الكورد الفيلية .... شموع وقرابين ـ الحلقة الثانية ـ
* / سويسرا
أن ماجرى على ( أولاد عمومتنا ) الكورد الفيلية من قتل وتشريد وحجز ألأموال ( المنقولة وغير المنقولة ) وحملات ألأعدامات وأختفاء مئات الشباب بلمحة بصر ، وصمة عار على
المجتمع الدولي والمؤتمر ألأسلامي وجمعيات ومنظمات حقوق ألأنسان .
لقد مارس ( الطاغية ) أبشع الجرائم بحق أناس أعزل ،ذنبهم الوحيد أنهم متميزون في شتى مجالات الحياة ويحبون الحرية وينادون يالديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات و أنهم
كرد أولاٌ وأنهم يحبون شعبهم ويساندون قضيتهم المركزية وحركة تحرر شعبهم ويساندوها بالمال والدم... ياترى يا أحرار العالم :
متى كانت الدفاع عن الحقوق جريمة لاتغفر؟؟؟.
******************
كان لأولاد عمومتنا ( الكورد الفيلية ) دور بارز في أسناد الحركة التحررية الكردية منذ أندلاعها في أيلول / 1961 ، فلم يبخل ـ الكرد الفيليون ـ بالمال والشباب لرفد تلك الحركة والتي
كانت في بداياتها بحاجة الى المزيد من تلك المساعدات و كانت في حينها كـ (اللعب في النار!! )، لايمكنني أن أنسى العديد من الحوادث بالرغم من أن عقوداٌ قد مضت على تأريخ حدوثها
وكنت حينذاك شاهد عيان لأغلبها .
في منتصف الستينيات من القرن الماضي كنا نسكن منطقة ـ المشتل ـ القريبة من بغداد الجديدة ، وكان عمي المرحوم ـ عمر رضا ـ له العديد من العلاقات مع أولاد العم ، وكانت
زياراتهم الينا مستمرة يشاركوننا ونشاركهم ألأفراح وألأتراح.
زياراتهم بالأخص ليلة الخميس على الجمعة كانت لاتنقطع ، حيث كانت جماعة من ستة أشخاص أو أقل يحضرون في موعد محدد ويبقون الى منتصف الليل .
واجبي وشقيقي المرحوم ـ دكتور جمال ـ كان تقديم الطعام والشاي والفواكه ، وكأي طفل ـ فضولي ـ حاولت أن أفهم مايتحدثون في تلك الجلسات الطويلة ، والعائلة كلها منشغلة بأولئك
الضيوف وأكثر من هذا الجميع مسرورون بزياراتهم المتكررة!!.
مرة وأثناء تقديم الشاي سمعت مصطلحاتاٌ غريبة :
بيشمركة ... البارتي... البرزاني... السياسة ... الحذر ... الحكومة وألأمن ..............الخ من المصطلحات الجديدة على طفل في نعومة أظفاره وبالأخص في ذلك الوقت حيث السياسة
لم تكن كما آلآن!!.
لم أستطع الصبر ، سألت شقيقي المرحوم :
ــ عن ماذا يتحدثون؟؟.
غضب بوجهي وقال :
ــ أنه حديث الكبار... لادخلك بما يتحدثون ، وأياك أن تقص ماسمعته عل أقرانك في المدرسة أو أبناء المحلة !!.
التزمت الصمت ، ولكن في تلك الليلة لم أستطع النوم بل ظلت تلك المفردات الغريبة تأتي وتذهب في مخيلتي الا أن شعر شقيقي بذلك ، حينها نهض وتحدث لي عن أمور غريبة!! ، يا
الهي ما الذي يحصل؟؟ ، ومنذ ذلك الوقت شعرت بنشوة وفخر وأعتزاز لاتقدر و أصبحت أرتدي أجمل الملابس لأستقبال الضيوف!!.
وحينها علمت أيضاٌ سبب مراقبة الوالدة ـ رحمها الله ـ للشارع وخروجها بأستمرار وبمختلف الحجج ، حينها علمت أنها تستطلع الشارع والمنطقة فيما اذا كان أحدهم يراقبناأم
لاء؟؟.
بأختصار كانت تلك الجماعة أحدى خلايا تنظيمات ـ البارتي ـ ضمن تنظيمات العاصمة بغداد!!.
على مايبدو كان مسؤل تلك الخلية المرحوم ( زوراب دارا خان ) ، ذلك الرجل ألأنيق بملابس ( ألأفندية ) وهو يحمل سبحة طويلة وذات حبات كبيرة وسيارة حديثة وذو كلام حلو كالشهد
الصافي ، ويستعمل مصطلح ( آموزا ) أي أبن العم بكثرة وبلهجة أهلنا وأولاد عمومتنا كان يودعنا ، وحتى مغادرتهم للمنزل كانت بأنتظام ولايغادرون مرة واحدة!!.
أستمرت تلك ألأجتماعات ،لشهور ، وحينها جلبت أنتباه ( رجال ألأمن والجواسيس) ، وفعلاٌ شاهدنا سيارة صغيرة بيضاء من نوع ( فولغس واغن ) تراقب منزلنا بأستمرار ، وحينها أنذرنا
المرحوم ـ العم زوراب ـ بأن ألأجتماعات قد أنتقلت الى وكر آخر... ياللأسف كم حزنت لابل بكيت من كل قلبي بعدم تكرار تلك الزيارات.
من الجدير بالذكر بأن لذلك التنظيم كانت ( آلة طابعة ) موجودة في الطابق العلوي ، ولكن بسبب تلك المراقبة جاء أحدهم ( من أولاد العم ) وأنتشل ذلك الجهاز بسرعة قبل وقوعها بيد (
رجال ألأمن ) .
لا أنسى مطلقاٌ حجم وشكل تلك ( آلآلة العجيبة ) وكنت كلما تسمح الظروف أقوم وأستمتع بالنقر عليها ، الا أن لاحظتني المرحومة ـ الوالدة ـ وحذرتني لابل وبختني بقوة
وقالت:
ـ ماذا تفعل ، أنها آمانة وملك الثورة والشعب!!.
بعد أيام من المراقبة وفي أحدى الليالي داهموا الدار ـ رجال يرتدون الملابس المدنية ـ ويحملون رشاشات صغيرة ، فتشوا الدار لابل ( قلبوها رأس على عقب ) ولكن لله الحمد لم يعثروا
على ـ قصاصة ورق ـ وحينها أستجوبونا بما فيهم ـ أنا ـ ولكن قبل ذلك أخذت العائلة كافة ألأحتياطات من ضمنها تلقيني بصورة جيدة!!.
غادروا ـ بخفى حنين ـ ولكن المراقبة ظلت لأشهر!!.
وعندما كبرت علمت بأن ( أولاد عمومتنا ) كانوا يمدون الثورة الكردية بالمال السخي والشباب وحتى ألأجهزة والسلاح ، ناهيك كونهم كاموا عيوناٌ ساهرة لنقل كل ماهو يخدم الحركة
التحررية وشعبنا الكردي .
واليوم :
حينما أتذكر تلك ألأيام وحجم التضحيات التي قدمها ـ الكورد الفيليون ـ ، كانت في الحقيقة خطورته لاتقاس وأقول:
ياترى هل نست القيادة الكردية تلك المواقف؟؟.
شخصياٌ أقول كلا والف كلا ، ولكن أطمح بالمزيد من الدعم لأولئك الذين ضحوا بكل مايملكون من ( مال وحلال وشباب وتحملوا الكثير من الويلات والمشقة ) في خدمة قضية شعبهم ،
وكانوا ولايزالوا كالشموع لشعبهم وأمتهم وقدموا آلآلآف من القرابين.
ــ هنالك حلقات أخرى أنشاءالله تعالى ـ
* كاتب وصحفي وقاص كردي مقيم في سويسرا ( مدينة زيورخ ) ـ عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية .
المصدر: صوت كوردستان، 10/6/2006