مسؤولية حكام العراق!

ما لا ينشر من أخبار العراق لا يقل فظاعة ومأساوية عما يعلن وينشر. الحرب الطائفية تزداد سعارا وجنونا بحيث أصبحت في بغداد العاصمة أحياء شيعة وأحياء سنة، وفي بعض المناطق بدئوا بإقامة ما يشبه السور العازل [ جدار برلين!!] يدخل المسلحون المجرمون على البيوت ليقتلوا ويطردوا من يشاءون على الهوية المذهبية. آخر ما سمعت أمس دخول عصابة مسلحة كفيرية على عائلة فيها ثلاث نساء شيعيات، وقطع رأسي اثنتين وخطف الأصغر عمرا. فأية وحشية، وأية نذالة، وأي انحطاط!

لقد ذهب السيد الحكيم والسيد رئيس الوزراء والسيد رئيس الحزب الإسلامي لواشنطن طالبين رسميا بقاء القوات الأمريكية فترة أخرى لتدهور الوضع الأمني وبانتظار تأهيل القوات العراقية. ولكن، ماذا يجري فعلا؟ نائب رئيس الجمهورية وممثل المجلس الأعلى في الرئاسة يعلن في الخارج أن قرار أمريكا بشن الحرب كان حماقة. فيا للعجب! وفي كربلاء، وكما تؤكد تقارير كثيرة، استطاع فريق من القوات العراقية والمليشيات تنفيذ عملية خطف وتعذيب وقتل أربعة جنود أمريكان، على الأرجح بتدبير من ضباط الحرس الثوري المنتشرين في بغداد والجنوب وكردستان، وردا على اعتقال عدد من الضباط الإيرانيين وأنصار الصدر. وفي تقرير تفصيلي لمراسل الهيرالد تريبيون في بغداد عن معارك شارع حيفا، حيث كان يرافق القوات الأمريكية، يؤكد أن القوات العراقية جاءت المكان متأخرة عن موعد التنفيذ، وعندما شرع القناصون من الإرهابيين يطلقون النيران من السطوح تردد الجنود العراقيون في التسلل بحذر لترك مكانهم لأماكن جديدة آمنة تتطلبها الخطة العسكرية. يضيف أيضا أن النيران راحت تنصب على القوات الأمريكية من كل صوب وحدب حتى كانوا يتساءلون: "من هم أعداؤنا؟
المتمردون؟ المليشيات؟ أم الجنود العراقيون؟؟"

وكما نرى انه، بينما يزداد التدخل الإيراني لحد تسلل ضباط الحرس الثوري، وبينما تقوم إيران بتخريب لبنان والقضية الفلسطينية، وتواصل تحدي المجتمع النووي حول برنامجها النووي العسكري، فإن حكام العراق لا يتركون فرصة من دون الإشادة بالدور الإيراني وترديد مزاعمها عن الحرص على أمن العراق.
لقد كتب الأستاذ مشاري الذايدي في "الشرق الأوسط" عدد 30 يناير الجاري مقالا نافذا تعليقا على تصريح الدكتور عادل عبد المهدي في وصف الحرب بالحمق. والذايدي محق تماما في أن الأخطاء الأمريكية الفادحة في العراق، والتي سبق لنا وغيرنا التوقف عندها أكثر من مرة، لا تفسر لوحدها الوضع العراقي، الذي يصح وصفه بجهنم في جهنم!، إن من تخطي الوقائع المرة أن نفسر كل شيء إما بعواقب طغيان العهد الصدامي، وإما بالأخطاء الأمريكية في العراق. الصحيح أن حكام العراق لما بعد التحرير يتحملون هم المسؤولية الأولى عن تدهور الوضع الأمني، وانتشار الطائفية كالسرطان، وانهيار الشعور الوطني لصالح الانتماءات المذهبية والعرقية والحزبية.
حكامنا هم في السلطة وفي أيديهم كل مواقع السلطة، فهل حلوا المليشيات؟ كلا، وهل قاموا بحملة نزع السلاح على نطاق بغداد؟ كلا. هل تصرفوا كوطنيين عراقيين أولا في الوزارات التي يديرونها، أم أن كل وزير يدير الوزارة لصالح الحزب و المذهب أو القومية؟ أليس من كبريات الفضائح أنه تمر أربع سنوات وخدمات الكهرباء معطلة؟ كم من وزير لم يفرض الحجاب على الموظفات، ولم يمارس التمييز ضد المسيحيين؟ أليس مما يلفت النظر أن المسؤولين كثيرو السفر للخارج بينما البلد يحترق؟ ترى كم نعد من المآسي والانتهاكات والأخطاء التي تعرقل تحشيد كل الجهود والقوى الخيرة لمواجهة القوى الإرهابية، من صدامية وقاعدية تكفيرية.
ما تم من بعض الخطوات في مطاردة الإرهابيين في بغداد وخارجها جيد ولكنه غير كاف، والخطة الأمنية الحكومية لا تزال تفتقر لتصميم كامل وحازم على القضاء على جميع بؤر وقوى العنف ومهما كانت انتماءاتها ومذاهبها، إذ لا يمكن توجيه ضربات لجهة دون جهة أخرى تعبث هي الأخرى بالأمن. أما الحجة القائلة مثلا بأنه "يجب نزع سلاح كل القوى المسلحة في وقت واحد" فغير منطقية. لماذا؟ لأن قوى الإرهاب الصدامي والقاعدي المسلحة هم أعداء مكشوفون وهم لا يكتمون ذلك، في حين أن مليشيا كجيش المهدي تابعة لحزب هو جزء من الحكومة والبرلمان، والمفترض به أن يحترم الدستور المعتمد، وان يعمل على تعزيز وتقوية دور القوات المسلحة الرسمية في حماية الأمن وضرب الإرهاب.
لقد عبرنا مرارا عن رأينا بأن الوضع الراهن يتطلب قيام حكومة مختزلة ومستقلة للطوارئ من مدنيين وعسكريين وطنيين غير منتمين لحزب ما، وتكون مهمتهم العاجلة ضرب الإرهاب وحل المليشيات، وترميم الخدمات. هذا رأي عبر عن مثله كتاب عراقيون آخرون، ومنهم الدكتور عبد الخالق حسين، الذي طلب "تعليق الديمقراطية" مؤقتا وتجميد البرلمان لحين توفر ظروف أمنية مناسبة. كما أن حل المشكلة الأمنية يتطلب تعزيزا حقيقيا وصادقا للتعاون مع القوات الأمريكية ما دام وجودها حاليا هو لصالح أمن العراقيين، وهو ما تطلبه كافة القيادات الحاكمة والنسبة الأوسع من المواطنين، بينما ترفضه عناصر إيران وسوريا في العراق وقوى البعث والقاعدة.
أجل، لا تعلقوا أيها الحكام أخطاءكم على الشماعة الأمريكية، وكما يقول الذايدي، فإن أمريكا هي على كل حال ليست عاشقة لعيون العراقيين وإن التقت المصالح في هذه المرحلة، في حين أن حكام العراق عراقيون، وعليهم هم أولا البرهنة على حسن الأداء الحكومي ونزاهته وتجرده من المصالح الفئوية والحزبية والشخصية.

عزيز الحاج
باريس في 30 يناير 2007