى عراقاً اذا لم يقف عليهـا ’ لهـذا كانت ولا زالت وستبقى مصائب العراق مـن مصائبهـم وكوارثـه مـن كوارثهـم .

عاش معهم لألاف السنين الكثيرمن المكونات مـن غيرالشيعـة معززين مكرمين يمارسون عاداتهم واعرافهـم وتقاليدهم ومعتقداتهـم وشعائرهم بكامل حريتهم بين العشائر وبجوار الحسينيات اخوة في التراب والمصير’ ان مـن مارسوا جرائم تهميشهم واضطهادهم وتهجيرهم وابادتهم واجتثاثهـم هي حكـومات التطرف الطائفي العنصري مـن الطرف الآخـر ’ والحالة تبداء دائماً بأضطهاد واستعباد وابادة الشيعـة .

بعيداً عـن مآساة الشيعـة التي ابتداءت وتواصلت عبر مئآت السنين والتاريخ القمعي البغيض الذي عاشوه ’ سأشير فقط الى مآساتهم الداميـة التي رافقتهم منذ سقوط الدولـة العثمانية ونشوء الدولـة العراقيـة والى يومنـا هـذا واسباب مأزقهـم الراهـن’ والذي لم تستطيع الملايين من بنات وابناء الجنوب والوسط بأغلبيتهـم الشيعيـة تشخيص اسبابـه وتجنب مخاطره وتجاوزه بيقضـة ووعـي وشجاعـة وارادة والخروج نهائيـاً من دائـرة عذاباتهـم وكبواتهـم وعبوديتهـم وتدنـي ادميتهـم .

هناك ثلاثـة اسباب ( ركائز ) رئيسيـة تستنـد عليهـا تلك المآساة التاريخيـة والتي تراكت حولهـا الكثير مـن الأسباب الآخـرى .

1 ـ التدني المخيف للوعـي الجمعي واختناقـه تحت اكوام من العواطف والأنفعالات وردود الأفعال البدائيـة وغياب الرشد والغيبوبة المتواصلـة ’ وعبر سنوات الأقصـاء والأرهاب والحرمان والتجهيل والتضليل ’ اصبحت الأغلبيـة للكيان الشيعي داخل المجتمع العراقي ’ اقـرب الى الورم منـه الى العافيـة ’ فأضافـة لأنحسار دور الرجـل في مؤسسات الدولـة بحدود الجندي والشرطي والمخبـر وكاتب التقارير والمحقق فـي اوكار التعذيب وبعض الأعمال المتدنيـة الشأن ’ فهو ايضـاً المهجـر والمهاجر وذاك الذي تتشكـل منـه بعض حثالات المجتمع التي تفرزها البطالـة والجوع ’ وهناك اكثر مـن نصف الطائفـة مـن النساء ’ هو كيان معطل تماماً ’ اكوام من الأرامـل والعوانس ترزح تحت ثقـل الأيتام والفاقـة واليأس ’ او انهـا في افضل حالاتهـا لا تملك الا حريـة التنفس والحركـة بين المطبـخ والسرير .

الطائفـة بشكل عام لا تتعدى اهميتهـا وقيمتهـا حـدود الأرقام الجاهزة للتصويت تحت الطلب واذا ما اقتضت ظرورتها فحاجـة ترقيعيـة فـي منافسـة انتخابيـة او استعراضيـة .

2 ـ الركيزة الثانيـة لثلاثـي المآزق الشيعـي تتمثـل في دور اغلب القيادات والرموز السياسيـة والدينيـة ونظرتهـا غير الجديـة الى الملايين مـن بنات وابناء الطائفـة ’ فهي جاهزة فـي حالتين ’ فأما استعمالهـا حطـاءً من اجل مكاسب ذاتيـة او فئويـة ’ او التخلـي عنهـا صمتـاً وهروبـاً ’ اغلبهـا تنظـر الى حالـة تردي الوعي والسذاجـة والبلادة والتردد والهيجان اللاواعـي ’ علـى انـه مكسباً جاهـزاً موروثـاً مـن الأنظمـة الشموليـة السابقـة تستحق عليـه الشكر.

ان السنوات الأربعـة الأخيـرة اثبتت لعراقيي الجنوب والوسط ومنهم الشيعيـة بشكل خاص حقيقـة ما يعنون بالنسبة لقياداتهم ورمزهم السياسيـة والدينيـة ’ انهـا ( الطائفـة ) ليس اكثر مـن مادة تستطيع منها القيادات وبكل سهولـة تشكيل احزاب ومليشيات واجهزة وبمختلف الوظائف والمهمات ’ ويمكن ان تقايض وتحاصص وتبتز بأغليتهـا ’ وبأرزاقهـا تشيد جناتهـا الدنيويـة وعلى حساب جوعهـا تضاعف عافيـة كروش حساباتهـا المصرفية ’ وتستطيع ايضاً ان تمزقها وتفرقها وتجيشهـا ضـد بعضهـا والآخـر ’ ومن اجل التنكيل ببعضهـا مستعدة لمساومـة الآخر على حساب حاضر ومستقبل الطائفـة .

ان اغلب القيادات والرموز الشيعيـة حريصـة على تكريس ذلك الواقع المزري ’ وهي ترى بحذر ’ ان الوعي الجمعي للطائفـة يتعارض مـع طموحاتهـا ومكاسبهـا وامتيازاتها ورفاهتها الدنيويـة ’ لهذا تحرمـة وتكفـره وتفرض عكسـه وتحارب من يدعوا اليـه او يعمل به حـد التصفيات الجسديـة والسياسية والفكريـة .

ان كـذبـة وادعـاء تمثيلهـم والدفاع عن مصالحهم قد سقط ريشهـا واصبحت عاريـة لا تستحق عليهـا او مجرد الألتفات اليهـا .

3 ـ الركيزة الثالثـة والأخطر لمثلث المأزق الشيعي تتجسد في المواقف العدائية التاريخية للطائفين والعنصريين من الكيانات العروبيـة ’رسميـة وشعبيـة ’ ’ انهـا تمارس عنصريتهـا وشوفينيتهـا وطائفيتهـا المقيتـة بهمجيـة منظمـة وحملات ابادة متواصلـة للوعـي والأرادة والأنسان ’ فقط مـن اجل الأستحواذ على جغرافيـة العراق وعروبـة وقوميـة نفطـه وثرواته وجعل مدن الجنوب والوسط العراقي مراكز استئطان لسماسرتهم ومخابراتهـم والفائض من حثالات غوغائييهـم ’ وينظرون الى شيعـة العراق كالعقدة والعقبـة التي بجب ان يمسحوا بها الأرض .

تلك هي مصيبـة اهـل العراق التاريخيـة والركيزة الأخطـر فـي مثلث المأزق لعراقيي الجنوب والوسط .

قـد يعتقد البعض اني مصاب بالأحباط والأنهزاميـة ونفاذ الصبـر ’ قـد يوجـد شـيء من هـذا ’ لكني احاول ان لا اخدع نفسي على الأقل اواجعل الوعي اجيراً للعاطفـة ’ واحاول ايضاً ان ارى الواقـع كمـا هـو من اجل ان تكون ردود افعالي ايجابيـة داخل حدود الواقـع في الأقل .

وقـد يسأل البعض ايضاً .

هـل ان عراقيي الجنوب والوسط بأغلبيتهم الشيعيـة قـد استسلموا نهائيا لقدرهـم الراهـن ... ؟

ابـداً ـ لا ـ ان ديالكتيك الحياة وصدام المصالح وحالات الشك والأستنتاج ودروس التجربـة تفرز حراكاً نشطاً من عمق المأساة والجديد في الواقـع تساعد وتسرع فـي خلع جلـد المآزق تماماً كما تفعل الأفعى .

هنـا ينبغي على المخلصين مـن رجال الدين الأفاضل والسياسيين والمفكرين والمعرفيين مـن عراقـيي الجنوب والوسط’ ان يترك مواقع الترقب السلبي ويلتحقوا بحراك ونهوض اهلهـم ’ فهم في مأزق قـد يتفجـر اخطاراً وكوارثاً فادحـة تأتـي على حاضرهم ومستقبل اجيالهم وترميهم لمئآت السنين في مربـع عبوديتهـم ومعهـم العراق بكاملـه .

حسن حاتم المذكور
03 / 05 / 2007