التطرف الإسلامي والعدوان على الآخرين..

لم تنطفئ بعد نار الجدل حول تصريحات الرئيس المصري عن الشيعة، حتى اندلعت نيران العدوان على الكنائس القبطية في الإسكندرية.
إن من حق السائل أن يسأل: لم يترك الرئيس المصري هموم بلده ولاسيما العدوان المتكرر على الأقباط، مساجد وفتيات ودينا، وينهمك في الفتاوى عن شؤون الآخرين!؟
إن مأساة الأقلية القبطية في مصر معروفة للجميع ومن أمد بعيد، ومع ذلك لم تتخذ الدولة المصرية إجراء جديا للمعالجة، بل وإن من دوائر الدولة والصحافة من يذكون النار ويغطون على الجرائم ويشوهون الحقائق. والمثال الأخير المحاولة البائسة لتحميل "قاصر عقليا" مسؤولية العدوان، علما بأن القاصر هو من يصدق الأكذوبة.
إن العدوان المتكرر على الأقباط لا ينفصل عن تزايد نشاط ونفوذ جماعات الإسلام السياسي، والإخوانيين خاصة. وكانت مصر البلد الذي أنتج هذه الحركة السياسية المتسترة بالدين.
إن التطرف الديني يولد كل أشكال العنف وصولا للإرهاب، وإذ تحول الإرهاب الإسلامي إلى حرب شاملة على الحضارة وعلى الشعوب، وإن الأقليات الدينية هي في مقدمة ضحايا الأنظمة الإسلامية والدول الإسلامية التي تشهد تصاعدا لدور تيارات الإسلام السياسي كما في العراق اليوم.
بموازاة العدوان على الأقباط، تتواصل جرائم دارفور من قتل ومن اغتصاب جماعيين دون أن يتخذ المجتمع الدولي تدابير حازمة لردع النظام الإسلامي في السودان.
والنظام الإسلامي في إيران يحرم السنة من حق ممارسة شعائرهم. وكانت طالبان قد هدمت تماثيل بوذا. أما في العراق فإن الأقليتين المسيحية والصابئة المندائية تتعرضان لاضطهاد متواصل بدأته في بغداد تنظيمات ومليشيات منذ تحرير بغداد. إن الأقليات الدينية العراقية، التي هي عراقية عريقة وقبل ظهور الإسلام، تعاني من القتل وتفجير أماكن العبادة ومطاردة النساء السافرات. إن حملة اضطهاد المسيحيين في البصرة قد أدت لهجرة عدد كبير جدا من المسيحيين العراقيين لخارج العراق.
ليس مجهولا أن الناطقين باسم الإسلام والمتاجرين السياسيين بعنوانه، يعتبرون غير المسلم "كافرا"، وفي القرآن آيات كثيرة عن "الجهاد" ضد "الكفار." الإسلاميون لا يعترفون بغير الإسلام دينا ولابد في نظرهم من خضوع الآخرين لأحكام الشريعة والتحول الديني وإلا فهي الحرب الظاهرة أو المستترة.
للحقيقة نقول إن الإسلام ليس الدين الوحيد الذي تتفرع منه تيارات ومدارس وجماعات متطرفة يمارس بعضها العنف والإرهاب. فهناك يهود دينيون متطرفون من أمثال الحاخام كاهانا؛ وهناك شريحة من المتطرفين البروتستنت في أمريكا تعتدي على المراكز الطبية التي تمارس الإجهاض. وأقلية بوذية شديدة التطرف وضعت الغازات في محطات مترو اليابان في التسعينات. وهناك فريق من المتطرفين السيخ تمارس العنف والجريمة ضد غيرهم.
إن هذه الشرائح المحدودة تلقى مواجهة الحكومات والمجتمع المدني وعقوبات القانون. أما المشكلة مع العنف والتطرف الإسلاميين فهي أنهما يلقيان تعاطف أقسام واسعة من المسلمين كما ظهر من اعتداءات 11 سبتمبر، أو من عدم المبالاة التامة الذي يعني التحريض الضمني. وفوق ذلك، بل قبله، التذرع بآيات القرآن نفسه لممارسة العنف باسم "الجهاد من أجل الإسلام." إن مشكلة الإرهاب الإسلامي اليوم أنه يمارس الجريمة في كل مكان، وأنه إرهاب أعمى قد يطال الطفل والمرأة وأماكن العبدة والضحايا في الغالب هم من المدنيين وعلى نطاق واسع بضحايا كبيرة جدا.
إن التطرف الإسلامي يحول الإسلام إلى دين الكراهية والدم، ويبشع صورة المسلمين في العالم. إن معظم أئمة الجوامع لا يبشرون في خطب الجمعة بالمحبة والأخوة بين البشر وبوجوب احترام كرامة الإنسان، بل تمتلئ الخطب بمفاهيم الكراهية والإثارة خلافا لأي قداس مسيحي حيث دعوات المحبة والغفران والسلام.
إن الموضوع واسع وسوف نعود لتناوله باستعراض لكتاب مؤلف إنجليزي نشر عام 2000 وظهرت مؤخرا ترجمته الفرنسية تحت عنوان "بأسم الله يقتلون.( Mark Juergensmeyer) « Au nom de Dieu ils tuent. »
المحزن أكثر والباعث على إدانة اكبر أن جرائم الإسكندرية تنفذ عشية عيد الفصح المسيحي وكأنما كانت "هدية" الإسلام المتطرف لمن يعتبرون "من أهل الكتاب"، ومواطنين من درجة دنيا، بينما نجد البابا والكنائس يدعون لاحترام الإسلام والحوار مع المسلمين ودعم الفلسطينيين. إنها جرائم تخزي مقترفيها والمتواطئين معهم في الأجهزة الحكومية المصرية.
ونقول أخيرا لأخواتنا وإخواننا الأقباط ولكل المسيحيين العرب: "عيدا مباركا"، ونقول للمتطرفين الدينيين: "لكم الخزي والعار."

عزيز الحاج
16 نيسان 2006