الشيعة والاكراد، لو نطق التاريخ..
هل هو جاهل بالتاريخ ام مغفل هذا الذي يعتقد بان العلاقة المستحكمة بين الشيعة والكورد هي سحابة طارئة على خارطة التحالفات السياسية، واو يلخصها بمجموعة من المصالح التقت بعد
سقوط النظام الديكتاتوري السابق؟
جذور الارتباط بين هاتين الكتلتين السكانيتين لا تعود فقط الى تحولات التاسع من نيسان 2003، ولا الى 17 تموز 1979 حيث استلم الديكتاتور السلطة وانما كانت قبل مجيئه، في عهد
احمد حسن البكر، التي ورثها ايضا، من العهد العارفي، الذي تلقاها هو الاخر بالوراثة.
ونفس السياسات الطائفية والشوفينية كانت متبعة ابان الفترة الملكية (1921-1958) حيث كانت النخب الحاكمة تصادر الحقوق التي كان من المؤمل ان يتمتع بها السواد الاعظم من
العراقيين انذاك.
والحقيقة ان تلك النخب، التي فتحت مجالا ضيقا لبعض الشخصيات الشيعية والكوردية المتنفذة كي تدخل دائرة السلطة، لم تكن لتمثل مصالح الجماهير السنية العربية ايضا، بقدر ما كانت
تحمي سلطة الاقطاع والفئات المتحالفه معه انذاك سواء في كوردستان او بقية مناطق العراق.
قبل ذلك قمع البريطانيون المستعمرون طائفة الشيعة من اجل استبعادهم من المواقع الحساسة في الدولة العراقية الوليدة، وصفوا في الوقت ذاته مملكة كوردستان التي كانت عاصمتها
السليمانية ثم نفي ملكها محمود الحفيد عام 1919 الى الجنوب.
ولو عدنا الى ما قبل ذلك، فقد كان الحكم العثماني طائفيا شوفينيا كذلك، يقمع الشيعة بالجنوب بحجة علاقات مذهبية مع غريمتهم الدولة الصفوية، والاكراد بسبب التمايز اللغوي الذي
يفرضوه في الاناضول، معقل الامبراطورية التركية.
واذا استقرأنا التاريخ، بالايغال اكثر حتى ايام الدولة العباسية وسابقتها الاموية سنجد القمع الذي تعرض له الشيعة والاكراد، عن طريق العنف، ومحاولات الاجتثاث و سحق الثورات
والانتفاضات التي لم تتوقف انذاك.
الشيعة والكورد ليسوا شركاء الماضي ، ولا الحاضر فحسب، وانما يجمعهم مستقبل واحد كذلك، فتراكمات النضال المشترك في سبيل تذليل الروح الشوفينية والطائفية التي عانوا منها سوية
لقرون قد وحدت مصيرهم، واساليب نضالهم للقرون القادمه. سواء على المدى القريب كالمطالبة بنظام تعددي علماني فيدرالي، او على المدى البعيد كترسيخ القيم الانسانية وبناء شرق
اوسط تحضى فيه جميع الشرائح السكانية بالمساواة، على تلاوينها، اسوة بمناطق العالم المتحضرة اليوم.
حاولت السلطة الفاشية اواخر القرن الماضي دق اسفين العداء بينهما بطرق شتى، كارسال الوحدات العسكرية من الجنوب لقتال الحركة التحررية الكوردية، والامعان بالقتل والتخريب
واحراق القرى، الى نقل افراد من العرب الشيعة من الجنوب لتوطينهم قسرا في مناطق كوردستان كخانقين وكركوك وبدره مع الاعتداء على حرمات الافراد ومصادرة ممتلكاتهم وتوزيعها
على الشيعة علنا.
وتواصل بقايا النظام السابق اليوم ذات السياسة الرامية الى الفرقة عن طريق اختلاق الاشاعات واستغلال الحرية المتاحة عبر الفضائيات ومواقع الانترنيت والصحافة غير النزيهة في
اغلب الاحوال.
الا ان نجاح الغالبية المسحوقة من الشيعة والكورد، وكذلك الطبقات المهمشة من السنة، نجاحهم في ارساء مجتمع نظيف من الاحقاد، خال من الهوس النازي يعتمد اساسا على مدى جديتهم
في الكفاح ضد القوى الظلامية والسلفية هذه، التي تحاول تأجيج الروح العدائية على الدوام، ويعتمد على وعيهم بضرورة نبذ التفرقة العنصرية والطائفية، والتصدي لها بصدق، وتعرية تلك
الاصوات والاقلام سوية، وليس لهم غير هذا الطريق. اسألوا التاريخ.
حسين القطبي
tohussein@hotmail.com
المصدر: صوت العراق،17/6/2006