الكرد السوريون المجردون من جنسيتهم...

أو جرح الوطن النازف

في الموروث الشعبي " أن مجنوناً ألقى حجرةً في بئر، فعَجَزَ خمسون عاقلاً عن إخراجها "، فهل ينطبق المثلُ على قضية تجريد عشرات الآلاف [الذين صاروا اليوم بمئات الآلاف ] من الكرد السوريين من جنسيتهم السورية منذ أربع وأربعين سنة،نتيجة نزوة عنصرية أو نضال قوموي مَرَضي استبدّت بالرفيق البعثيّ المناضل محمد طلب هلال، ضابط الأمن السياسي في محافظة الحسكة،الذي اقترح المشروع الكارثة، فكوفيء على نضاله في الخندق الذي حفره في قلب كل كردي متسبّباً ظلماً وعدواناً في حرمانه من أبسط حقوقه الطبيعية ـ فعُيِّنَ وزيراً للتموين،ثم سفيراً لسورية في بولونيا خلال حقبة من حكم البعث ؟؟.

يأتي هذا الحديث غداة دعوة أحزاب كردية سورية إلى تنظيم اعتصام أمام مبنى مجلس الوزراء السوري،صباح الخميس الموافق الخامس من تشرين الأول (اكتوبر)القادم،في ذكرى مرورأكثرَ من أربعين عاماً على إجراء الإحصاء السكاني لعام 1962م .

فهل مَن ألقى الحجَرةَ العنصرية في بئر الوطن ـ سورية ـ كان مجنوناً؟ وإذا كان مجنوناً فمن وَضَعَه في الموقع الذي ألقى منه الحجرة في البئر؟ وهل الذين أخذوا بمقترحاته وجرَّدوا هذا العدد الكبير من الكرد السوريين من جنسيتهم،وما ترتَّبَ على القرار من مصادرة للممتلكات وحرمان من حق التعلم والتعليم والتوظيف والسفر وغيره من إجراءات التعريب والإلغاء والتذويب،هل هم مجانين أيضاً ؟ ومن يتحمّل مسؤولية فعله الإجراميّ ؟ وكم من العقود القادمة من السنين أيضاً يجب أن تستمرّ معاناةُ مَن اكتوى وأولادُه وأولادُ أولادِه بناره؟ وهل هذه القضية الإنسانية التي لاتحتمل التأجيلَ قابلة للمساومات والمناورات من جانب النظام الحاكم حتى يحرِّكها بقصد الابتزاز كلَّما شعر بحراجة موقفه تجاه الضغوط الداخلية والخارجية عليه؟ ولْنفترضْ أنّ القرار كان خطأ ظالماً،فهل يُعقَلُ أن يستمرَّ هذا الخطأ الظلمُ كلَّ هذه العقود من السنين؟ مع اعتقادنا أنّ المسؤولين السوريين لم يعدّوه خطأ،وإلا بادروا إلى تلافيه منذ زمن بعيد.

وإذا افترضنا أن المزاعم التي ساقها هؤلاء العنصريون في سبيل تسويغ فعلتهم وعلى أساسها جردوا هؤلاء المواطنين من جنسيتهم، من أنّ هؤلاء الكرد قدِموا من تركيا وليسوا مواطنين سوريين،فما ذنبُ أولادِهم وأولادِ أولادِهم،الذين وُلِدوا على الأرض السورية،ولايعرفون وطناً آخر لهم،ولا يحملون جنسية بلد آخر،ما ذنبُهم ليُحرَموا من الجنسية،ويعيشوا مكتومين على هامش الحياة،دون حقوق ولا اعتراف بهم بشراً لهم حق التملك والتعلم والتوظيف والانتقال والسفر والترشُّح والانتخاب؟؟علماً أن هذا الزعمَ باطل ويفتقِرُ إلى أبسط درجات الصدقية،فإنّ قرار التجريد من الجنسية قد شملَ أفراداً من أسرٍ معينة دون آخرين من الأسر نفسِها،كما شمل موظفين في دوائر الدولة وجنوداً يؤدّون خدمة العلَمِ،وأولاداً لآباء لم يجرَّدوا من الجنسية،فهل الأب وُلِدَ في سورية والابنُ على كوكب آخر؟ بل شمل قرارُ التجريد من الجنسية رئيسَ أركان الجيش السوري توفيق نظام الدين وأخاه الوزير والنائب في البرلمان عبد الباقي نظام الدين. ولنا أن نسأل هؤلاء الرفاق المناضلين:كيف وصل هؤلاء إلى هذه المناصب العالية إنْ كانوا غيرَ سوريين؟ أتدرون ما معنى رئيس الأركان يا رفاق في زمن الحكم الديمقراطي في سورية؟ لقد كان منصبُ رئيس الأركان أهمَّ من منصب رئيس الجمهورية ؟ فهل يُعقَلُ أن يصلَ إلى هذا المنصب نكِرة، كالنَّكِرات التي تلعب بمصير الوطن وتجعله في مهبِّ الريح،ولايهمُّها إلا نهب خيرات البلد وملءُ جيوبها المثقوبة،أما الوطن والمواطن فلا أهمية لهما عندهم !!!

إنَّ قضية الكرد السوريين المجردين من جنسيتهم منذ عام 1962م قضية وطنية ،من واجب كل سوري وطني أن يعمل على إنصاف هؤلاء المساكين واستعادة حقوقهم المسلوبة منهم، نتيجة سياسات جائرة وعقليات استئصالية تذويبية، لا ترى أبعد من أنوفها،أعمتها عبادة الأنا عن رؤية وطن لكل أبنائه،بغضِّ النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أوالولاء الحزبي.

وهي قضية إسلامية،انطلاقاً من واجب التناصر والأخوة بين المسلمين،على اختلاف ديارهم وأوطانهم وقومياتهم،لأن " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسْلمه [أي يمنع وقوعَ العدوان عليه]،كلُّ المسلم على المسلم حرام؛دمُه وماله وعِرضه "، و " انصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً ".

وهي قضية إنسانية،انطلاقاً من أن المجتمع الإنساني مجتمع متكافل متضامن، أيّ ظلم يقع على أيّ فرد،بغضِّ النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو المذهبي،ظلم على المجتمع الإنسانيّ كله،وجبَ دفعُه والوقوف في وجهه.

وإنّ إبقاء النظام السوريّ هذه القضية معلَّقة دون حَلٍّ جذري مُْرْضٍ وبأثر رجعي،يعني أنه فقدَ كلَّ المعاني الوطنية والإسلامية والإنسانية،وبالتالي فقدَ مشروعية وجوده،ولا يستحق الحياة والبقاء . وإنّ كل يوم آخر في عمر هذا النظام يعني بقاء معاناة مئات الألوف من الكرد السوريين دون حل!!فهل يُرضي هذا الواقعُ صاحبَ أيّ ضمير حرّ؟ وما المشاركة في الاعتصام المزمَع تنظيمُه إلا تعبير رمزي للتضامن مع المضطهَدين،ورفضٌ للظلم والظالمين ونهجهم،بل هي أضعفُ الإيمان.

إبراهيم درويش
Nafizah_2006@yahoo.com

المصدر: صوت كوردستان، 29/9/2006