الجماعات الإسلامية: إسلام نظري وتدليس تطبيقي!!

يبدو الإسلام في العديد من الأحيان والظروف أنه غريب حتى بين الجماعات التي تضع صفة الإسلامية في تسمياتها الحزبية والتنظيمية، وهي تدرك عن ذكاء أن مجرد وضع هذه الصفة أو بعض مشتقاتها من شأنه أن يروج لها في أوساط الجماهير البسيطة التي تبلغ نسبة الأمية بينها في حدود خمسة وستين بالمئة مما يعني أنها غير قادرة على القراءة والتحليل وتحكيم العقل ، وبالتالي فهي مشدودة لما تسمعه من الإذاعات والتلفزيونات، والأكثر تأثيرا هو ما يأتي باسم الإسلام أيا كان مضمونه، ويكفي التذكير بأن غالبية التفجيرات الإرهابية التي تطال المدنيين الأبرياء في مختلف أنحاء العالم وخاصة العراق، يتم ارتكابها باسم مسميات إسلامية بدليل أن المجرم المقبور الزرقاوي أعلن حربه الإجرامية علنا ضد المسلمين الشيعة في العراق، وقتل ما لا يقل عن سبعين مواطنا أردنيا في تفجيرات الفنادق بالعاصمة الأردنية في التاسع من نوفمبر لعام 2005 ، وسط سكوت كامل من كافة علماء وفقهاء الدين الإسلامي، وبعكس ذلك ذهب نواب أردنيون من ( جبهة العمل الإسلامي ) الأردنية للتعزية فيه ، وأصدروا له شهادة ( شهيد ) ومنحوه مسبقا مفتاح الجنة والشفاعة لسبعين من مريديه، ويستمر ارتكاب ( الموبقات ) ممن يدعون الانتماء للإسلام والمدافعين عنه ( بالروح والدم ) شريطة أن تكون أرواح الفقراء ودماء البسطاء، أما هم فحرصهم منصب فقط على ما في جيوبهم، ويقاتلون كي تبقى هذه الجيوب بعيدة عن المحاسبة والتدقيق، رغم أن الإسلام ينصّ على الصدق وعدم الغش ( من غشّا فليس منّا )....وإليكم آخر نشرة إخبارية خاصة بهذا الغش وتلك الموبقات – المساخر ( جمع مسخرة )، والغريب أن التاريخ يعيد نفسه في بلاد العرب على الشكلين في الوقت نفسه: المأسآة والمسخرة.

أولا: في الأردن
من المعروف أن ما يسمى ( مجمع النقابات المهنية ) وهو يضم كافة النقابات الأردنية، تسيطر عليه الأحزاب والجماعات ذات الصفة الإسلامية في تسمياتها خاصة ( جبهة العمل الإسلامي )، الجناح السياسي ل ( جماعة الإخوان المسلمين )، ومن أكبر هذه النقابات وأكثرها أعضاءا ( نقابة المهندسين )، وكونها نقابة مرخصة وأعضاؤها مواطنون أردنيون، فهذا يعني بديهيا أنهم خاضعون للقانون الأردني، ومنذ أسابيع قرر ديوان المحاسبة الأردني البدء بالإجراءات الخاصة بتدقيق أموال النقابة...هل في هذا العمل ما يغضب أو ما يتنافى مع القانون؟؟. ولكن لأن النقابة تخضع لسيطرة الموصوفين بالإسلاميين، فهذا يعني في عرفهم أنهم فوق القانون لذلك استنهضوا الهمم وعقدوا الاجتماعات مستنكرين توجه ديوان المحاسبة، ودعوا لتنفيذ اعتصام أمام مجمع النقابات يوم الأحد الرابع من فبراير الحالي، وأعلن رئيس مجلس النقباء عبد الهادي الفلاحات أن المجلس قرّر تشكيل لجنة ( إدارة أزمة ) تضم عددا من النقباء، واستنفر القوى السياسية والمهنية الموالية لاجتماعات طارئة، وأعلن ( أن المجلس سيكثف اتصالاته مع المسؤولين الحاليين والسابقين وأعضاء مجلسي النواب والأعيان لثني الحكومة عن إطلاق يد ديوان المحاسبة على النقابات المهنية )...من يتخيل هذه الغضبة المضرية؟ صدقوني أنه لم تحدث هذه الغضبة لمناصرة الشعب الفلسطيني أو وقف القتل الإرهابي في العراق، ولا عندما حدثت مجزرة الفنادق الأردنية الإرهابية!!! أما الآن عندما يمارس ديوان المحاسبة الأردني صلاحياته فلا يجوز له التدخل في شؤون القائمين على خدمة الإسلام والعاملين باسمه!!. وهم في الوقت ذاته يطالبون الحكومة بتشديد الحملة على الفساد، فلماذا الفزع والغضبة المضرية لو كانت أموال النقابة قانونية؟ عندئذ كان ينبغي أن يرحب مجلس النقباء بخطوة ديوان المحاسبة كي يكونوا مثالا لغيرهم في الشفافية والنظافة والمحاسبة القانونية!!. لذلك فمن حق المراقب أن يرى أن غضب النقابة واستنفارها لإعضائها سببه أن هناك مخالفات عديدة وأموال غير قانونية في حساباتها، وبالتالي فهم يعطون مثالا سيئا وللأسف باسم الإسلام الذي يدعون أنهم ينطلقون من مبادئه وتعاليمه.

ثانيا: في مصر
المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر جماعة غير قانونية فهي محظورة بحكم القانون، ورغم ذلك فإن أعضاءها يتحركون وينشطون علنا في كافة ميادين الحياة المصرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبشكل يتحدى القوانين والأعراف والعادات، مما حدا بمرشدها العام مهدي عاكف في أكثر من حديث ومناسبة لاستعمال اسلوب الأحذية والطزطزة ضد معارضيه ومنتقديه، فهو كما يعتقد أنه فوق النقد طالما هو مرشد لجماعة إسلامية أيا كان تصرفه، حتى في تلك المناسبة التي تمنى فيها أن يحكمه ويحكم مصر مسلم من إندونيسيا، وقال في ذلك السياق حكمته وقوله المأثور( طز...طز في مصر ).
ولم تنتبه السلطات المصرية لخطورة هذه الجماعة على الأمن والوضع السياسي في مصر، إلا بعد الاستعراض شبه العسكري لطلابها في جامعة الأزهر، ونقول شبه العسكري لأنه ليس مستبعدا بناءا على هكذا سلوك وتصرفات تخرق كل القوانين، أن يكون الاستعراض القادم عسكريا و بالأسلحة التي من السهل الحصول عليها وتخزينها خاصة في مصر التي لم تعد محروسة مطلقا. لذلك تنبهت السلطات المصرية لأموال الجماعة إذ قرر النائب العام منع تسعة وعشرين من قيادات الإخوان المسلمين وأولادهم القصر والبالغين وزوجاتهم من التصرف في أموالهم، وقد سبق ذلك توجيه تهم غسيل أموال وتمويل جماعات محظورة لبعض القيادات الإخوانية ومنهم نائب المرشد العام خيرت الشاطر، وقد دلت التحقيقات أن هذه الجماعة المحظورة بالإضافة لاستغلالها للدين ، وظفت القضية الفلسطينية لجمع الأموال والتبرعات، وأنفقتها على نشاطات الجماعة، وعلى هامش الاستعراض شبه العسكري لطلاب الجماعة في جامعة الأزهر لفت انتباه المراقبين قدرة هؤلاء الطلبة على استعمال زي موحد وحمل السكاكين والبلطات وهذا لا يمنع أن يكون لدى الجماعة أسلحة أخرى.
إن تهاون السلطات الأمنية حينا وغضها الطرف حينا آخر عن تحركات هذه الجماعة خاصة في زمن الرئيس السادات، هو ما يشجعها على هذا التحدي السافر للقانون وأعراف المجتمع، وهو تحد لا تقبل به أعرق الدول الأوربية ديمقراطية، ففي هذه الدول أمن الوطن والمواطن هو الأساس، ومما لا يحتاج لنقاش أن هذه الجماعة بهذه التصرفات هي مشروع طالباني جديد، لن يكتفي بهدم التماثيل وحرق الكتب ولكن سيفرض تقاليد الجماعة ومبادئها وأحكامها على المصريين بالقوة مسلمون وأقباط ، لأن هذه الجماعة وكافة فروعها في العالم هدفها السري والمعلن هو ما تسميه ( إقامة الخلافة الإسلامية )، لذلك فإشاعة الفوضى والتظاهرات غير المرخصة وتحدي المسؤولين في كافة أماكن تواجد أفراد هذه الجماعة، هو من وسائلها في التحريض والتحدي على طريق تلك الخلافة المزعومة التي لا يمكن أن تكون هدفا ساميا لمجرد وصفها ب ( إسلامية )، خاصة إذا تذكرنا الجرائم والتعديات التي ارتكبت في زمن الخلافات العباسية والأموية والعثمانية، فليس كل من يتصف بالإسلام حريص على الخلق القويم، ولنا مثال معاصر في خلافة ( طالبان ) في أفغانستان وفرح الشعب الأفغاني العارم بسقوطها على يد قوات التحالف عام 2002 ، فهل يعتبر المصريون حكومة وشعبا من هذه العبر التاريخية؟؟

ثالثا: في مصر أيضا
وفي الوقت ذاته تتغاضى السلطات المصرية الأمنية والتربوية والثقافية عن إشاعة الخرافات والتضليل باسم الدين طالما هذا يخدم الشريف حسني مبارك. فمن يتخيل هذا الإعلان المنتشر في شوارع القاهرة على قماش أبيض ثلاثة أمتار طولا ومترا ونصف عرضا..وهذا هو النص الحرفي لذلك الإعلان الصادر عمن أطلقت على نفسها ( الشريفة الشيخة ماجدة المعالجة بالقرآن الكريم ): ( نعم يا شريف يا مبارك..نعم يا سيد يا شريف يا محمد يا حسني يا مبارك يا للي تأييدك من الله رب العالمين وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يا ابن اطهر نسب..جدك علي بن أبي طالب وجدتك فاطمة الزهراء البتول وجدك مولانا الحسين وأنا شوفت في رؤية ظاهر باطن إن تأييدك مش بمزاجك ..ده تأييدك من رب العالمين وحضرة النبي الكريم ..يا مبارك يا رئيس مصر يا حبيب العالم كله..إحنا شعب مصر لو راجعنا أنفسنا وتضرعنا إلى الله بقلب مخلص نفتكر كل الجهاد إللي إنت جاهدته من أجل مصر وشعبها..قال تعالى " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " الشريفة الشيخة ماجدة المعالجة بالقرآن الكريم )...نعم هذا الإعلان منتشر في شوارع القاهرة وشاهدته بعيني في ميدان المحطة بمحافظة الجيزة وأماكن أخرى أثناء زيارتي في أبريل من عام 2005 ، وما زال في العديد من الشوارع، ومن يجرؤ على إنزاله وهو يتضمن تخويلا إلهيا للرئيس حسني مبارك حفيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء؟؟. كان ينبغي على الرئيس نفسه أن يحتج ويتقدم برفع قضية ضد ( الشريفة الشيخة ماجدة )، لأنها زورت أصله وفصله ونسبه...ولكن التغاضي عن هكذا خرافات وأبلسة لأنه يخدم الرئيس وسيصدقه بعض الجهلاء..وهنا لا يمكن إلا أن أتذكر قول شاعر العروبة والسيف أصدق أنباء من الكتب:
كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا

كل ذلك وأنا أعي من قلبي وعقلي أن الشعب المصري العريق لا يستحق كل هذه التصرفات من حكومته وجماعاته الإسلامية والشريفة الشيخة ماجدة!!.

د.أحمد أبو مطر
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
7/2/2007