زعماء الشيعة يستعينون بالدعاية الصهيونية

بصراحة ابن عبود

لقد تعرض يهود اوربا الى قمع رهيب، وابادة جماعية من قبل النازية الالمانية. وقد استغل قادة الحركة الصهيونية هذه الجرائم لزيادة نشر دعاويهم حول العودة الى ارض الميعاد فلسطين وتشريد شعبها. وهناك كثير من الادلة التي تثبت ان زعماء الصهيونية استغلوا هذه الاعمال البربرية لصالحهم. بل ان بعض الباحثين، والوثائق الروسيه، والالمانية تشير الى دعم خفي وتشجيع من قبل زعماء الصهيونية العالمية الذين اعتبروا مجيئ هتلر هدية من السماء. فمعاداته لليهود ستجبرهم على التوجه الى ارض فلسطين، ويستفيد هتلر من اموال اغنياء اليهود المصادرة لبناء ماكنته العسكريه. والمعروف انه سمح لالاف اليهود الميسورين بالسفر بحرية وببواخر فاخرة الى الولايات المتحدة الامريكية في حين شحن فقراء يهود المانيا الى فلسطين على متن ظهور بواخر بائسة تمهيدا لاستخدامهم وقودا لحربهم مع السكان الاصليين.

لقد كرر صدام حسين نفس الجريمة بحق الاكراد الفيلية، وتسفيرهم بحجة تبعيتهم الايرانية. ولكنه كان في الاساس وراء اموال تجارهم اضافة لنظرته الشوفينيه. وكلما تحدث زعيم صهيوني اليوم فانه يذكر الناس بجرائم النازية ضدهم، والمحرقة، وغيرها. وكأن على البشرية عامة والفلسطينيين خاصة ان يدفعوا ثمن ما اقترفته النازيه الاوربيه. ولا نقول في هذا اكثر مما قاله يهودي عراقي في تفسيره لعدم انتشار الصهيونيه بين يهود العراق. بل العكس كانوا اشرس من قاومها بل قدموا الشهداء في مقاومة الصهيونية: "يهود اوربا كانوا بحاجة الى وطن فابتدع الصهاينة قصة ارض الميعاد اما نحن فلنا اوطاننا". ونعرف ان الصهيونية فجرت المعابد اليهوديه في العراق لنشر الذعر، واجبار يهود العراق على الهجرة الى اسرائيل. وكافئهم القوميون العرب، وعلى راسهم الخائن نوري السعيد بدعم بريطاني بتجريدهم من جنسيتهم العراقيه، وتسفيرهم بالقوة الى اسرائيل. وكذلك فعلت الحكومات القومية التي جاءت بعد اعدام عبدالكريم قاسم بتهجير الكثير ممن تبقى من يهود العراق بحجج مختلفة.

واليوم يتغنى قسم من "زعماء" الشيعة السياسيين بنفس النغمة الصهيونية حيث يتحدثون بلا كلل عن الظلم التاريخي، والحيف، والاجحاف، والاقصاء، والتغييب... الخ ومحاولة لعب دور الضحية. فدائما يرددون: "نحن مقموعين منذ زمن معاويه، او منذ 1400 سنة، او منذ تاسيس الدولة الاسلاميه". ومثل مبالغات الصهاينه تتضح الاكاذيب من مبالغات "زعماء الشيعة" اولئك. متناسين ان الخليفة الرابع هو علي بن ابي طالب، الذي يعتبروه ولي الله حكم فترة زمنية هي جزء من تاريخ الدولة الاسلامية. وان ابنه الحسن جاء ورائه لكنه تنازل لمعاوية بحجة حقن دماء المسلمين. كما ان دولة الفاطميين حكمت في مصر، وشمال افريقيا، او مايسمى اليوم المغرب العربي. وان العثمانيين كانوا في بدايتهم من شيعة اهل البيت لكنهم، ولاهداف انتهازيه غيروا مذهبهم. ولنفس الاسباب، والغايات الانتهازية اعتنق شاهات فارس الذين نافسوا الدولة العثمانية المذهب الجعفري طمعا باراضي العراق الذي كان لفترات طويلة ومتعدده جزءا من الامبراطورية الفارسية. ومعروف ايضا انه لم يكن هناك تشيع حتى زمن الامام جعفر الصادق الذي ابتدع مذهب الاماميه في محاولة لاستعادة الخلافة باسم الانتساب الى النبي محمد. وحكم بني حمدان في الشام كان شيعيا. حيث برز الشاعران الشيعيان ابو الطيب المتنبي، وابو فراس الحمداني. وحكم الشيعة منذ قرون عديدة وحتى اليوم في ايران الاسلاميه. ومنذ سنوات طويلة والشيعة يحكمون نصف لبنان، وخاصة جنوبه باسم المقاومة وحزب الله. وحسب التقسيم الطلئفي في لبنان فرئيس البرلمان مسلم شيعي، ودائما هناك وزراء شيعة في الحكومة اللبنانية. ومنذ 1964 يحكم العلويون في سوريا باسم حزب البعث والقوميه العربيه. وكذلك فعل الاسماعليين في الهند، والقراممطه في البحرين، والاحساء، والزيدية في اليمن قديما. فلماذا لا تحسب كل هذه السنين؟

ثم اننا عشنا في العراق، وننحدر من اسر شيعية، ولم نر، او نلمس الاضطهاد المذهبي، او الطائفي. فمنذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة، وحتى اليوم كان هناك الكثير من رؤساء الوزرات والوزراء الشيعة. وكذلك كبار ضباط الجيش، وموظفي الدولة. كما ان المرجعيات الشيعية هي التي دعت الى مقاطعة السلطات، بعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة رغم قيادتها لثورة العشرين. وليس العكس. وقد حرمت هي نفسها العراق من ملك شيعي عندما رشح الشيخ خزعل(شيخ المحمرة) نفسه ملكا للعراق بعد ثورة العشرين. ولكن ارتباط المرجعيات بالعرش الشاهنشاهي جعلهم يفضلون منفي من نجد، وعميل انجليزي سابق على شيعي عربي. قتله الشاه، والانكليز بسكوت المرجعيات. وظلت المرجعيات الشيعية في زمن العثمانين، والانكليز، والحكم الملكي تحظى باحترام خاص، واستقلال تاريخي لم يحاول احد التدخل فيه. ان القمع الذي تعرض له الشيعة العراقيين مثل غيرهم، كان اضطهادا سياسيا، وليس طائفيا، او مذهبيا. لم يفصل احدنا من المدرسة، او العمل لانتمائه الشيعي بل قد يكون شيوعيا، او بعد ذلك من حزب الدعوة او غيرها. أي لاسباب سيياسية بحته. وقمعت انتفاضة اذار ليس لان الجنوب شيعي بل لانهم ثاروا ضد الطاغية صدام . وان من ساهم في تعذيبهم، وقتلهم، وتشريدهم، وافشى عليهم، وهدم بيوتهم، واحرق قراهم، وحفر قبورهم الجماعيه كان اغلبيتهم من البعثيين، والخونة الشيعة. والمقابر الجماعية ضمت ايضا اكراد، وعرب سنة، ومسيحيين، وشيوعيين، واسرى كويتيين. المدير الذي فصلني من المدرسة كان شيعيا، والشرطي الذي اعتقلني، والذي عذبني في دوائر الامن كان شيعيا. وناظم كزار كان شيعيا. وحوالي مدن العراق الرئيسية، وخاصة العاصمة بغداد في مدينة الثورة تكدس ملايين الفلاحين المعدمين الشيعة الهاربين من قمع، وظلم، واضطهاد الاقطاعيين الشيعة. الاقطاعيون الذين حاربوا الاصلاح الزراعي، وساندتهم المرجعيات بتحريم الزرع في الاراضي الموزعة حسب قانون الاصلاح الزراعي.

بل ان المرجعيات الشيعية حاربت الزعيم العراقي الوحيد الذي حاول ابعاد الدولة عن التمذهب، والتطيف، و بناء نظام سياسي غير متعصب. وساهموا بقتله مع البعثيين يوم 8 شباط 1963 الذين كانت تتشكل قيادتهم وقت ذاك من ثمانية اعضاء خمسة منهم شيعة(طالب الشبيب،حازم جواد، محسن الشيخ راضي، هاني الفكيكي، حميد خلخال). كما يذكر الاستاذ حسن العلوي في كتابه "الشيعة والدولة القوميه في العراق" :( كان الضابطان الوحيدان الشيعيان في اللجنة العليا للضباط الاحرار (ناجي طالب، ومحسن حسين الحبيب)، قد انشقا على حكومة عبدالكريم قاسم بعد طرد عبدالسلام عارف، وقد ساهما مع الاخير ومع القيادة القطرية لحزب البعث في اصدار حكم الاعدام على عبد الكريم قاسم. وفي اثناء الانشقاق كان العضو الشيعي الوحيد في مجلس السيادة الشيخ محمد مهدي كبة، قد انسحب من مسؤوليته انتصارا لعبد السلام عارف. واستقال فؤاد الركابي الشيعي الاخر امين سر القيادة القطرية، وممثل الحزب في حكومة الثورة من مجلس الوزراء في اعقاب الخلاف الذي نشا بين عبد السلام عارف وعبدالكريم قاسم انتصارا للاول). وفي الوقت الذي يصدر السيد محسن الحكيم فتوى بتحريم الانتماء للحزب الشيوعي العراقي الامر الذي ادى الى هتك اعراض وزهق اراح الاف من العراقيين الشيعة. يبعث ببرقية تاييد لسلطة الانقلاب البعثي، ويطلب مقابلة اثنين من زعماء الانقلاب هاني الفكيكي، ومحسن الشيخ راضي قائلا(اريد اشوف اولادنا). قرت عينه على هالولد الذين اغرقوا العراق بالدماء، ثم سلموه لصدام بعد حين ليصفي الكثير من قيادات الشيعة وعلى راسهم الشهيد محمد باقرالصدر . وقبله زعيم الحزب الشيوعي العراقي السيد حسين الرضي ابن عالم الدين النجفي.

ان الاستمرار في التباكي على الاطلال، والادعاء بالظلم التاريخي كلمة حق يراد بها باطل ففي كل التاريخ الاسلامي لم يحارب الشيعة كشيعة بل كمعارضين، اوطامعين بالحكم. فلقد دمر جيش يزيد المدينه المنوره المنورة، واستباحها، وانتهك اعراض نسائها، ثم ضرب الحجاج مكة بالمنجنيق، والنار للقضاء على ثورة عبدالله بن الزبير فيها. قبل ان يرتكب مجزرة كربلاء. وهكذا فعل الخلفاء المسلمين الذين يتغنون بتاريخهم الناصع مع كل من ثار، وانتفض ضدهم في مصر، وخراسان، والشام، وغيرها. ولم يكونوا من الشيعة.

ان الاسلام دين سلام، ودين محبة كما تدعون. فلماذا تحاولون نشر الحقد بين ابناء الدين الواحد وكيف نميز بينكم وبين التكفيريين، وعصابات بن لادن، والزرقاوي فهم يدعون الى البغضاء، وقتل المسلمين وانتم تتحدثون ليل نهار عن الحيف التاريخي، وتصرخون اليوم "بان ذلك لن يعود"، و"لن نسمح ان نحكم من الاقلية". وهو مشابه لقول وزير الخارجيه الصهيوني، الذي ارتعب من صعود نجم "هايدر" في النمسا مذكرا بجرائم النازيه: "لن ننسى ولن نسمح للعالم ان ينسى". ان الامام الذي تتبعوه، وتتخذوه، وليا لم يشهد عهده سجينا سياسيا واحدا. بل امر حتى بالرفق بقاتله الملعون عبد الرحمن بن ملجم. فماذا تقولون عن سجون ايران الشيعيه الملئى بسجناء الفكر، والرأي، والعقيدة، واعداماتهم للمعارضين السياسيين وفرق اعدامكم التي تنشر الرعب في المدن العراقية. فهل تنوون الانتقام ل 1400 سنه من الظلم كما تدعون؟ واين انتم من الاسلام الذي منع الثأر، ودعى الى التصالح، والتسامح، والوحدة؟ السيد اية الله علي السيستاني يدعوا الى التسامح، والوحدة، ونبذ الطائفية، وتهدئة العواطف، وعدم الثار، وتصفية الحسابات، والسعي لمنع الحرب الاهليه في العراق وانتم تتحدثون ليل نهار، وفي كل مناسبة عن "القتل على اساس الهويه" لشحن قلوب، وصدور المؤمنين بالحقد، والبغضاء. فالى اين تريدون جر البلاد، والعباد، بتهديدكم، ووعيدكم هذا؟ والامام علي ابن ابي طالب يوصي ابنه الحسن بقاتله :(اطعمه مما تاكل) فماذا تريدون ان تطعموا اخوتكم في الدين، والوطن؟ واين انتم من شاعر اهل البيت، وهو يقول: "ملكنا فكان العفو منا سجية..."

ان سجاياكم ليست شيعيه، وليست علويه. فكفوا شيعة العراق شركم، ومثلما تظاهر، ويتظاهر شيعة ايران، وشيعة الاحواز(تسكتون عن ظلمهم) ضد حكم الملالي الشيعة في طهران سيتظاهر شيعة العراق ضدكم بعد ان فرضتم عليهم زعامتكم بقوة، واموال ايرانية. لان شعبنا، وشيعتنا في العراق يريدان السلام، والبناء لا الحقد، والحرب فلقد تعبنا. فكفونا شركم. واذا استعرنا كلمات حزب كوادر الدعوة الاسلاميه فنقول لكم: "ان النسيج الاسلامي العراقي نسيج شيعي ـ سني متشابك"، ولا ينفعنا النظام "الاسلامي" الايراني الطائفي، والعنصري. فالعراقيون جميعا تعودوا على التسامح، والتعايش. فمن يصدق ان الاب السني يعادي زوجته الشيعيه، او العكس؟ ومن سيقتل الابناء امهم ام ابوهم؟ ان دولة المستضعفين التي ادعوا بانشائها ليس لها علاقة بالجوع الذي يعاني منه ملايين الايرانيين، ولا بسياراتكم الفارهة، وقصوركم الضخمة، ولم يمض على حكمكم في العراق سوى سنتين، في حين تبعثون بالجوعى، والعاطلين عن العمل في زيارات مليونيه لضرب الزنجيل، والقامة، والزحف، والموت سحقا تحت الازدحام. اين انتم من الخليفة امير المؤمنين علي الذي كان يخيط ملا بسه، ويرقع نعاله بيده. ايران الاسلاميه التي تريدون بناء دولة على غرار حكمها تحولت الى دولة قومية عنصرية توظف الاسلام لاغراض سياسيه كما وظف صدام حسين وغيره القوميه العربيه لاهدافه العدوانيه الفاشيه.

اذا كان افندييكم علي الدباغ، والموسوي، والمالكي، والجعفري، وشعراء، وادباء، ومقدمي برامج، وغيرهم يتحدثون عن الانتقام التاريخي فكيف اذن ب"قادة" تستلم اوامرها من قم وطهران. وصدقت سخرية شعبنا: منين ما اخيطه يفتكونه الافنديه .

رزاق عبود
razakaboud@hotmail.com
المصدر: الحوار المتمدن، 7/11/2005