في ذكرى اكبر عملية تهجير عرقي وطائفي للكورد الفيلية
أما آن الآوان لاعادة حقوقهم المغتصبة؟

تمر علينا هذه الايام الذكرى السابعة والعشرون لواحدة من ابشع الجرائم ضد الانسانية (جريمة تهجير اكثر من نصف مليون مواطن من الكورد الفيليين في ربيع 1980)، عندما هاج اوغاد النظام الدكتاتوري الفاشي وتحولوا الى حيوانات متوحشة متلبسين آثام هتلر وموسوليني وهولاكو ونيرون ونالوا مباركة كل طغاة الزمان. ولم يكتف المجرمون الاوغاد بتهجير هؤلاء المواطنين بل تمادوا في غيهم وحجزوا اكثر من خمسة عشر الف شاب من ابنائهم، جرى اعدامهم لاحقا بعد قضائهم سنين طوال في سجون النظام.
كما قام الاوغاد المتوحشون بعمليات تهجير العوائل بواسطة شاحنات النقل مكدسين الاطفال والنساء والشيوخ والشباب في تلك الشاحنات مجردين من كل شيء سوى ملابس النوم الخفيفة التي كانت تكسو اجسادهم والقاءهم على الحدود الايرانية (وسط حقول الالغام التي أودت بحياة العشرات منهم)، يفترشون الارض ويلتحفون السماء.
انها حقا جريمة يندى لها جبين كل انسان حر شريف، وايضا وصمة عار في جبين الطغاة الذين باركوا لقرينهم طاغية العراق وبرروا انتهاكه لحقوق الانسان وحقوق مواطنة ابناء هذه الشريحة بالغاء هويتهم الوطنية وانتمائهم لارض العراق بجرة قلم (حسب وصف الطاغية صدام).
ان هذه الجريمة لم تأت من فراغ بل لها جذورها البعيدة منذ توارث المحتلون البريطانيون حكم العراق من سلطات الاحتلال العثماني المتخلف بكل سلبياتها وحقدها وممارساتها الشوفينية وسياستها الطائفية.
لقد وقف الكورد في مواجهة الاحتلال البريطاني، كما وقف ابناء الطائفة الشيعية ايضا ضد المحتل البريطاني وقاوم الكورد الى جانب العرب معا في ثورة العشرين.
وعند تأسيس الحكم الملكي في العراق تحت الاحتلال ثم الانتداب البريطاني، وضعت الادارة البريطانية مع رئيس الوزراء المعين من قبلهم عبد الرحمن النقيب ضوابط لحكم العراق عرفت بـ (ضوابط بيرسي كوكس- النقيب) الهدف منه ابعاد الكورد والشيعة عن تولي المناصب والمراكز الادارية والعسكرية المهمة في الدولة الجديدة.
ولما كان الكورد الفيليون من اتباع المذهب الشيعي فقد كان الجور والاضطهاد مضاعفا عليهم منذ تأسيس الحكم الملكي في العراق تجسد ذلك في قانون الجنسية العراقية بشكل جلي حيث منحت السلطات العراقية بموجب ذلك القانون شهادة الجنسية العراقية من التبعية الايرانية، أي مواطنين من الدرجة الثانية، بينما جرى منح ابناء القومية التركية والافغان والهنود والداغستان والشيشان والاليان وآخرين من اصول نازحة من دول الجوار العربي شهادة الجنسية العراقية من التبعية العثمانية أي مواطنين من الدرجة الاولى.
مما أدى بالتالي الى تعرض ابناء هذه الشريحة الكوردية العراقية الى الوان الجور والاضطهاد والحرمان من الوظائف ومراكز المسؤولية على الرغم من اصالة وعراقة ابناء هذه الشريحة وارتباطهم الوثيق ببلاد ما بين النهرين وبحضارة بلاد الرافدين منذ آلاف السنين تشهد على ذلك آثارهم الموجودة في عكركوف واشنوناك وجبال حمرين وعقر مما يدل على عمق صلتهم بتاريخ هذه الارض.
الا ان هذه الاصالة وهذا الارتباط بارض هذه البلاد لم يرضِ شذاذ الافاق الذين ناصبوا العداء لهذه الشريحة بسبب دورهم المشرف في مقارعة الاحتلال البريطاني ومن ثم مقارعة السلطات الملكية للدفاع عن حقوق الشعب العراقي في الحرية واقامة النظام الديمقراطي، ومشاركاتهم الفاعلة في مجمل نشاطات الحركة الوطنية العراقية وحركة التحرير الكوردستانية كما كان لهم شرف اسناد ومؤازرة ثورة الرابع عشر من تموز، واحباط محاولات النيل منها.
وكان لهم الدور المشرف في مقاومتهم البطولية الباسلة لانقلابيي الثامن من شباط الاسود عام 1963 ومقارعتهم للحكومات الدكتاتورية التي اعقبت ذلك الانقلاب المشؤوم الذي جلب الطاعون الاسود للعراق وما زال الشعب العراقي يدفع من دمه وابنائه وثرواته نتيجة ذلك الانقلاب الدامي.
لقد رفد الكورد الفيليون الحركة الوطنية والكوردستانية العراقية بعناصر يشهد لهم القاصي والداني كذلك كان لهم الدور الكبير في المشاركة في الانشطة الاقتصادية المتعددة، وكان التجار الفيليون يشكلون الركن الاساس في السوق التجارية والصناعية، وايضا كان للفيليين دورهم البارز في رفد الحركة الرياضية برموز سجلت حضورها في ساحات الرياضة الاولمبية.
اما على الصعيد الثقافي والفني فهناك اسماء لامعة اخذت مكانها الطبيعي في مجمل النشاطات الثقافية والفنية، حيث برز منهم ادباء وصحفيون واساتذة جامعيين وفنانين تفخر بهم المؤسسات الثقافية والفنية العراقية.
وللأسباب اعلاه ثارت حفيظة النظام الدكتاتوري المباد فقام بجريمته النكراء ضد ابناء هذه الشريحة في ربيع عام 1980 بتهجيرهم الى خارج ارض الوطن ومصادرة هويتهم الوطنية وقتل فلذات اكبادهم ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم وعقاراتهم.
وبعد زوال ذلك النظام القمعي الاستبدادي استبشر الكورد الفيليون خيراً باعادة حقوقهم واسترداد الهوية الوطنية بالتساوي مع باقي المواطنين العراقيين في قانون الجنسية والغاء لعنة التبعية الايرانية التي ما زالت تلاحقهم حتى في قانون الجنسية الجديد.. في الوقت الذي لم تمنح ايران أي مهجر جنسيتها ومازال الكثيرون منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين على اطراف المدن الايرانية بدون هوية واضحة، فقط منحوا بطاقات تجوال لايحق لهم بموجبها العمل في أي وظيفة رسمية.
كما ان اعادة عقاراتهم واموالهم المسلوبة، وازالة آثار السبي الصدامي عنهم والتعويض عن ابنائهم الذين لم يعثر حتى على رفاتهم في المقابر الجماعية. ان الكورد الفيليين يناشدون حكومة الوحدة الوطنية واعضاء مجلس النواب العراقي والاحزاب والقوى الوطنية والدينية العراقية.
كذلك حكومة وبرلمان اقليم كوردستان والاحزاب الكوردستانية المناضلة انصاف هذه الشريحة الوطنية العراقية، باعادة هويتهم الوطنية (الجنسية العراقية) ومساواتهم بسائر المواطنين العراقيين واعادة حقوقهم المسلوبة من عقارات وممتلكات واموال وتعويضهم التعويض العادل عما لحق بهم من اضرار مادية ومعنوية وجسدية فضلا عن التعويض عن فلذات اكبادهم الذين اعدمهم النظام الدكتاتوري المباد وتخصيص رواتب تقاعدية لذويهم.
واذ نستذكر هذه المناسبة الاليمة واللاانسانية نطالب باحالة كل الذين اسهموا بايذاء هذه الشريحة الاجتماعية الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل.. ويكون درساً لكل البرابرة المتوحشين.

عبد الهادي مراد
كاتب وصحفي عراقي

المصدر: التآخي، 7/4/2007