من يأخذ بحق نصف مليون كردي فيلي هُجروا يا طارق عزيز ؟

في الجلسة الأخيرة لمحاكمة الطاغية صدام حسـين وسـبعة من اعوانه حضر طارق عزيز أحد أركان النظام الفاشـي السـاقط والذي يعتبر مسـاهماً فعلياً في الجرائم المرتكبة خلال حكم ذاك النظام بحكم موقعه القيادي الفاعل ، وهو الآن معتقل بسبب ذاك الدور. حضر عزيز شـاهداً للدفاع عن صدام حسـين .
فتصوروا الأمر المهزلة المضحكة المبكية !
وما حال الشعب العراقي المظلوم الذي ذاق الأمرين والمليون أمر، وهو يشـاهد هذه الفصول المثيرة للغضب والقرف ..!
ماذا يريد من يقف وراء اجراء وعلنية المحاكمة ؟
وما الهدف البعيد والمخفي خلف دهاليز المخططات الكبرى من هذه المحاكمة ؟
لا هي بالجدية المطلوبة ، ولا هي في سـيرها المفروض بمثل هكذا محاكمة أن تدور في اطاره ، وهي تنظر في قضايا خطيرة لشعب عانى لخمسـة وثلاثين عاماً من كل ألوان الاضطهاد والقتل والتدمير والابادة الجماعية والتهجير وامتهان الكرامة وسـرقة خيرات من مجموعة متسـلطة مافيوية التكوين والعلاقات والحكم تجاه شعبها والعالم . عصابة جاءت من تكوين مجهول الجذر لتفتك بأعرق شـعوب العالم. والمهزلة أنها كانت تحمل فكر الوحدة والحرية والاشـتراكية وكانت أبعد من بعيد عنها.
كان من اهداف المحاكمة هذه أن تكون مثالاً على سيدة القانون والعدالة والنزاهة والشـفافية وديمقراطية العهد الجديد ، والتنويه الى ان الطغاة والجناة الذين يسومون شعوبهم الاضطهاد والظلم والتشريد والقتل ويعتدون على الشعوب المجاورة لهم سـينالون عقابهم يوماً مهما طال الزمن.
لكن للأسـف تحولت المحاكمة وكأنها محاكمة للضحايا لا للجناة المجرمين ..!!
ها هم الضحايا يتلوون ألماً ويزدادون جرحاً ويغلون غضباً ... رغم الاهانة والتحقير التي لحقت وتلحق بالطغاة في هذه المحاكمة ، فعلى أقل الفروض هم في قفص الاتهام بعد عقود من البطش والاستكبار على الشعب ، والتنعم بخيرات الوطن ونهبه وتوزيعه يميناً وشمالاً على كل من هب ودب داخل العراق وخارجه من المرتزقة والغلمان والواقفين على أبواب السلاطين الجائرين مداحين منافقين كذابين سـود الوجوه وصفر النفوس.

ومن عجائب المحاكمة أن طارق عزيز اشـتكى من محاولة الاعتداء التي تعرض لها عام 1980 وعند زيارته لجامعة المستنصرية ، وأنه يريد اقامة دعوى على من وقف وراءها وهم من حزب الدعوة ، وبالذات على زعماء الحزب ، رئيس الوزراءالسابق ابراهيم الجعفري والحالي نوري كامل المالكي. وأن شـظايا من التفجيرات في المحاولة المذكورة ما زالت في جسـده.
وقد طلب منه القاضي رؤوف محمد رشـيد أن يقدم الشـكوى لينظر فيها. وكان يهدف من شـهادته المقارنة بين تلك المحاولة وما جرى في الدجيل لتبرير الجريمة في تشريد وحجز عوائل من المنطقة واعدام 148 شـاباً في محاكمات صورية سـريعة في محكمة الثورة التي ترأسـها المتهم الجزار الآخر عواد البندر. وكانت أحكام الإعدام تلك جاهزةً مسـبقاً ومقررة سـلفاً وما المحاكمة الا لأضفاء شـرعية شـكلية .
فانظروا أيها السـادة كيف تحول الجلاد الى ضحية مسـكينة بريئة مظلومة والضحية الى متهم تجـب محاكمته..!؟
لكن طارق عزيز تناسـى ما تلا تلك المحاولة مباشـرةً وفي نفس اليوم.
أسـرعت أجهزة الأمن مباشـرة وفي جنح الظلام وفي عمليات سـريعة مسـبقة التخطيط والتحضير في الهجوم على بيوت الكرد الفيليين لغرض تهجيرهم الى ايران . إن لم يكن كل شـيء مرسـوماً ومخططاً مسـبقاً فكيف تسـنى لهم بهذه السـرعة وبالمعلومات الدقيقة عن العائلات الفيلية وعناوينها وأماكن سـكناها لينقضوا عليهم بشـكل بربري لا انساني ومتوحش وهم على مائدة العشـاء أو نائمون أو عند الفجر ليقوموا بتجميعهم وتهجيرهم ومصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة في عملية عصاباتية قذرة قل نظيرها في تاريخ العالم ، وبهذه الدقة والوحشـية والبشاعة..! ؟

أطفال نسـاء رجال شـيوخ عجزة معاقون ، نصف مليون انسـان بريء لا علاقة له بما جرى لا من قريب ولا من بعيد! لم يكن للكرد الفيليين علاقة بحزب الدعوة، ، ولا بمحاولة اغتيال طارق عزيز ، غير ما عرف عن منفذ العملية سمير غلام رضا بأنه كردي فيلي. لكن ما تطرق الى السـمع أنه كان منتمياً الى حزب البعث ونصيراً فيه. فتخيلوا..!!؟

ثم تم حجز أكثر من خمسـة آلاف من شـباب الكرد الفيليين ، وبعضهم كان عسـكرياً يخدم في الجيش العراقي ، وبينهم موظفون ومدرسون ومحامون وأطباء وتجار ومهندسون وعمال وكسـبة لم تكن لغالبيتهم العظمى علاقة بالسياسة ، مجرد أناس بسطاء يعيشون ويخدمون وطنهم العراق بكل اخلاص وتفان ونظافة يد وسلامة طوية ، لم يظهر بينهم خائن لوطنه أو متعاون مع أجنبي ضد بلدهم مثل الكثير الكثير ممن يدعون انتماءهم الأصلي اليه ، فيقرعون آذاننا ليلاً ونهاراً بالوطنية والقومية والدين وكلها براء منهم ومن امثالهم من الكذابين والمنافقين واللصوص وخونة شعبهم ووطنهم. وإلا كيف تمكن الأمريكيون من الوصول الى احتلال العراق بهذه السـهولة والسرعة إن لم يكن لرؤوس النظام يد وسـبب وعلاقة بذلك مباشـرة أو غير مباشـرة ..؟!
أين كانوا ..؟ وأين أصبحوا ..؟!
لقد تلاشوا وهربوا واختفوا وتخفوا بلمح البصر، وخلعوا ملابسهم العسكرية والخاصة دون خجل أو حياء أمام الكاميرات ليبقوا كما خلقهم الله عراة من كل شيء ، ملابس وروح ونفس وكرامة واباء صموا آذاننا بها ليل نهار وصبح مساء وصدعوا رؤوسـنا بها في المدارس والشوارع والتلفزيون والاذاعة والاغاني والاناشيد وقصائد المدح والردح والتطبيل والتزمير ورنة أوراق المال ...!!

بطشـهم وقدرتهم كانت على شـعبهم ، على المساكين والاطفال والنساء والعجزة ، ومنهم الكرد الفيليون. لقد هجروا أكثر من نصف مليون كردي فيلي بعد حادثة المستنصرية، وألقوهم خلف الحدود بين فكي جيشي العراق وايران وسـط القذائف والقنابل وبين الألغم التي تفدرت ببعضهم ، وبعضهم ضاع بين شعاب الجبال والبراري ليصبح طعاماً للذئاب والوحوش . فهل شـارك كل هؤلاء في المحاولة يا طارق عزيز اللاعزيز؟!
وهل كانت النساء والأطفال والشيوخ والعجزة من دبر وحاول اغتيالك ؟!
وهل حجز واختفاء أكثر من خمسة آلاف من الشـباب الفيلي في السجون ، والذين لم يظهر لهم أثر ولا مقبرة ولا ذكر حتى اليوم هذا الذي نكتب فيه رد قانوني على المحاولة ؟ هل هؤلاء الأبرياء من رفع السلاح وقذف به طارق عزيز ..؟؟
ما ذنب كل هؤلاء كي يدفعوا ثمن حادث مشكوك في كونه تخطيطاً مخابراتياً لتهجير الكرد الفيليين وانهاء شبابهم الغض المتفتح للحياة تمهيداً للحرب على ايران المدبر والمخطط له منذ زمن ؟
أليس ذلك انتقاماً وحشـياً غير مبرر ولا شـرعي وغير قانوني يا طارق اللاعزيز؟

من يأخذ بحق هؤلاء الألوف المؤلفة من المهجرين الفيليين وابنائهم الذين اختفوا في معتقلات النظام المباد ، ما بين من اُعدم ، ومن جربت فيهم الأسلحة الكيمياوية الفتاكة ، ومن ألقي أثناء الحرب العراقية الايرانية في حقول الألغام ليكون طعماً لتفجيرها وازاحتها عن طريق جيش صدام وهو يهاجم الايرانيين ..؟

من يأخذ بحق هؤلاء منكم يا طارق عزيز ، ويا قادة نظام الفاشـية التي انهزمت وهربت أمام قوى الاحتلال دون اطلاقة أو مقاومة شـريفة يدعونها... ؟

قولوا لنا بربكم يا شـرفاء العراق ، من سـيأخذ بحق هؤلاء المضطهدين المظلومين ، والذين ما زالوا مظلومين مضطهدين لم يأخذوا حقهم في التغيير الحاصل في العراق ولا أعيدت لهم بيوتهم وأموالهم وحقوقهم ، وليس أقلها حق المواطنة الأولى كغيرهم من العراقيين ..! فلا وجود بعد اليوم من عراقيين درجة أولى وعراقيين درجة ثانية . الكل سـواسـية امام القانون وفي الحقوق دون تمييز او تفريق او ظلم أو تهميش لأي سبب كان سوى خدمة الوطن وتقواه.

فأين حقوق الكرد الفيليين وهم يعيشون تحت حكم حزب الدعوة الذي هجروا وشردوا وقتل ابناؤهم بسبب محاولته المدعاة في اغتيال طارق عزيز ؟
ومن يأخذ بحقهم منكم يا طارق اللاعزيز ...؟!
لقد دفع الكرد الفيليون وشـبابهم ثمناً انسانياً باهضاً تاريخياً لعمل لم يكن لهم يد فيه ، ومشكوك بانه مفبرك للغاية التي اعقبتها . وبذا فإن القصاص من الذين خططوا وامروا ونفذوا حملة التهجير والمصادرة وسـلب الحقوق والأموال للكرد الفيليين ضرورة ملحة وواجبة وطنياً وانسـانياً..!
وكذلك اسـتعادة تلك الحقوق المسـلوبة من أموال منقولة وغير منقولة ووثائق عراقية مصادرة واجب بل حق دستوري قانوني شـرعي وطني يجب تنفيذه وعدم التهاون والتقاعس في سـبيل تحقيقه.

عبد السـتار نورعلي

المصدر: صوت العراق، 26/5/2006