دور السعودية في دعم الإرهاب والتطرف والتخلف

مقدمة
المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العصر الراهن التي سميت باسم عائلة مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود، بمعنى أنها دولة تابعة لعائلة وليس لشعب أو وطن. وقد تأسست هذه المملكة في أوائل القرن العشرين نتيجة التزاوج بين هذه العائلة وحركة الوهابية (نسبة إلى مؤسسها الشيخ محمد بن عبدالوهاب) التي هي حركة دينية متشددة من المذهب الحنبلي (نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل) المعروف بالتشدد والذي واجه مقاومة من قبل المذاهب الإسلامية الأخرى، السنة والشيعة، لأن هذه المذاهب ترفض العنف والتشدد، لذا لم ينتشر هذا المذهب إلا في المجتمعات الصحراوية القاسية مثل صحراء الجزيرة العربية.

والحركة الوهابية، استلمت جرعة أقوى من العنف والتطرف في هذه الجماعة والتي تلائم ظروف الصحراء في نجد. إذ يفيد علم الاجتماع أن المجتمعات المعزولة عن العالم وخاصة تلك المحاطة بالصحراء أو السلاسل الجبلية الوعرة، تتعصب لثقافاتها وتقاليدها وأديانها أكثر من غيرها وتضفي عليها صفة الحق المطلق، وتحمل العداء والبغضاء للآخرين ولكل من يختلف معها في قيمها وعاداتها. بينما المجتمعات الساحلية أو التي تسكن في مناطق سياحية حيث تختلط مع الشعوب، تمتاز بروح التسامح والتقارب والتساهل مع معتقدات وثقافات الشعوب الأخرى. لذلك وجدت الوهابية تربتها الخصبة في صحراء الجزيرة العربية، كما ونرى معظم الإرهابيين الإسلاميين هم من هذه المناطق المعزولة. لذا لا غرابة أن نرى 15 من 19 إرهابياً شاركوا في جريمة 11 سبتمبر 2001 كانوا من السعوديين.

لا نريد في هذه المداخلة سرد تاريخ المملكة والوهابية، إذ ما يهمنا هنا هو دور هذه المملكة الوهابية في نشر التطرف الديني والعداء للعالم ولأصحاب الدينات والمذاهب الأخرى ومقاومة التطور الاجتماعي والسياسي، إذ مع الزمن صارت تعاليم الوهابية الدستور المقدس الذي تسير عليه المملكة التي صارت النموذج المتطرف للدولة الدينية في عهودها المتخلفة ضاربة عرض الحائط مستحقات الزمن وكل التطور الذي حصل خلال 14 قرناً، وحتى في علمها وضعت رموز دينية إسلامية مثل عبارة (لا إله إلا الله) والسيف الذي يرمز إلى العنف، وبذلك ربطت الدول السعودية الإسلام بالعنف في علمها.

الوهابية والأخوان المسلمون
ونتيجة لظروف الصحراء القاسية الخشنة وصعوبة العيش فيها، نرى معظم الوهابيين يتصفون بالقسوة والخشونة والرعونة والعداء للمدنية، والنظرة الدونية إلى سكان المدن، دون أي اهتمام بالحياة، مع احتقار شديد للعقل والفكر. فمؤسس الحركة محمد بن عبدالوهاب هو صاحب القول المشهور: "الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف". لذلك فالمذهب الوهابي يحارب الثقافة والمعرفة، وهو مزيج من التعاليم والقيم البدوية منذ العصر الجاهلي، أضيف إليها بعض التعاليم الدينية لإضفاء القداسة عليها، حيث اتخذوا من الدين الإسلامي تلك النصوص التي توافق مزاجيتهم البدوية الصحراوية وتراثهم البدوي التي تلائم الصحراء في العنف والتشدد والتزمت والغزو والقتل، وطبقوها خارج سياقها التاريخي.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الاسم الآخر لأتباع الوهابية هو (الأخوان). ولما انتعشت المملكة اقتصاديا بالواردات النفطية، استثمر الوهابيون هذه الثروة في نشر مذهبهم وتكوين أحزاب سياسية دينية خارج المملكة. وكان حزب الأخوان المسلمين في مصر في الثلاثينات من القرن العشرين هو من ثمار هذه الجهود والأموال. فمصر تمتلك الثقافة وتفتقر إلى المال، بينما السعودية تمتلك المال وتفتقر إلى الثقافة. لذلك استمال الوهابيون بعض رجال الدين في مصر مثل حسن البنا ومن بعده سيد قطب وأسسوا حزب الأخوان المسلمين، والاسم له علاقة بـجماعة الأخوان أي الوهابية كما بينا أعلاه. ومن هنا راح تنظيم حزب الأخوان المسلمين في الانتشار وفتحت له فروع أخرى في معظم البلاد العربية والإسلامية. وكما ذكرنا آنفاً أن الوهابية تحتقر الثقافة والمعرفة والفكر، وهذه العدوى انتقلت إلى قادة الأخوان المسلمين في محاربتهم للحضارة الغربية. لذلك نرى سيد قطب يصف في كتابه (معالم على الطريق) الحضارة الغربية بالجاهلية. يعني الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان والعلوم والفنون والفلسفات وكل هذه الأفكار الراقية التي هي نتاج أفكار العلماء و الفلاسفة العظام منذ فلاسفة الإغريق القدماء مثل سقراط وإفلاطون وأرسطو إلى فولتير وروسو وسارتر وجون لوك وبرتراند راسل وتوماس أديسون وتشارلس دارون وألبرت آينشتاين والمئات من أمثالهم هم جهلة، والثقافة الحقيقية في رأي الأخوان المسلمين هي تلك التي يروج لها فقهاء الموت من أمثال يوسف القرضاوي ومهدي عاكف وراشد الغنوشي وحارث الضاري وأمثالهم الذين يخدعون الشباب الفقراء لتحويلهم إلى قنابل بشرية انتحارية لقتل الأبرياء معهم.

دور السعودية في تأسيس منظمات الإرهاب
بعد الانقلاب الذي أطاح بالملكية في أفغانستان عام 1973 وتبعته سلسلة من انقلابات وأحداث عنف انتهت بقيام قيام النظام الشيوعي والاحتلال السوفيتي عام 1979 حيث التقت مصالح الدول الغربية بقيادة أمريكا مع مصالح الوهابية السعودية، خاصة خلال الحرب الباردة التي كانت على أشدها. استغلت أمريكا الاتجاه الوهابي وصرفت المليارات على تشكيل الأحزاب والمليشيات الإسلامية لمواجهة الشيوعية في أفغانستان. وكانت منظمة القاعدة وبن لادن وحركة طالبان ومنظمات المجاهدين الأخرى نتاج هذا التحالف الغربي- السعودي غير المقدس.
واستغلت السعودية هذه الفرصة فصرفت المليارات من الدولارات على فتح الألوف من المدارس الدينية في مصر وباكستان وغيرهما والتي صارت معامل تفريخ للإرهاب ونشر الفكر الوهابي، وتشجيع الشباب العرب وخاصة الفقراء منهم، مستغلين ظروفهم المعيشية القاسية، في الانخراط في منظمات المجاهدين في أفغانستان والذين أطلق عليهم فيما بعد بـ( عرب الأفغان). وهناك دراسة أمريكية تفيد أن السعودية صرفت نحو 70 مليار دولار على نشر الوهابية والتطرف الديني والأحزاب الإسلامية والمدارس الدينية خلال الأربعين سنة الماضية.
لذلك انتعشت الأحزاب الدينية المتطرفة في البلاد العربية حيث نجحت في استمالة الجماهير لها عن طريق تقديم خدمات اجتماعية لها وفتح مستشفيات وأسواق خيرية، خاصة والقسم الأعظم من هذه الجماهير تعاني من الفقر المدقع. فمن أين جاءت هذه الأحزاب بهذه الأموال؟ لا شك أنها من السعودية وتبرعات أمراء وأثرياء الخليج.

وأخيراً تم لهم ما أرادوا حيث سقط النظام الشيوعي في أفغانستان، ثم بدأت الحروب الأهلية بين مختلف فصائل أحزاب المجاهدين هناك انتهت وبمساعدة الجيش الباكستاني إلى سيطرة " طالبان" على الحكم وإعلان إمارة أفغانستان الإسلامية بإمارة "أمير المؤمنين" الملا عمر، وبتمويل من المواطن السعودي أسامة بن لادن زعيم منظمة القاعدة الإرهابية المعروفة وجهات أخرى.
وبعد أن تم القضاء على الخطر الشيوعي، ليس في أفغانستان فحسب، بل وفي العالم كله حيث سقط جدار برلين وانهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وتفككت الكتلة الاشتراكية، وانتهت الحرب الباردة لصالح الغرب، توهم المجاهدون أنهم هم الذين عملوا كل ذلك، فانتعشت أحلامهم وتوسعت طموحاتهم إلى ما وراء أفغانستان، فتصوروا أن الوقت قد حان لتحقيق طموحات الوهابية وأحلام الأخوان المسلمين في إقامة دولة الخلافة الإسلامية وإعلان الحرب على العالم كله وفق تقسيمهم له إلى (دار الإسلام ودار الحرب).

وانقلب السحر على الساحر
لقد طبقت أمريكا مبدأ (حارب عدوك بعدو آخر) فاستخدمت الإسلاميين لمحاربة الشيوعية في أفغانستان. لذلك أقامت أمريكا، وبمساعدة السعودية وأموالها النفطية الهائلة، منظمات المجاهدين الإسلامية بما فيها منظمة القاعدة لهذا الغرض. كما واستغلت الحكومات العربية المستبدة الإسلاميين لمواجهة التيار الديمقراطي الليبرالي في بلدانها.
ولما عاد عرب الأفغان إلى بلدانهم بعد انتهاء مهمتهم في أفغانستان وجدوا أنفسهم لا يجيدون أي عمل آخر سوى ممارسة الإرهاب الذي يسمونه الجهاد في سبيل الله. فكانت حوادث الجزائر التي أودت بحياة نحو ربع مليون نسمة من هذا الشعب المسكين، وحوادث إرهابية أخرى في معظم البلدان العربية والإسلامية بما فيها السعودية نفسها. وقد بلغت جرائم الإرهابيين الذروة عندما قامت منظمة القاعدة بجرائم 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا نفسها وعلى أرضها وبطائراتها، الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إعلان الحرب على الإرهاب العالمي.
إن أحداث 11 سبتمبر هي النتيجة المنطقية لقوانين حركة التاريخ. إذ كما تقول الحكمة "من يزرع الشر لا يحصد إلا الشر" و"رب ضارة نافعة". إن كارثة 11 سبتمبر هي التي أخرجت أمريكا من صمتها وحيادها إزاء جرائم منظمة "القاعدة" الإرهابية. فلولا تدخل أمريكا في مواجهة هذا الإرهاب العالمي المتصاعد، لكان بإمكان منظمة القاعدة إشعال الحرائق ونشر الإرهاب وقتل الأبرياء في معظم بلدان العالم وبالأخص البلدان العربية وإسقاط الحكومات العربية والإسلامية الواحدة تلو الأخرى وإعادة المنطقة إلى الحياة البدائية المظلمة كالتي عاشها الشعب الأفغاني في عهد حكم الطالبان الأسود. فأحداث 11 سبتمبر هي التي دفعت أمريكا بإمكانياتها الهائلة لخدمة البشرية وحماية الحضارة الإنسانية من الهجمة البربرية التي تقوم بها منظمات الإرهاب الإسلامية. وهذا هو منطق وحكم التاريخ، أي الصراع بين الأضداد والاختيار الطبيعي والبقاء للأصلح، وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح. ولكن متى يفهم القادة العرب هذه الحكمة التاريخية؟

السعودية مازالت تدعم الإرهاب
بينما أعلنت أمريكا حربها العالمية على الإرهاب الإسلامي العالمي، إلا إن حليفتها المملكة العربية السعودية، وبعض الدول الخليجية، مازالت تدعم منظمات الإرهاب، مالياً وإعلامياً وتروِّج له بالإعلام وتغذيه بالفتاوى الدينية، على أمل أن ترشي هذه المنظمات فلا تقوم بالأعمال الإرهابية في بلدانها بل تقوم بها في بلدان أخرى. لذلك نرى السعودية تحارب الإرهاب في بلادها وتسميه إرهاباً، ولكنها تشجعه في العراق وفي البلدان العربية الأخرى وتسميه جهاداً في سبيل الإسلام. فهناك تقرير على صحيفة "الأخبار" الإلكترونية، يفيد "أن السعودية، حكومة وشعباً، تعتبر أكبر ممول لما يسمونه "العمليات الجهادية" في العراق مؤكدين بذلك التقارير التي تشير الى أن السعودية ترسل ما قيمته مليونين من الريالات السعودية يوميا لدعم المجهود الحربي التخريبي في العراق ." (رابط المصدر أدناه).
والقيادة السعودية تحاول إظهار نفسها بأنها تتبع سياسة ذكية، فهي صديقة لأمريكا وللغرب من جهة، وتدعم الإرهاب الإسلامي في العراق بحجة نصرة أخوتهم السنة من جهة أخرى. وما التصريح السعودي الأخير في عدم الترحيب بزيارة نوري المالكي إلى المملكة إلا دليل على هذا الموقف الطائفي الوهابي. فلو كانت القيادة السعودية تتمتع بذرَّةٍ من الحكمة لما صرحت بذلك ولرحبت بالمالكي وأظهرت نفسها أنها فعلاً محايدة وضد الطائفية ولو فقط في الظاهر ومتطلبات الأتيكيت، وأنها حقاً تسعى من أجل استقرار العراق الذي بدونه لا يمكن تحيق أي استقرار في المنطقة. ولكنه الجهل المفرط والتعصب الطائفي البدوي الأهوج هو الذي أصابهم بالعمى عن رؤية السياسة الصائبة. وهذه السياسة الخاطئة لا بد وأن تجلب الكوارث على من يمارسها، فمن يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك.
كما وتصلنا معلومات من أصدقاء في السعودية تفيد أن دوائر الجوازات هناك تعمل ليل نهار لإنجاز معاملات السعوديين الراغبين بالسفر إلى العراق. والسؤال هو: لماذا يريد هؤلاء السعوديون التوجه إلى العراق وفي هذا الوقت بالذات؟ هل هناك سبب آخر غير ممارسة الإرهاب وقتل العراقيين الأبرياء؟ فالطريق إلى حور العين وولدان المخلدين يمر عبر العراق في رأي هؤلاء بعد أن تم شحن عقولهم الفارغة بثقافة الموت واحتقار الحياة.

دلائل ضد الإصلاح
تتظاهر القيادة السعودية بأنها مع الإصلاح السياسي والتطور الاجتماعي ولكنها تريدهما أن يحصلا بالتدريج وبدون قفزات وهزات سياسية عنيفة. ولو كانت السلطة صادقة بهذا القول لصفقنا لها بأيدينا وقلوبنا، فنحن الليبراليين نطالب بالإصلاح التدريجي لا بالقفزات، وبأقل خسائر أو هزات عنيفة كما حصل في العراق وفي مناطق أخرى من العالم. ونحن ندرك أنه لا يمكن، وليس صحيحاً، حرق المراحل والقفز عليها. ولكن في الواقع ليس هناك أي دليل على أن السعودية تعمل بهذا النهج ولا على تهيئة البيئة والظروف للإصلاح السياسي من أي نوع كان ولو حتى بالحجم المجهري! بل العكس، لدينا أدلة كثيرة تشير إلى إن المملكة مصرة على دعم التيار الوهابي المتشدد ضد الإصلاحيين، نذكر هنا بعضاً منها:

أولاً، موقف السلطة من الإصلاحيين
نظراً للأموال الهائلة التي جلبتها الثروة النفطية، حصل في المملكة تطور اجتماعي عفوي وغير مقصود من السلطة، ومن نتائجه أن ظهرت شريحة واسعة من المثقفين الليبراليين ومنهم شخصيات بارزة في مجال الفكر والثقافة، دون أن يرافقه أي تطور سياسي، إذ بقيت السلطة المطلقة بيد العائلة المالكة المتحالفة مع المؤسسة الدينية المتشددة. ومن هنا بدأ التحرك من قبل بعض المثقفين بقصد الإصلاح السياسي والاجتماعي. فقدم قبل عامين أربعون مثقفاً سعودياً عريضة إلى الملك عبدالله (ولي العهد آنذاك) طالبوا فيها إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاجتماعية من أجل تجنيب شعبهم من مخاطر التحولات الثورية العنيفة وعواقبها الوخيمة. فاستقبلهم ولي العهد بكل حفاوة ورحب بهم واستمع إلى مطالبهم ولآرائهم، وناقشهم فيها بوِّد وأكد لهم أن هذه المطالب هي من بنات أفكاره أيضاً وأنه مقدم عليها ولكن تدريجياً.

فخرج وفد المثقفين الإصلاحيين من اللقاء فرحين مستبشرين بالخير القادم لبلادهم! ولكن بعد ثلاثة أيام من ذلك اللقاء فوجئوا بإلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة، واقتيدوا إلى دوائر الأمن ووجهت لهم تهمة التآمر على أمن الدولة، وطلب منهم توقيع وثيقة براءة مما جاء في عريضتهم والتعهد بعدم تكراره وإلا سيقضون ما تبقى من حياتهم في السجن. وأمام هذا التهديد والاتهام وخوفاً على حياتهم ومصير عائلاتهم وقَّّع معظمهم ورقة البراءة والتعهد، ورفض 13 منهم ذلك فتعرضوا للسجن والتعذيب، ولحد الآن لا ندري بمصيرهم. فهل هذا الموقف دليل على رغبة السلطة في الإصلاح التدريجي أو غيره؟

ثانياً، نشر ثقافة التحريض وحجب ثقافة التنوير
في حالة رغبة السلطة في الإصلاح التدريجي لشعب ذي خلفية قبلية بدوية مثل السعودية، لا بد وأن تقوم السلطة بعملية التمهيد له بنشر الفكر التنويري والتضييق على الفكر السلفي تدريجيا. إلا إن الذي يحصل هو العكس، أي محاصرة المثقفين التنويريين ونشر الفكر السلفي الظلامي والترويج لثقافة الكراهية والبغضاء والعداء لأصحاب الديانات والمذاهب الأخرى. فقد حجبت السلطة عن الشعب السعودي جميع مواقع الإنترنت التنويرية مثل إيلاف والحوار المتمدن وآفاق وغيرها. كذلك تتم مصادرة معظم الكتب التنويرية التي تدخل البلاد عن طريق المطارات، بل وحتى الروايات التي يكتبها أدباء سعوديون مثل المفكر السعودي الليبرالي الدكتور تركي الحمد ممنوع نشرها في السعودية. بينما تصدر مؤسسات رسمية مثل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كتباً تدعو إلى قتل المثقفين مثل كتاب "الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" لمؤلفه: الدكتور سعيد ناصر الغامدي ، وهو كتاب ضخم يقع في ثلاثة مجلدات و2317 صفحة يكفر به أكثر من مائتي مبدع عربي. وقد نشر الصديق الدكتور شاكر النابلسي رسالة مفتوحة إلى خادم الحرمين يلتمس فيها جلالته التدخل ضد هذا الكتاب وأمثاله من الحملات التي تروج للتطرف والتحريض على قتل المثقفين، ولكن الالتماس وقع على أذن صماء. (شاكر النابلسي، - رسالة مفتوحة إلى خادم الحرمين ...) فهل هذا دليل رغبة السلطة في الإصلاح التدريجي؟

ثالثاً، محاربة المرأة في أبسط حقوقها
في السعودية مازالت المرأة محرومة من أبسط حقوقها الإنسانية إلى حد أنها ممنوع عليها حتى قيادة سيارة وتعامل كبضاعة لإشباع رغبات وحاجات الرجل ليس غير. فقبل أعوام حصل نوع من التحدي من قبل مجموعة من المثقفات الجامعيات الجريئات، وقمن بقيادة سياراتهن في مدينة الرياض، فما كان من السلطة إلا وقامت بإلقاء القبض عليهن وتوجيه تهمة الشيوعية والإباحية الجاهزة لهن وفصلهن من وظائفهن.

رابعاً، شراء وسائل الإعلام الليبرالية من أجل منعها من نقد سياسة المملكة
تحاول السعودية إسكات أي منبر إعلامي أو كاتب ليبرالي من نقد سياساتها بشتى الوسائل، ومنها شراء الصحف والمنابر الإعلامية الليبرالية كما حصل لصحيفة الحياة اللبنانية التي تصدر من لندن. وفي هذه الحالة يسمح لليبراليين وحتى الشيوعيين بالكتابة في هذه الصحف ولكن على شرط أن لا يتعرضوا بالنقد للسعودية ومن أي نوع كان هذا النقد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما حصل للمفكر التونسي الأستاذ العفيف الأخضر الذي كان له عمود أسبوعي في صحيفة الحياة. فبمجرد أن انتقد مرة سياسة السعودية في إحدى مقالاته قبل عامين حتى وأصدر مالك الصحيفة وهو أمير سعودي، أمراً بمنعه من الكتابة في هذه الصحيفة، وحرموا القراء من الاستفادة بمقالاته التنويرية.

خامساً، الاستمرار في التمييز الطائفي
نحو 10% من الشعب السعودي هم من الشيعة معظمهم يقطنون المناطق الشرقية من البلاد والغنية بالنفط إلا إنهم محرومون من ثروات بلادهم ويعيش معظمهم دون خط الفقر. وهؤلاء يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية إن لم نقل من الدرجة العاشرة، لا تقبل منهم حتى شهادتهم في المحاكم. وتغلق مساجدهم وحسينياتهم بدون أي سبب. وأخر عملية غلق تم قبل أيام وفق التقرير المنشور في صحيفة آفاق الإلكترونية. كذاك موقف السعودية الطائفي من الوضع العراقي الذي أشرنا إليه في مقال سابق لنا.
لا شك أن هناك أدلة كثيرة أخرى على عدم جدية النظام السعودي في الإصلاح السياسي والاجتماعي، ولكن نكتفي بهذا القدر إذ لا يسع المجال لذكر المزيد.

الخلاصة: من الواضح أن قيادة المملكة العربية السعودية ليست جادة في الإصلاح السياسي والاجتماعي مطلقاً، ولم تستخلص أي درس أو عبرة من التاريخ. ونحن بهذه المقالة نوجه نصيحة مخلصة للسلطة السعودية ولمصلحتها ومصلحة الشعب السعودي والبشرية جمعاء، إن التطور سنة الحياة، وأي نظام يقف مانعاً للتطور سيسحقه التاريخ بعجلاته الثقيلة. فمن مصلحة العائلة الحاكمة أن تذعن لمتطلبات التاريخ، وأن لا تقف عقبة كأداء أمام التطور. كذلك ننصح السلطة السعودية بكل إخلاص، أن تقف ضد الإرهاب قولاً وعملاً، سواءً في بلادها أو خارج بلادها.
فالنصر المؤزر للحضارة الإنسانية على بربرية الإرهاب الإسلاموي، فالإصلاح سيتحقق في جميع الأحوال، إن عاجلاً أم آجلاً، ولكن يكون أقل كلفة إذا ما قام النظام نفسه به، أما إذا اختار معارضة التطور فمصيره كمصير من عارض الحضارة الإنسانية، في مزبلة التاريخ.

د. عبدالخالق حسين
29/4/2007

ـــــــــــــــــــــــ

المصادر
1- تقرير موقع الأخبار:السعودية، حكومة وشعبا أكبر ممول للإرهاب في العراق
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20070428-28829.html

2- عبدالله السمطي: تكفير أكاديمي لأكثر من 200 مبدع عربي
http://www.metransparent.com/texts/abdullah_al_samti_saudi_book_vs_200_arab_intellectuals.htm

3- شاكر النابلسي: - رسالة مفتوحة إلى خادم الحرمين ...
http://www.metransparent.com/texts/shaker_al_nabulsi_open_letter_to_king_abdullah_bin_abdulaziz.htm

4- آفاق: السلطات السعودية تغلق مأتما حسينيا للطائفة الشيعية في مدينة الدمام
http://www.aafaq.org/report/aa/3367.htm