اعترافات أبو خالد العملة بين النفي والإثبات: يستحق عليها العقاب والموت


الرسالة التي أرسلها أبو خالد العملة إلى خالد مشعل من زنزانته في سجن المزة التابع للمخابرات السورية، حيث اعتقلته هذه المخابرات قبل حوالي شهرين، رسالة مهمة و خطيرة للغاية ينبغي نشرها وتوزيعها على نطاق واسع خاصة في المجتمعين الفلسطيني والسوري، لأنها تكشف العديد من الأسرار والخفايا المتعلقة بدور النظام البعثي السوري التخريبي في الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وكان أبو خالد العملة قد تم اعتقاله على خلفية روايات متناقضة منها الرواية السورية، أنه وراء التنظيم الذي انشق عن (فتح الانتفاضة ) ويعمل في الأراضي اللبنانية باسم ( فتح الإسلام )، ومن رموزه ( شاكر العبسي ) عضو الحركة الذي سجن ثلاثة سنوات ونصف في السجون السورية على خلفية مشاركته في اغتيال الدبلوماسي الأمريكي ( فولي ) في العاصمة الأردنية في الثامن والعشرين من أكتوبر لعام 2002 ، وفي القضية ذاتها أعدمت السلطات الأردنية شخصين في حزيران من عام 2006 هما: الليبي سالم سعد أبن صويد والأردني ياسر فتحي فريحات. في البداية من المهم الإشارة إلى أن أبو خالد العملة يخاطب خالد مشعل بطريقة أبوية حنونة للغاية، فهو يبدأ رسالته بالقول: ( رسالة مفتوحة إلى ولدي خالد مشعل..من والدك أبو خالد العملة..سجن المزة، سورية) ومن ثنايا الرسالة يفهم القارىء أن خالد مشعل في أمور كثيرة كان يستشير العملة ويأخذ برأيه مما جعل العملة يشعر وكأنه مسؤول عن أفعال مشعل وارتباطاته وتخبطاته ).

ولماذا هذه الرسالة الآن بعد اعتقاله من المخابرات السورية التي عمل لحسابها طوال ربع قرن، وارتكب لحسابها الجرائم المروعة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، أكثرها دموية مشاركته وتنظيمه لجماعة أحمد جبريل في حربي المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1986 و 1988 ؟. يجيب العملة على هذا السؤال في مطلع رسالته قائلا: ( في هذا اليوم وفي هذه الفترة بالذات، وفي هذه اللحظات التاريخية من حياة شعبنا الفلسطيني...ومن سجني في المزة، أحببت أن أرسل لك رسالتي هذه قبل أن التحق بالرفيق الأعلى، ومع شعوري بدنو الأجل وباللحاق بخير الرفاق، ولعلمي بأنني سأقف بين يدي الله الذي نسيته منذ أمد بعيد، لا بل إنني أتذكر تلك اللحظة، لحظة النسيان الحلقة المفقودة من ذاكرتي، وقد كانت تلك اللحظة التي فقدت فيها البوصلة وابتعدت عن أبو عمار، حيث سار بي التيه مع الرفاق إلى بادية الشام، ولأنه لا مفر من اللقاء المحتوم، فقد أحببت أن يستريح ضميري وتبرأ ذمتي ).

ما هي الأسرار والجرائم الخطيرة التي يكشفها العملة؟
لو جاء هذا الكشف من كاتب أو محقق دولي محايد لما صدقه أحد، فمن كان يتصور أن النظام البعثي السوري هو من ارتكب هذه الجرائم المروعة، فقط لتسهيل انشقاق أبو موسى والعملة في عام 1983 عقب خروج المقاومة من لبنان:

أولا: جريمة اغتيال ماجد أبو شرار
من المعروف أن الكادر الفتحاوي المشهور ماجد أبو شرار قد اغتيل في التاسع من شهر أكتوبر لعام 1981 في غرفته بفندق فلورا في روما بايطاليا، من خلال تفجير السرير الذي كان نائما عليه، وبدون تحقيقات وكالعادة ألصقت هذه الجريمة بالموساد الإسرائيلي. أما ما يكشفه العملة فهو: ( ما أدركته مؤخرا، أستطيع القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان مصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول إلى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة...ولكن لماذا ماجد أبو شرار؟. كان ماجد أبو شرار العائق للانشقاق والمانع لخروج من بالحوزة عن الحركة. كان وطنيا خالصا....كان صمام الأمان العصي على عبث العابثين في القضية الوطنية المقدسة، ولم يكن ليسمح لنا نحن المقربين منه أو القريبين من فكره من الشطط أو الخروج خارج الدائرة الفلسطينية، وباغتياله أصبحت المهمة أكثر يسرا وسهولة، علما أنه كان من المفترض أن يتم التمرد في عام 1981 أي عام واحد قبل اجتياح لبنان، ولكن ذلك لم يكن ليتم حيث قام القائد أبو عمار بسلسلة إجراءات وترتيبات إدارية وتنقلات ميدانية في عام 1980 كان القصد منها إفشال توجهنا الانشقاقي المكشوف والمعروف للجميع ).

ثانيا: جريمة اغتيال سعد صايل
العميد سعد صايل ( أبو الوليد ) من أهم القادة العسكريين في حركة فتح، يصفه أبو خالد العملة: ( أبو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين. هو الفلسطيني بامتياز. الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي كجلمود صخر لم تتمكن كل السيول من أن تحط به من عل..في القمة كان وما يزال ). كان العميد سعد صايل قد اغتيل في البقاع اللبناني في السابع والعشرين من سبتمبر 1982 أي بعد خروج المقاومة من بيروت بأسابيع قليلة، وكنت ممن وصلوا لدمشق، وكان السؤال المحير لنا جميعا هو كيف يتم اغتياله في مناطق نفوذ وسيطرة الجيش السوري، وكالعادة لماذا نتعب في التحري والتحقيق، فشماعة الموساد جاهزة!!!. وهاهو أبو خالد العملة يكشف هذه الجريمة البشعة للنظام السوري، يقول في اعترافاته:(و بدأت مشاهد فصل جديد على الأرض سريعا باغتيال القائد سعد صايل في البقاع وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة عسكرية سورية كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو الجنة المركزية لحركة فتح العميد سعد صايل أبو الوليد، حيث حال هذا الجيش من إمكانية وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، مما تسبب في استشهاده، وبعد أن تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الإسعاف بنقله إلى ثلاجة الموتى.....الأسئلة المشروعة كثيرة: لماذا أبو الوليد؟ ولمصلحة من تم ذلك يا ولدي؟ ولكن الإجابات جلية واضحة، فالأحداث غير معزولة عن بعضها البعض، ولا مجال للصدفة فيها، فبالأمس ماجد أبو شرار واليوم سعد صايل......فلن تفلح الخطة إذا ما بقي أبو الوليد على قيد الحياة...ولم تمض إلا شهور قليلة حتى اكتشفنا أننا نسير في طريق إجبارية لتحقيق الأهداف السورية )، ثم جاء في التاسع من أيار- مايو انشقاق أبو موسى وأبو خالد العملة عن حركة فتح، وقد أعقب ذلك في حزيران من عام 1983 طرد المخابرات السورية لياسر عرفات من دمشق بطريقة مخزية حيث اقتاده ملازم من المخابرات السورية إلى الطائرة التي نقلته إلى دمشق، وقد وجه الملازم والجنود الذين معه لعرفات إهانات وشتائم لا تصدر إلا عن البعثيين الحاقدين، وظلّ عرفات لسنوات يشتكي ويتذكر تلك الإهانات والقيام بإغلاق مكاتب حركة فتح واعتقال المئات من عناصر وكوادر فتح، ومنهم من مات في السجون السورية، ومنهم من ما يزال حتى هذه اللحظة في السجون، بدليل أن إسماعيل هنية أثناء زيارته الأخيرة لدمشق نقل عن لسان الرئيس السوري بشار الأسد أنه وعده بإطلاق السجناء الفلسطينيين في السجون السورية.

ثالثا: اغتيال فهد القواسمة في عمان
من المعروف أنه بعد طرد ياسر عرفات ورفاقه من دمشق، حاول عقد المجلس الوطني الفلسطيني لدراسة الانشقاق ومحاولات الاغتيال المتكررة، لكن غالبية الدول العربية رفضت عقد المجلس فوق أراضيها، لكن الملك حسين الوحيد الذي وافق على عقده في عمان، وكان ذلك في الثاني والعشرين من نوفمبر لعام 1984 ، وكانت جلسة تاريخية خاصة أنها تعقد في العاصمة الأردنية عمان، حيث كرست منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني بمباركة وتأييد الأردن والملك حسين شخصيا، وقد تم في ذلك الاجتماع انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومن ضمنها السيد فهد القواسمة رئيس بلدية الخليل الأسبق رئيسا لدائرة شؤون الأرض المحتلة. ولإفساد هذا النجاح والتماسك الفلسطيني بعد شهر من انتهاء اجتماعات المجلس الوطني ، وفي التاسع والعشرين من ديسمبر لعام 1984 تم في العاصمة الأردنية اغتيال فهد القواسمة وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين بعمان....فمن قام بهذا الاغتيال؟
يجيب أبو خالد العملة في رسالة اعترافاته المذكورة: ( ولا زال الشر يتربص بالإنجاز، كيف يسمح لعرفات الاستمرار فيما حققه واللجنة التنفيذية بعضوية فهد القواسمة، هاهي تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني وعلى رأسها ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته؟. كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا إلى ديدنهم وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمة عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة). وأبو خالد العملة كان قد أشار في رسالته لعودة عرفات إلى طرابلس في شمال لبنان بعد طرده من سورية ، وهناك حاصره المنشقون بدعم كثيف من الجيش السوري، ودارت معارك طاحنة وحصار طوال ثلاثة شهور، ولم يتمكن عرفات ورفاقه من الخروج سالمين إلا على البواخر اليونانية بعد تدخل مصري وفرنسي. وكنت آنذاك مقيما في العاصمة السورية وأتذكر فرحة المنشقين وحلفائهم السوريين بنجاحهم في طرد عرفات ثانية من طرابلس، بعد تلك المعارك والحصار المخزي الذي لم يكن يختلف عن حصار شارون لبيروت.

رابعا: هل كان حافظ الأسد على معرفة باجتياح لبنان وحصار بيروت؟
من المعروف أنه بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد حصارها 88 يوما، انعقدت القمة العربية الثانية في مدينة فاس المغربية في السادس من أيلول 1982 ، وكان مشهدا تاريخيا أن يخرج إلى المطار عشرون ملكا وأميرا ورئيسا عربيا لاستقبال ياسر عرفات في المطار، ما عدا حافظ الأسد الذي رفض استقباله وأيضا التحدث معه أو السلام عليه في القمة...هل هناك حقد أكثر من هذا الحقد البعثي؟؟. يقول أبو خالد العملة في رسالته: ( جاءت قمة فاس الثانية ففضحت الجميع، وأقر فيها حافظ الأسد بأنهم (الإسرائيليين والأمريكان ) قالوا له فقط 46 كيلو متر!! أي أنه كان يعلم بالاجتياح ولديه الضمانة بأن الإسرائيليين لم يتجاوزوا جسر الأولي شمال صيدا، ولن يتم التعرض لقواته الموجودة في لبنان بشرط عدم تدخلها إلى جانب المقاومة.

خامسا: فضح دور العقيد الجماهيري القذافي
تقدم الرسالة معلومات عديدة عن الدور التآمري للعقيد الجماهيري الأخضر، كاشفا أن اجتماعا سريا عقد في بداية عام 1982 بين عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف والعقيد القذافي، حيث وضعوه في صورة النوايا الإسرائيلية، وقدموا قائمة بالمساعدات التي تريدها المقاومة، فوعدهم العقيد ألأخضر أن كافة المساعدات سيبدأ شحنها فورا لتصل إلى بيروت قبل عودتهم لها...ولكن لم يتم تنفيذ هذه الوعود، بل نصح العقيد الجماهيري المقاومة بالصمود في الحصار والانتحار بدلا من الانسحاب. وقد وثقت كافة أوجه تجربة الحصار التي عشتها طوال 88 يوما في كتابي ( بيروت..وعي الذات 1982 )، ويمكن لمن يريد قراءة الكتاب كاملا أو نسخه من موقعي: www.dr-abumatar.com

سادسا: نصائح أبو خالد العملة لخالد مشعل
يكثر أبو خالد العملة من نصائحه ( لولده خالد مشعل ) خاصة فيما يتعلق بممارسات حماس في المناطق الفلسطينية، ووضع مشعل لكافة بيضاته في السلة السورية، لذلك ينصحه قائلا: ( انتبه لنفسك ولبقية إخوتك، فلا أمان لهذا النظام، فكيف يخطر على بالك يا ولدي وأنت ابن التيار الإسلامي أن يحتضنك ويرعاك من سحق نظامه الإسلام والمسلمين في حماة، ومارس أعوانه كافة صنوف الخطف والقتل والتهديد بحق الضباط والكوادر من أبناء الحركة العملاقة؟ ). وينتقد خالد مشعل بعنف قائلا: ( أحذرك نفسك، إياك والغرور، فقد راعني حقيقة ما سمعته عنك بأنك خرجت عن طورك وأدبك في ذلك المؤتمر الصحفي الذي رتبته لك الضابطة الفدائية في الشام، وذلك للرد على خطاب السيد الرئيس محمود عباس يوم السادس عشر من ديسمبر 2006 ، حينما دعا لانتخابات رئاسية وتشريعية. وراعني أنك لم تحترم العجوزين: عمك فاروق القدومي أبو اللطف وكذلك عمك أحمد جبريل أبو جهاد على طرفي الطاولة في جلستهم المهينة معك خلال ذلك المؤتمر الصحفي السيء، وما تمنيت هذا لكم، خاصة وأنت تشبرح كالمهبول بكلتا يديك والغرور يضربك في رأسك بشكل واضح ، والكذب يتطاير من عينيك بشكل ملفت!!).

وفجأة يأتي النفي لكل ما سبق!!
هذه الرسالة الصادرة عن أبو خالد العملة تداولتها العديد من المواقع الفتحاوية والفلسطينية، وعندما علمت بها بادرت للإتصال مباشرة بأصدقاء لي في دمشق في أكثر من تنظيم ومنهم كوادر معروفة في تنظيم المنشقين،فأكد كل من اتصلت بهم صحة الرسالة وأن الناس يتداولونها علنا في مخيم اليرموك، ويوزعها أشخاص من عائلة أبو خالد العملة تحديدا، وليتني أتمكن من ذكر أسماء المسؤولين الفلسطينيين في دمشق الذين أكدوا لي صحة الرسالة ،وأن أبو خالد العملة ما زال مسجونا في سجون المخابرات السورية وليس من المتوقع الإفراج عنه.

وفجأة نشر موقع عراقي رسالة منسوبة لأبي خالد العملة تضمنت نفي أن تكون هذه الرسالة قد صدرت عنه، وأنه لم يتم سجنه وكل ما في الأمر أنه تم استدعاؤه ثلاثة أيام للتحقيق والاستفسار. فأين هو الصحيح في الرسالة أم في نفيها؟. أنا أستطيع التأكيد أن الرسالة صحيحة وقد سربها أبو خالد العملة من زنزانته في السجن السوري، ، وأن النفي مفبرك من المخابرات السورية، بدليل أن رسالة النفي في صفحاتها الست تكيل المديح للقيادة السورية ودعمها للمقاومة وتصديها للاحتلال و...و...و...وبطريقة منفرة تخجل منها بثينة شعبان وجريدة الثورة السورية، وليس مستبعدا أن يتم إخراجه من زنزانته لساعات لإجراء لقاءا مع فضائية عربية لنفي مضمون الرسالة ونفي أنه سجين...وكل ذلك ليس مستبعدا على أجهزة المخابرات السورية....فأبو خالد العملة مسجون...مسجون...مسجون يا ولدي! وهذه الاعترافات جاءته في لحظه صحوة ضمير، كان غائبا ومغيبا طوال ربع قرن ارتكب هو وجماعته وجماعة أحمد جبريل من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ما لا يمكن غفرانها لهم ويستحقون عليها العقاب والموت، خاصة حروبهم القذرة في المخيمات الفلسطينية في لبنان ضد حركة فتح وياسر عرفات عامي 1986 و 1988 التي كانت بدعم عسكري من الجيش السوري قتل فيها ألآف الفلسطينيين وشردوا ألاف لمخيمات الجنوب، وخلال تلك الحروب، شاركت حليفتهم حركة أمل في حصار مخيمات بيروت ثلاثة سنوات ( 1885 – 1978 ) قتلوا خلالها مالا يقل عن ثلاثة ألآف فلسطيني ، أكل فيها الفلسطينيون المحاصرون لحم القطط والكلاب...ومهما اعتذر المجرمون عن جرائمهم فهذا لن يعفيهم من القصاص العادل!!.

د.أحمد أبو مطر
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

22/1/2007