العدالة لا تتجزأ وهي ليست انتقائية..

معلوم أن الشيخ حارث الضاري قد لعب ويلعب منذ سقوط صدام دورا تخريبيا وطائفيا خطيرا، بين تحريض على العنف أو تستر على المجرمين تحت ستار مكافحة "الاحتلال الأمريكي".
إن الرجل لم يقدم أية مساهمة إيجابية ولو صغيرة لنشر الأمن وإنجاح العملية السياسية في العراق.
إن التحريض العلني على الإرهاب ليس مجرد تعبير عن رأي بل هو مدان في جميع القوانين الدولية لأن الجريمة والإرهاب يبدأن بنشر الدعوات لهما، وإعطاء المبررات الفكرية والسياسية لهما. إن الإرهاب، ولا سيما الإرهاب الإسلامي، ينطلق من منظومة فكرية وسياسية تمجد العنف لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالمصالح الوطنية، وإن دعاة العنف والإرهاب والطائفية في عراق ما بعد صدام، قاعديين أو صداميين أو مليشيات حزبية، يستهدفون تعبئة القوى الشريرة وكل لأهداف يعلن عنها، ما بين إقامة "إمارة إسلامية" طالبانية أوعودة النظام السابق كما يعمل لذلك أعوانه، أو قيام نظام ولاية الفقيه. جميعهم يستخدمون العنف والخطف وقطع الرؤوس وتفجير الأبرياء والمنشآت.
كل ما مر هو كما نعتقد صحيح، والضاري كانت تجب مقاضاته أمام القانون منذ البداية، كما كان يجب تقديم حليفه الاستراتيجي مقتدى الصدر. غير أن ما يلفت النظر كثيرا أن تأتي مذكرة الاعتقال [أو التحقيق] بعد أيام قليلة من أكبر عملية خطف منذ سقوط صدام، ونعني خطف أكثر من مائة موظف ومراجع في وزارة التعليم العالي. وقد اتضح أن قوات الشرطة المؤتمرة بأوامر الداخلية والمنتسبة أقسام منها لمليشيات شيعية معروفة هي التي نفذت تلك العملية الإجرامية الجبانة القذرة في وضح النهار وعلنا. من هنا تساءل عدد من المعلقين وهم على حق عما إذا لم تكن المذكرة عملية أو مناورة مدبرة للتغطية على جريمة الخطف، والتعتيم على منفذيها والآمرين بها، أي بعض الأحزاب الحاكمة. ولو كانت التدابير الصارمة والفعلية قد اتخذت لملاحقة ومعاقبة المختطفين، ولو كانت الحكومة قد كشفت للعراقيين والعالم عن الجهة أو الجهات التي أمرت بالخطف، لقلنا إن الحكومة رائدها نشر الأمن وتطبيق العدالة على الجميع بلا تجزئة وانتقاء. وأكثر من ذلك، لا تزال المليشيات الحزبية بآلاف المنتسبين تسرح وتمرح، وتقترف الجرائم، وتساهم بحمية ونشاط في الحرب الطائفية، مع أن وجود المليشيات مخالف للدستور ولسيادة القانون، كما يناقض التصريحات الرسمية المتكررة بحلها.
عندما تتخذ حكومة ما إجراءا صحيحا في غير توقيته وكمناورة سياسية بائسة، فإن ذلك الإجراء يتحول لعكسه، كما يحصل اليوم مع الضاري، حيث تحول لنجم إعلامي وسياسي، وصارت قضيته حديث الدول ووسائل الإعلام. وهذه نقطة أشار لها مقال عبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط بتاريخ 19 نوفمبر الجاري.

عزيز الحاج
19 نوفمبر 2006