حملات التسفير بلسان أوائل المسفرين

يوم مشؤوم وطالع نحس دفع مئات الألوف من أبناء شعبنا العراقي من جراءها ضريبة قاسية لم يكن لهم فيها لاناقة ولاجمل، إنه يوم (5) نيسان من عام 1980، حيث افرغ النظام السابق جام غضبه على الكورد الفيليين لا لشيء سوى إنهم كورد.
إنها ذكريات أيام البؤس والشقاء ومعاناة أكثر من نصف قرن من تشرد وعذاب وفراق الأهل وخسارة أكثر من خمسة عشر الف شاب في سجون النظام. يذكر السيد شاكر كريم إنه كان من أوائل الذين شملتهم هذه الكارثة،

فيقول: في يوم الخامس من نيسان 1980 وفي الساعة السادسة مساءً وصلت مفرزة من دائرة الأمن وقامت على الفور بتطويق دارنا وبعد مداهمة الدار طلبوا من جميع أفراد العائلة مرافقتهم إلى دائرة الأمن للإجابة على بعض الإستفسارات والأسئلة مؤكدين بأن العملية لن تستغرق سوى دقائق ودون أ يخبرونا عن سبب هذا الإستدعاء وتم نقل جميع أفراد العائلة إلى دائرة الأمن في منطقة العبخانة وهناك وجدنا عدة عوائل قد سبقتنا والجميع لايعرفون سبب هذه الإجراءات، وبعد مرور حوالي الساعتين تم نقلنا بواسطة سيارات كبيرة إلى دائرة الجنسية وكنا عشر عوائل وهناك رأينا (سعدون شاكر) واقفاً في شرفة الدائرة ففي الدائرة صودرت من عندنا جميع الوثائق والمستندات العراقية من هويات الأحوال المدنية ودفاتر الخدمة العسكرية وأية وثيقة رسمية تخصنا. بعد الساعة العاشرة مساءً في اليوم نفسه وصلت سيارات مشبكة إلى مقر الدائرة حيث أُجبر الجميع على الركوب ولكن إلى جهة مجهولة وبحراسة مشددة من قبل الشرطة، سارت بنا السيارات حتى تم إجتياز حدود مدينة بغداد وبعد جهد وتوسل أجابنا أحد أفراد الشرطة بالعبارة البغدادية المعروفة (احترك الأخضر بسعر اليابس) وإن مشاعر عدم الرضا كانت بادية على وجهه. حيث كان يبدو رجلاً نبيلاً وشريفاً وقال إننا متوجهون إلى مدينة مندلي، وصلنا إلى مندلي في حدود الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل والكل في حيرة من أمرهم حتى وصلت سيارات عسكرية كبيرة من نوع (إيفا) أجبر على الجميع على الصعود فيها وأتجهت بنا إلى مكان مجهول حتى وصلنا عند الفجر إلى منطقة لايعرف الجميع عنها شيئاً بعد إنزالنا من السيارات العسكرية تم توجيهنا سيراً إلى طريق شائك مع إعطاء الأوامر إنه في حالة الرجوع أو الألتفات إلى الخلف فستكون العواقب وخيمة وسيطلق النار فوراً على من يخالف الأوامر. بعد مسيرة نصف ساعة تركنا الجنود وهم يطلقون النار في الهواء للترهيب لدرجة وقع أحد الشيوخ المعقدين وقد تركه أهله في المكان وأضطرنا نحن مجموعة من الشباب إلى حمله ومساعدته كنا بحدود (50) شخصاً وبيننا أطفال ونساء حتى وصولنا إلى مجرى مائي وفي الجهة المقابلة هناك عدة قرى حدودية إتجه نحونا ثلاثة أشخاص وأخبرونا بأننا في منطقة سومار بقي معنا شخصان ورجع الثالث إلى القرية لجلب جرارات زراعية لمساعدتنا على عبور النهر وعند وصولنا القرية قدم الأهالي المساعدات من مواد غذائية وملابس لأن الكثير كانوا بملابس النوم، فتم بعد ذلك إخبار السلطات الإيرانية فتم الإستفسار منا وعن وضعيتنا والأسباب من وراء هذه العملية الغادرة لأنهم أكدوا من جانبهم عدم معرفتهم شيئاً عن هذا الموضوع بعد ست ساعات تم نقلنا بسيارات عسكرية إيرانية إلى مدينة سربول زهاب لتستقر في أحدى المساجد عدة ايام وبعد ذلك تم توزيعنا في معسكرات لاجئين لنبدأ رحلة الألام والمأساة رحلة إستمرت نصف قرن وحتى سقوط النظام ولكن وبعد حوالي ثلاث سنوات من سقوط النظام لازال المصير مجهولاً فلا مال ولا ولد فقضايا الأموال المصادرة لازالت في عملية مراثونية داخل أروقة المحاكم ومصير الشباب الفيلي لازال مجهولاً وحتى مقابرهم الجماعية في عالم المجهول بالإضافة إلى مشاكل الجنسية والوثائق، فالكوردي الفيلي لازال في دوامة اللامعلوم مع هذا أن بعض الشباب كانوا محظوظين لأن في الوجبات الأولى من التهجير سمح لهم بمرافقة أسرهم إلا أن السلطات تعمدت إلى حجز كل الشباب الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية.

آفاق الكورد
المصدر: شفق: نيسان 2006