سبي الكرد الفيلية: قف

اذا لم يرتكب نظام صدام حسين خطايا الدجيل وتجفيف الاهوار وجز الملايين من رقاب النخيل، وتحويل امتدادات الانهر وضفاف البحيرات وشواطئ شط العرب والزاب والدورة والسفوح الساحرة للجبال الى ضياع له ولاسرته وابنائه واركان نظامه وحبربشية النظام.
واذا كان سجله خاليا من انتهاكات حقوق الانسان والاعدامات بالجملة من دون قضاء، ولا اثر فيه لمحاكم عواد البندر، وذنوب فدائيي صدام ومليشيات تحرير القدس، وبشاعات سلب الملايين حق التعبير والتنقل والعيش الكريم.
واذا كانت مذابح الانفال والابادة الجماعية للكرد ملفقة، والقبور الجماعية في نقرة السلمان والموصل والمحاويل والاخيضر وكركوك لعبة ســـــــينمائية صنعتها هوليود، وان اطنان الافلام والوثائق والكاسيتات والصور عن فنون التنكيل والقتل بالعراقيين هي تهيؤات او لوازم تزوير (خطية) ليس إلا.
واذا كان نهج التمييز ضد القوميات والاقليات واتباع الاديان والطوائف والعشائر والاراء والعقائد والانتماءات كذبة اعلامية سوّقها “اعداء الحزب والثورة” وكانت صفحة صدام بيضاء ناصعة من شبهة العنصرية العمياء، او من استخدام السلاح الكيمياوي، او من التجهيل والبطش وسد منافذ الاوكسجين الى الخارج.
واذا كانت الحروب التي شنها صدام ضد ايران والكويت والعالم هي منازلات دفاعية او سياحية بريئة ولم تتسبب في ازهاق ارواح من العراقيين وجيرانهم وخراب بيوتهم ومدنهم وضياع ثروتهم وامنهم، وان سياساته لم تكن سببا في توتير الاجواء الحربية في المنطقة والعالم، ولم تؤدي الى سباق التسلح وانتشار الخوف والى تدفق اساطيل العالم الى المنطقة.
واذا كان صدام حسين بريئا من تحويل الملايين العراقية الى طوابير تتسول على ابواب الامم المتحدة، والدول المجاورة، وانه لم يعرض عفة العراقيين الى محنة، وكرامة العراقيين الى مذلة، وكفاية العراقيين الى عوز، وسمعة العراقيين الى التباس.
واذا لم يتسبب في ضياع ثروة العراق، ونفطه، ولم ينهب خزائنه، ولم يتصرف بسيادته ومياهه واراضيه وحدوده ويجعل منها هدايا وتبرعات وكوبونات مقابل السلطة والكرسي وصورة الامبراطور .
اقول، اذا كانت كل هذه الخطايا والانتهاكات والجرائم والوقائع من صنع الخيال، ومن تلفيق الاعداء، ومن ترسانة الاكاذيب الصهيونية، فان وقائع سبي الكرد الفيلية العراقيين وحدها، في التنكيل بهم والقائهم، تهجيرا، الى ما وراء الحدود، بل وملاحقتهم الى المنافي.
اقول ان هذه المحنة، التي عاش الكرد الفيلية فصولها، وهي جزء من محنة الشعب الكردي، تصلح، وحدها، للقصاص من نظام صدام حسين، باعتباره نظاما قاتلا وفاشيا ولا مثيل لهمجيته. من زاوية تتصل بالعدالة وحقوق الانسان، تبدو محنة الكرد الفيلية، بعناوينها العريضة ذات الصلة باختطاف وقتل واعدام الالاف واسقاط الجنسية ومصادرة الاموال وسياسة التعريب والصهر والاستئصال القومي المبرمجة، اطارا لكل الجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين بحق العراق والعراقيين، من الانفال حتى اجبار المواطنين على المشاركة قسرا في مسرحيات البيعة والتأييد لرئاسة مدى الحياة.
الاكثر دلالة هنا، ان وقائع سبي الكرد الفيلية على يد اجهزة نظام صدام حسين مسجلة في ذاكرة 120 الف من النساء والرجال والاطفال والشيوخ الذي هجروا وصودرت املاكهم، وانتهكت عائلاتهم، وقتل ابناؤهم، ويمكنهم جميعا ان يكونوا شهودا على ما حدث في محكمة التاريخ.. والافظع، هو ان الكرد الفيلية لم ترد لهم حقوقهم، ولا يزالون يعانون من نتائج ذلك السبي المروع، حتى الآن.
ـــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــ
“شكرا للاشواك.. لقد علمتني الكثير”.
طاغور

عبد المنعم الاعسم
malasam2@hotmail.com

المصدر: الاتحاد ـ العدد 1449، 12/12/2006