ينبغي رفع الحيف الذي لحق بالأكراد الفيليين وإنصافهم

الحيف الذي لحق بالأخوة الأكراد الفيليين الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع العراقي ، على أيدي النظام الصدامي الفاشي يمثل بلا أدنى شك جريمة جماعية كبرى ضد الانسانية ، ليست فقط حسب المقاييس التي أقرتها الأمم المتحدة ، والمثبتة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ، بل ويمثل عدوانا صارخاً على حقوق الإنسان بموجب كل الشرائع والأديان السماوية ، والقيم والأعراف الإنسانية ، فالأخوة الكورد الفيليين قد تعرضوا إلى أبشع جريمة اقترفها النظام الصدامي بتجريدهم من جنسيتهم العراقية وحق المواطنة دون أي سند قانوني ، وهم الذين ولدوا وترعروا في هذا الوطن ، ولم يرتضوا عنه بديلا ، وقد خدموا هذا الوطن بكل أخلاص، وكان لهم قصب السبق في النضال في صفوف الحركة الوطنية من أجل تحرره واستقلاله .

لقد سلبهم النظام الصدامي أعز ما يتمسك به الإنسان وهو حق المواطنة حيث جردهم من جنسيتهم العراقية ، وكافة وثائقهم الثبوتية ، وألقى بهم على الحدود الإيرانية بكل وحشية ، مما أدى بالعديد منهم إلى الموت في ظل تلك الظروف القاسية ، وحقول الألغام المزروعة على طول الحدود العراقية الإيرانية والتي أزهقت أروح الكثير منهم.
ولم يكتف الجلاد صدام بهذه الجريمة البشعة بل أضاف إليها جرائم أشد وأقسى عندما سلبهم فلذات أكبادهم وهم في عمر الزهور ، وأجرى عليهم تجارب أسلحته الكيماوية والجرثومية التي قضى فيها ما يناهز 11 ألف من الشباب والصبيان الذين ضمتهم القبور الجماعية التي تم اكتشافها بعد سقوط الطاغية ونظامه البشع .

كما أقدم الجلاد صدام على مصادرة كل أملاكهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة في تجاوز خطير حتى على الدستور الذي كتبه صدام بنفسه ، والذي ينص على أن حق الملكية مصان لجميع المواطنين ، ولا يجوز نزع الملكية إلا بقانون ، وللمصلحة الوطنية ، ويتم التعويض العادل عن الأملاك المنزوعة .
لكن صدام لم يحترم طيلة مدة حكمه الدستور والقانون ، بل كان الدستور و القانون ألعوبة بيديه ، والويل لمن يحاول الاعتراض عليه .

وهكذا وجد الأخوة الأكراد الفيليين أنفسهم في إيران فقراء معدمين بعد أن فقدوا كل شيئ ، بل لقد وجدوا أنفسهم محاربين من النظام الإيراني الذي لم يعترف لهم بحق المواطنة ، ولم يسمح لهم بالعمل أو التملك ، وعاشوا حياة بائسة في المخيمات لسنين عديدة يتملكهم اليأس ، وتنهش فيهم الكآبة والأمراض والأحزان على فراق ابنائهم المحتجزين لدى الطاغية ، والذين تبين فيما بعد أنه قد قتلهم جميعاً دون رحمة ، ودون أي جريمة اقترفوها ، وهي تدخل ضمن جريمة الإبادة الجماعية للإنسانية والتي يعاقب عليها القانون الدولي .

لقد استبشر الأخوة الكورد الفيليين بسقوط نظام الطاغية الوحشي في التاسع من نيسان 2003 ، يساورهم الأمل في العودة إلى الوطن ، واستعادة ابنائهم المحتجزين ، واستعادة أملاكهم وأموالهم المصادرة من قبل النظام الصدامي ، واستعادة وثائقهم التي تثبت عراقيتهم ، وتعلقهم بوطنهم .

لكن الأخوة الكورد الفيليين صُدموا صدمة كبرى عندما فقدوا الأمل في العثور على ابنائهم الذين احتجزهم صدام ، وتوجهوا نحو القبور الجماعية التي تم اكتشافها فيما بعد فكانت الكارثة الكبرى عندما وجدوا بقايا الهياكل العظمية لأبنائهم الشهداء ، فقد جرى تصفيتهم من قبل النظام الصدامي المجرم ، وانقلب الفرح الذي كان يساورهم بلقاء ابنائهم مآتماً واحزاناً .

وانتظر الأخوة الفيليين من النظام الجديد الذي أُقيم على أنقاض النظام الصدامي أن يعوضهم عما فقدوه من أملاك وأموال اغتصبها النظام المقبور ، ويعيد إليهم حقوق المواطنة ، ووثائقهم الثبوتية المسلوبة ، ويعوضهم عن فقد ابنائهم البررة ، وطال الانتظار لغاية هذا التاريخ دون أن يتلمسوا أي إجراء حقيقي من قبل الحكومات التي تعاقبت على السلطة ، وهم يعانون اشد المعانات من الظروف الصعبة التي يعيشون في ظلها .
إن إنصاف هذه الشريحة الواسعة من المواطنين العراقيين ، وإعادة كامل حقوقهم المغتصبة ليس منة من أحد ، بل هو حق وواجب ، وعلى الحكومة الحاضرة أن تتولى الأمر بجدية ، وتعيد الحق لأصحابه دون تلكؤ أو تأخير ، وهذا يتطلب اتخاذ الإجراءات العاجلة التالية :
1 ـ تعديل قانون الجنسية العراقية ، وإلغاء أي تمييز بين المواطنين العراقيين الذي كان معمولاً في السابق ، فالعراقيون ينبغي أن يكونوا سواسية أمام القانون ، وإعادة حقوق المواطنة لهذه الشريحة المظلومة بكل ما تعنية تلك الحقوق .
2 ـ إعادة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة التي سلبها منهم النظام الصدامي البائد دون وجه حق ، وعلى وجه السرعة ، وتأمين الحياة الكريمة لهم وإنقاذهم من الظروف الصعبة التي يعيشون في ظلها .
3 ـ محاكمة صدام وزمرته على جريمة قتل أبنائهم دون أي سند قانوني ، ودون أي جريمة اقترفوها ، ولاسيما وأن معظمهم كانوا من الصبيان ، والحكم بتعويض عادل لهم عن هذه الجريمة الوحشية البشعة ، وإجبار صدام وزمرته على دفع التعويضات من أموالهم التي نهبوها من الشعب طيلة 35 عاماً من حكمهم البغيض والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات التي جرى تهريبها خارج البلاد .
إن إعادة الحق إلى نصابه ، وإنصاف هذه الشريحة المهضومة الحقوق ، ورفع الحيف الذي أصابهم على أيدي تلك الزمرة الشريرة ينبغي أن يتم بأسرع وقت ممكن ، فالقضية إنسانية قبل كل شيئ ولا تتقبل التأجيل والتأخير .

حامد الحمداني