المركز القانوني لوظيفة مستشار الأمن القومي

في قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تتألف الحكومة العراقية بموجب نص الفقرة الأولى من المادة 24 من الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء بضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية .
وتختص الحكومة الانتقالية حصراً برسم السياسة الخارجية ووضع وتنفيذ خطط الأمن الوطني ورسم السياسة المالية ، وما يخص البحث في الشؤون الداخلية وقضايا الأمن الوطني التي حصرها القانون بيد الحكومة الانتقالية . وحددت المادة التاسعة والأربعون الهيئات الوطنية الخاصة التي وردت حصراً ( الهيئة الوطنية للنزاهة و الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية والهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث ) ، ولم يرد ضمن الهيئات أسم الهيئة الخاصة بالأمن القومي ولا وظيفة مستشار الأمن القومي .
وعاد الدستور العراقي ليحدد حصراً الهيئات المستقلة ضمن أحكام المواد من 99 – 105، حيث ورد أسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان ،والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ،وهيئة النزاهة ، والتي أعتبرها الدستور من الهيئات المستقلة التي تخضع لرقابة مجلس النواب ، كما عد البنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الأعلام والاتصالات من هذه الهيئات ، و مثلها كذلك مؤسسة الشهداء والهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ، والهيئة العامة لمراقبة وتخصيص الواردات الاتحادية ، ومجلس الخدمة العامة ، وجوز الدستور استحداث هيئات مستقلة أخرى حسب الحاجة والضرورة بقانون .
وجعل لعمل عدد من هذه الهيئات غطاءا قانونيا ضمن نصوص المواد من 130 – 132 فيما يخص استمرار عمل المحكمة الجنائية العراقية المختصة ، والهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث ، وهيئة دعاوى الملكية ، أذ اعتبر استمرار العمل بهذه الهيئات مالم تحل وفقاً للقانون .
ويلاحظ أن وظيفة ( مستشار الأمن القومي ) التي يشغلها السيد موفق الربيعي منذ نفاذ قانون المرحلة الانتقالية وحتى اليوم ، والتي تزامنت مع سقوط نظام صدام الدكتاتوري لم تجد لها سنداً من قانون المرحلة الانتقالية ولامن الدستور العراقي ، وهذه الوظيفة بالإضافة الى افتقادها صفة الهيئة المستقلة ، فأنها تفتقر الى المساندة الدستورية والقانونية .
والمتمعن في كلمة وظيفة المستشار يلاحظ اقترانها بكلمة بالقومي ، يعني أن مساحة عمل المستشار تمتد الى ابعد من منطقة واحدة ، وهي تسمية كانت تستعمل في الزمن البائد حين تتم تسمية البلدان بالأقطار ومجموع الأقطار العربية بالقومي ، في حين إن المستشار وبالرغم من عمله داخل نطاق المنطقة العربية من العراق ، فأنه لايمكن إن يستعمل صلاحياته أو يقوم بمهماته ضمن منطقة إقليم كوردستان ، مثلما لايمكن له إن يمد نطاق عمله على أي منطقة عربية أخرى ، وبهذا فان التسمية لاتتطابق مع الواقع ، إذ بالرغم من أن عمل المستشار في المجال الأمني ضمن العراق ، فلا توجد صلاحية أو اختصاص يمكن إن تفصل عمله مع عمل جهازي المخابرات والأمن الوطني .
وقبل قيام الحكومة المنتخبة من مجلس النواب ، تم تشكيل لجنة وزارية بأمر من الحاكم المدني للقوات المحتلة ، وهذه اللجنة تمت تسميتها حينها ( اللجنة الوزارية للأمن القومي ) ، وتأخذ على عاتقها القيام بوضع وتنسيق سياسة الأمن القومي بين الوزارات ودوائر الحكومة العراقية المسؤولة عن الأمن القومي. ودراسة القضايا المتعلقة بالأمن القومي، تتكون هذه اللجنة من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير العدل ووزير المالية. قد يُدعى وزراء آخرون أيضاً للمشاركة في اجتماعات معينة إذا كانت قضية المناقشة ضمن مسؤولية ذلك الوزير.
وضمت اللجنة أيضا، كأعضاء استشاريين دائمين، مستشار الأمن القومي والمستشار العسكري ومدير عام جهاز المخابرات العراقي.
وكانت مدة مهمة هذه اللجنة لحين انتقال السيادة إلى الحكومة العراقية المؤقتة ، فان هذه اللجنة ستعمل تحت سلطة وتوجيهات وسيطرة المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة.
أي أن هذه اللجنة بأمر وتصرف الحاكم المدني للقوات المحتلة ، وبعد انتقال السيادة إلى الحكومة العراقية سيترأس اللجنة رئيس الوزراء.
ويذكر أن طبيعة عمل مستشار الأمن القومي ، أنه المستشار الرئيسي لرئيس الحكومة في مسائل الأمن القومي، وسيكون مسؤول عن الإدارة والإشراف على الموظفين الاستشاريين في الأمن القومي. وسيكون له دوران:
1) تقديم النصائح العادلة والمتوازنة والحيادية إلى رئيس الحكومة واللجنة.
2) تسهيل التنسيق بين الوزارات والدوائر، وهي عملية يجب أن تكون مستمرة، وغير محددة بالاجتماعات الأسبوعية للجنة الوزارية للأمن القومي.
ووفق هذا الأساس فأن الحاكم المدني لسلطة الائتلاف المؤقتة هو الذي عين مستشار الأمن القومي، بعد المشاورة مع مجلس الحكم في منصبة لمدة خمسة سنوات.
إلا إنه بعد تشكيل الحكومة الانتقالية العراقية المنتخبة، ستكون سلطة التعيين هذه من مسؤولية رئيس الوزراء لاختيار أي مستشار يحتاجه ، بما فيها مستشاري الأمن في المستقبل.
وهذه المدة التي تم تعيين مستشار الأمن القومي بموجبها من قبل الحاكم المدني لسلطة الائتلاف ، والتي تمتد لمدة خمسة سنوات تصطدم قانونا مع صدور الدستور العراقي وصلاحيات مجلس النواب ، حيث منح الدستور صلاحيات قانونية لبعض الهيئات الخاصة لم تكن وظيفة المستشار للأمن القومي من بينها ، كما أن قانون أدارة الدولة للمرحلة الانتقالية تم إلغاءه بمقتضى نص المادة 138 من الدستور باستثناء نص لمادتين لاعلاقة للأمن القومي بهما .
كما إن ما يعقده الحاكم المدني الأمريكي وما يصدره من أوامر لايسري على صلاحية مجلس النواب ولا يجبرها أو يلزمها بشيء ، ولا يتعدى نفاذ قراراته سوى الى الفترة التي تقع ضمن الامتداد الذي كان قبل إن تعود السيادة والشرعية للعراق ، ولايمكن إن يذعن مجلس النواب العراقي أو الحكومة العراقية للمدد التي يقررها الحاكم المدني ، ولاقيمة مطلقاً لهذه المدد التي يقررها الحاكم المدني مالم يقررها مجلس النواب بموجب قرار تشريعي يمنحها الشرعية ويضفي على عملها صفة القانون .
ومثلما حدد قانون المرحلة الانتقالية عملية اختيار رئيس وأعضاء مجلس القضاء ، فان الدستور جاء خاليا من هذه الصلاحية التي أوردها ضمن اختصاص مجلس النواب حيث حدد ضمن الفقرة خامسا من المادة 58 الموافقة على تعيين رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس الإشراف العدلي بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى ، بينما ترك تعيين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في المادة 87 الى قانون ينضم طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه ، وبالرغم من أهمية إن يتم اختيار رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى بترشيح من مجلس النواب ، عبرت النصوص الدستورية عن واقع متناقض حين أناطت المهم في تعيين المذكورين ، وتركت الأهم الى القانون دون تدقيق وترشيح من ممثلي الشعب .
أن المادة 105 أجازت استحداث هيئات مستقلة حسب الحاجة والضرورة بقانون ، وحتى يمكن خلق غطاء شرعي لعمل هيئة المستشار ينبغي تأطيرها ضمن قرار تشريعي واعتبارها هيئة مستقلة أو تابعة لرئيس الوزراء أو إلغاؤها ، حيث أن استنادها على قرار الحاكم المدني الأمريكي لايمنحها شرعية العمل القانوني في العراق .
أن العديد من قرارات الحاكم المدني أضرت بالعراق سياسيا ووطنيا واقتصاديا ، أن لم تكن جميعها ، ولم تكن بالصدفة ودون قصد ودراسة وأهداف ، وسيكون لها أيضا الأثر الكبير في الضرر على مستقبل العراق أذا لم يتم مسحها والإسراع بإصدار قوانين عراقية تبطلها وتعالج الخراب الذي أحدثته ، وهو ما نلمسه اليوم بعد إن تبصر العديد من المهتمين بالشأن العراقي الى ضرورة إلغاء تلك القرارات ومسح آثارها من العراق ، لأنها وضعت بقصد خلق شروخ وقطيعة بين أبناء العراق ، ولغرض تكريس الحاجة الى القوات الأمريكية المحتلة دوماً ، ولهذا فأن مراجعة تلك القرارت والقيام بإلغاء ما يعتبر من باب التدخل والتطاول على القوانين وعلى الحقوق مسألة وطنية في غاية الأهمية .
وفي الفترة الأخيرة تشكلت لجان مشتركة بين مستشار الأمن القومي وقائد القوات الأميركية والسفير الأمريكي ، هذه اللجان تتدخل في الشأن الداخلي العراقي ، بالإضافة الى منح السفارة الأميركية منفذا يمنحها ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية ، وفق لجان ( سميت مشتركة جزافاً ) ، يكون فيها الجانب الأمريكي ممثلا في السفير وفي قائد قوات الاحتلال هما الجانب الأقوى ، والمباشر في رسم السياسة الأمنية في العراق الذي نزعم انه مستقلاً وانه لايذعن لسلطة الاحتلال ، حتى بعد رحيل الحاكم المدني الأمريكي سيء الصيت .
وعليه نجد إن تكرار كلمة ( الأمن القومي ) لاتعبر عن حقيقة عراقية قائمة ، كما أن حشر أسماء قيادة قوات الاحتلال والسفير الأمريكي لايدلل إلا عن رضوخ سافر للسلطة العراقية للاحتلال والتعامل معه كجزء من العراق وهو تعامل ليس معيباً فقط ، وإنما يخل بوطنية الحكومة ، كما لايوجد الغطاء القانوني والدستوري لعمل مستشار الأمن ( القومي ) .

زهير كاظم عبود

المصدر: صوت العراق، 3/11/2006