الشرفنامة

زبير بلال اسماعيل
المكتبة التاريخية الكردية متواضعة بصورة عامة ، لان معظم تاريخ الكرد لم يدون . وينطبق ذلك على تاريخ الكرد القديم والوسيط والحديث . فالتأريخ القديم يعتمد في الاساس على المكتشفات الآثرية والمادية وعلى ما كتبه الكتاب اليونان والرومان حول العصور القديمة المتأخرة ، ولم يؤلف لذلك العصر بالنسبة الى الكرد سوى كتب قليلة وما ورد في تضاعيف وثنايا مدونات الرحالة والأثريين .
أما بالنسبة الى التاريخ الوسيط الذي يلعب فيه الاسلام أبرز دور في تأريخ كردستان، بل والعالم ، فقد ورد ذكر الكرد وأحداث متصلة بهم في المؤلفات العربية في التأريخ وفي كتب الرحلات والبلدانيين المسلمين ، وهنا لا نجد ايضا" كتابا" قائما" بذاته منفردا" في الموضوع .
ومع بداية العصر الحديث نرى عناية متزايدة بالكرد وبلادهم ، فظهرت مؤلفات خاصة في تأريخهم وأهمها كتاب ( الشرفنامه ) لمؤلفه شرف خان البدليسي المتوفي سنة 1603م وهو باللغة الفارسية وقد ظهر بعد حوالي 600 عام بعد ( الشاهنامه ) أي أنه كتب بين عامى ( 1597 – 1599 م ) وقد أتم شرف خان الجزء الاول من كتابه في سنة 1005هـ / 1597م .
ويبحث كتاب الشرفنامه في تاريخ الدول والامارات الكردية في العصور الوسطى والحديثة الى نهاية القرن السادس عشر الميلادي ، وفيه تراجم لملوك وسلاطين وأمراء وحكام من المستقلين والتابعين ، ويعتبر أهم مصدر في تأريخ الكرد في تلك العصور المشار اليها . وقد استفاد منه المؤرخون الذين جاءوا بعد شرف خان مثل كاتب ضلبي وأليا ضلبي والأخير رحالة تركي شهير الف ( سياحتنامه ) في سنة 1065 هـ وفيه قسم خاص بالكرد ترجمه الى الكردية الاستاذ سعيد ناكام .
نال كاتب الشرفنامه أهتمام الباحثين والقراء من الاجانب والكرد على حد سواء وكذلك أهتمام المعنيين بتاريخ الشرق ، وفي الكتاب معلومات مهمة عن البلدان والقبائل واللهجات الكردية والدور المهم الذي لعبه الكرد في تأريخ الشرق الاوسط .
والشرفنامه اسم الكتاب منسوب الى شرف خان بن شمس الدين البدليسي ( 1542 – 1603 م ) المعروف بالامير شرف حاكم أمارة بدليس الكردية ، وبدليس اسم مدينة و منطقة كبيرة تقع في غرب بحيرة ( وان ) وتتبعها مدن : مرش وكنج سعرت . وكانت ( بدليس ) مركزا" لإمارة توالى على حكمها امراء اسرة شرف خان فكان مؤلف الكتاب هو الامير الخامس المعروف بهذا الاسم من الاسرة الحاكمة، وكان من الامراء النابهين المصلحين ، عنى عناية خاصة بالعمران والمعرفة ، وقد نشر كتاب الشرفنامه من بعده مرات عديدة وترجم الى لغات كثيرة .
ترجم الشرفنامه الى اللغة الكردية الملا محمود بايزيدي في حوالي سنة 1858م ، والذى أراد ان يقلد شرف خان ويسلك طريقه فبدأ فيما توقف عنده شرف خان ، فوضع في سنة 1274هـ / 1857م كتابه ( تاريخ كردستان الجديد ) المتكون من ألف صفحة تقريبا" ، ويمكن اعتبار هذين الكتابين بداية طيبة للمدرسة التأريخية الكردية . وبعد أقل من قرن جاء محمد أمين زكي فوضع كتابا" شاملا" في تأريخ الكرد وكردستان وأعتمد فيه على المصادر الاسلامية المختلفة وعلى أحدث ما توصلت اليه دراسات المستشرقين حول الكرد وبلادهم .
لقد لقي كتاب الشرفنامه عناية خاصة من لدن المؤرخين والمستشرقين في اوروبا عامة وفي روسيا خاصة من لدن القسم الكردي في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم في لينينغراد حيث بدأت ( يفغينيا فاسيليفا ) بترجمة الشرفنامه الى اللغة الروسية واتمت الجزء الاول منه وصدر في سنة 1967 وانهمكت بعد ذلك في ترجمة الجزء الثاني .
وقد ذكر الدكتور كمال مظهر بان الكاتبة المذكورة استعرضت تاريخ إهتمام الباحثين بالكتاب فأشارت الى أن أول من ذكر شرفنامه هو ( هيربيلو ) في سنة 1776م في كتابه ( المكتبة الشرقية ) أو القاموس العام ، بالفرنسية . وكان هذا قد عرف الكتاب عن طريق احدى كتابات السائح التركي الشهير في القرن السابع عشر كاتب ضلبي ومن بعده كان ( جون مالكولم 1769 – 1833 م ) الدبلوماسي البريطاني الذي عمل في الهند وإيران وهو أول أوروبي تمكن من الحصول على نسخة مخطوطة من الشرفنامه مع مخطوطات أخرى خلال اقامته في ايران . وبعد عشرين سنة نقل المؤرخ الفرنسي ( كاترمير ) كثيرا" من المعلومات من الشرفنامه الى كتابه المعنون ( تأريخ مغول ايران ) الذي ألفه في سنة 1836م .وكان ( خ. د. فرين ) أول روسي ذكر في سنة 1826م في احدى جرائد بطرسبرغ بأن الشرفنامه مصدر تأريخي هام . وبعد ثلاث سنوات دعا الى ترجمته الى إحدى اللغات الاوروبية . ويرى ( قناتي كوردو ) الباحث الكردي المعروف في كتابه ( كوردناسي ) الذي الفه \عن الشرفنامه والمخطوطات القديمة المحفوظة في خزائن لينينغراد (بطرسبورغ حاليا ) وصدر عام 1972م في لينينغراد ( ص 386 – 387 ) بأن : ( م فولكوت ) هو اول من رأى و وصف هذه المخطوطات في عشرينات القرن التاسع عشر في عدة صفحات وان ( خ. د. فرين ) أول شخص في حوالي هذه الفترة تحدث أيضا" عن أهمية ونشر وترجمة الشرفنامه .
واستطاع المستشرق الروسي ( زيرنوف ) عضو الاكاديمية الروسية في( بطرسبورغ أن يصدر الجزء الاول من الشرفنامه في سنة 1860 بلغته الفارسية ، وقدم لهذا الجزء بمقدمة ضافية باللغة الفرنسية ، ثم أصدر الجزء الثاني الذي قدمه أيضا" بمقدمة فرنسية في سنة 1862 م. ويقع جزءا الكتاب المطبوع" في حوالي الف صفحة . ونسخ الشرفنامه المخطوطة تبلغ ( 22 ) نسخة موزعة في مكتبات العالم المعروفة ، وحسب المعلومات التي جمعتها ( فاسيليفا ) : ان أقدم وأهم واكمل نسخة مخطوطة منه هي تلك النسخة التي دونها شرف خان بخط يده تحت اسم ( شرفنامي تاريخي كوردستان ) وهي محفوظة في مكتبة ( بودليان ) في اكسفورد وتقع في ( 246 ) صفحة ، واكملها مؤلفها سنة 1005هـ 13 آب 1597م . واكمل الجزء الثاني من الكتاب في مايس 1599م . والنسخة الاخرى المهمة من الكتاب هي النسخة المخطوطة المحفوظة في المكتبة العامة في لينينغراد ويرجع تأريخها الى سنة 1598 م حيث إطلع المؤلف بنفسه عليها و وضع عليها ختمه .
وهذه النسخة غنمها الجيش الروسي سنة ( 1826 – 1828م ) في حربه مع الفرس حيث نقل من أردبيل من مكتبة الصفويين الى بطرسبورغ وكانت الشرفنامه أحدى مخطوطات هذه المكتبة .

ترجمات الشرفنامة
إن اقدم ترجمة للشرفنامه كان الى اللغة التركية ، حيث ترجم مرة مختصرا" واخرى بصورة كاملة . والترجمة الاولى قام بها ( محمد بك بن احمد بك ميرزا ) في سنة 1078هـ 1667 – 1668م ، والثانية قام بها سامي في ثمانينات القرن السابع عشر .
وبعد حوالى (200 ) سنة ترجم الملا محمود البايزيدى الجزء الاول من الكتاب الى اللغة الكردية وذلك في سنة 1858 – 1859م بتشجيع من المستشرق المختص بالدراسات الكردية ( الكسندر ذابا ) الذي تمكن عن طريق البايزيدي الحصول على كثير من المخطوطات الكردية المحفوظة الآن في المكتبة العامة بلينينغراد .
وفي هذا الوقت تقريبا" ترجم الكتاب في فينا ( النمسا ) الى اللغة الالمانية من قبل ( ك. آ. بارب ) ونشر بصورة متسلسلة في سنوات 1853 – 1859 م ، ثم جاء البروفيسور ( ف. ب. شارموا ) وترجم الكتاب بكامله الى الفرنسية بين سنة ( 1868 – 1875 م ) . وقد بذل جهدا" كبيرا"وكان يعتبر من اكبر المختصين في الدراسات الايرانية في اوروبا في عهده ، وقد اعتمد على نسخة ( زيرنوف ) الفارسية بالدرجة الاولى وعلى نسخ خطية أخرى من الكتاب ، وأصدر الكتاب في أربعة أجزاء .
وقد حصل العالم الاذربيجاني ( د. محمد شمسي ) على درجة الدكتوراه برسالته المعنونة ( شرفنامه شرف خان البدليسي كمصدر لتاريخ الشعب الكردي ) وكتبها باللغة الاذرية ثم نشر سلسلة مقالات حول الكتاب أي الشرفنامه و مؤلفه .
أما في الوطن العربي فقد طبع الشرفنامه في مصر في سنة 1930م من قبل الناشر الكردي فرج الله زكي باللغة الفارسية . وقد اعتمد الناشر على ثلاث نسخ هي : ( النسخة الروسية التي نشرها زيرنوف ) و ( نسخة ثريا بدرخان باشا ) و ( نسخة المدرسة العثمانية في حلب ) ووضع الاستاذ الراحل محمد علي عوني حواشي الكتاب المطبوع . وترجم الكتاب الى اللغة العربية لاول مرة الاستاذ ( ملا جميل روذبياني ) ونشره في بغداد في سنة 1953 م بمساعدة المجمع العلمي العراقي ، وهذه الطبعة المترجمة غنية بحواشيها وتعليقاتها التي أضافها المترجم للكتاب . ثم قام المرحوم محمد علي عوني بترجمة الشرفنامه الى العربية ايضا" في مجلدين نشر بعد وفاته من قبل وزارة التربية والتعليم في مصر بأعتناء الاستاذ الراحل الدكتور يحيى الخشاب الذي قدم الكتاب بمقدمة مهمة في حوالي ( 50 ) صفحة إستعرض فيها تأريخ الكرد حتى العصر الحديث . وصدر الجزء الاول منه في سنة 1958م .
وأخيرا" قام المرحوم ( عبدالرحمن موكرياني ) ( هذار ) بترجمة الكتاب من الفارسية الى اللغة الكردية ، وصاغه بلغة بلغة كردية جميلة بمضامينه النثرية والشعرية وطبعه المجمع العلمي الكردي على حسابه في سنة 1972 م. ويقع هذا الكتاب المطبوع في ( 840 ) صفحة فضلا" عن ( 176 ) صفحة هي مقدمات الكتاب وتتضمن كلمات تقريظ ومقدمة الطبعة الروسية ومقدمة الطبعة المصرية الفارسية لمحمد علي عوني ومقدمة الطبعة المصرية العربية ليحيى الخشاب ومقدمة المترجم وتراجم لبعض المؤرخين الكرد الذين خدموا التاريخ والادب الكردي ، والحواشي الكثيرة وشجرات الانساب لعدد من الاسرات الكردية الحاكمة .
هذا هو كتاب الشرفنامه : المصدر التاريخي الهام القديم والجديد الجامع ، لم يؤلف في موضوعه ما يماثله في غزارة المعلومات وشمولية البحث الى يومنا هذا . فكان لشرفخان الريادة في كتابة تأريخ الكرد .
كلمة لا بد منهاl
ترك المؤرخ الكردى البارز الراحل زبير بلال اسماعيل (1938-1998) ارشيفا بالغ الثراء من المؤلفات والدراسات التأريخية القيمة، التى تنتظر التحقيق والنشر، وقد كتب مؤرخنا الجليل هذا المقاال لمناسبة مرور (400) عام على تأليف اهم مصدر عن تأريخ الكرد وكردستان على الأطلاق وهو كتاب ( الشرفنامة ) ووجد فى ثنايا ارشيفه العلمى ، وليس لنا من جهد فى هذا الصدد ، سوى طبعه ونشره الكترونيا ، ونأمل ان نكون قد وفينا جزءا يسيرا من فضل استاذنا ومؤرخنا الجليل علينا نحن الذين تتلمذنا على يديه ، وتحية وفاء وعرفان بالجميل الى روحه الطاهرة .

محمد مصطفى الصفار
20/2/2006